|
مشكلة اليمن- منذ بدء نشأة الدولة الحديثة في مطلع الستينيات في القرن الماضي- أنها تنفق جل الموازنة العامة على مفردات القوة وإدارة الصراع ولم تفكر يوماً في أهمية البحث العلمي في التخفيف من حدة الصراع وقدرته على إحداث عمليات الانتقال , فالتعبيرات السياسية المتعددة التي وصلت إلى سدة الحكم تستغرق ذاتها في صراعها مع الآخر وفق حالات انفعالية , وهي بذلك تستسلم بكل إرادتها لقانون التاريخ وتفسح له المجال كي يكرر نفسه وأحداثه ووقائعه إلى درجة تعطيل حركة المجتمع في التحديث والانتقال , فالحرب والصراعات والنزاعات تعمل على يقظة الهويات التاريخية بكل تشوهاتها ونتوءاتها التي لا تتناغم مع روح العصر الذي نعيش , لذلك فكل الحروب التي حدثت بعد عام 1990م، لم تترك إلا مجتمعاً مختلفاً , وثقافة تقليدية , واقتصادا راكداً , حتى تلك التحولات التي ظننا أنها تحولات , لم تكن تحولات بنيوية عميقة فقد تركت وراءها مجتمعاً مغترباً وثقافة مستلبة , وشخصية منقسمة على نفسها . فالحرب هي بمثابة الانقطاع الحضاري المتجدد في المكان الجغرافي , والزمان التاريخي بما تتركه من أثر في النسيج الاجتماعي والثقافي والأخلاقي , ومثل ذلك يكون سبباً مباشراً في ازدواج الشخصية , وتنافر السلوك , بل يكاد يشكل تعارضاً بين الفكر والممارسة .
وهذا هو الحال الذي نعيش تفاصيله اليوم مع التعدد في المواقف من الاحتفال بالعيد الثالث والثلاثين للوحدة اليمنية , ولعل أبلغ رسالة جاءت من محافظة المهرة التي احتفلت بالمناسبة شعبيا، وكان للحضور الجماهيري الكبير معانٍ كبرى في نفوس الناس، وقد حمل عددا من الرسائل للساسة ولدعاة الانفصال وللإقليم , والأغرب في كل الأحوال هو مشاركة اليمنيين احتفالهم في بعض دول الإقليم من خلال رفع العلم على بعض المعالم الحضارية الحديثة عدا المملكة التي ما شهدنا لها من تفاعل مع الحدث حتى ببرقية تهنئة من باب المجاملة في تعزيز موقف مرتزقتها، ومثل ذلك أمر غير مستغرب، فالعلاقة مع نجد علاقة صراع منذ الدولة التاريخية، وصولا إلى المملكة بعد تشكلها.. وكلنا يعلم أنها انطلقت من نجد فامتدت إلى غالب جغرافيا الجزيرة ومنها جغرافيا يمنية .
فلا يظن ظان أن الصراع اليمني السعودي- منذ نشأت الدولة السعودية الجديدة في عقد الثلاثينات من القرن العشرين- صراع ثقافي أو حضاري أو سياسي , الموضوع أكبر من ذلك وما كان لبدو صحراء نجد أن يكونوا رقما إلا بغيرهم، لذلك فالصراع الحقيقي لم يكن بين اليمن والسعودية في القرن العشرين بل كان بين اليمن والقوة الاستعمارية البريطانية ولم تكن السعودية فيه إلا أداة كشأنها اليوم , ويمكن الرجوع إلى مذكرات المخابرات البريطانية وضباطها، فهي منشورة وتقول الحقيقة التي ظلت غائبة عن الناس على مدى قرن من الزمان .
فالمستعمر الذي ظننا التخلص منه في زمن الثورات وزمن التحرر وزمن المد القومي لم نتحرر منه بل ظل يعيش ويتحكم في مصيرنا ويتمدد، فبعد نكسة ( 5 حزيران) التي تمدد فيها العدو الصهيوني في صحراء سيناء والعريش، وضع يده على صحراء الخليج ونشأت دولة الإمارات عام 1971م , وقد حاول العدو تغريبها حتى ما تكاد تستبين فيها لساناً عربياً واحداً في مطاراتها وأسواقها وشركاتها التجارية , وفرض شركات أمنية لحماية الحكام والشركات، وهي شركة «بلاك ووتر» الأمنية والعسكرية، وقد شاركت هذه الشركة في العدوان على اليمن، ولكنها غادرت بعد أن رأت بأسا شديدا لا يتسق مع طبيعتها اليهودية التي تحدث عنها القرآن، وهي القتال من حصون مشيدة أو من وراء جدر .
كانت دبي مشروعا اقتصاديا صهيونيا بامتياز , والصهيونية هي من تديره وتبتكر آلياته وتدير صراعاته في العالم , فالمترف البدوي الصحراوي لا يبتكر مشروعا اقتصاديا كبيرا فقضيته لا تتجاوز سباق الهجن والتطاول في البنيان وماعدا ذلك خارج قدراته الذهنية بل وخارج ثقافته التي لا تتجاوز القنص وتربية كلاب الصيد والصقور , ولعلك إذا تحدثت إلى حكام الخليج لا تجد حديثا أو معرفة أو اهتماما بالقضايا العامة , وقد روى محمد حسنين هيكل أنه زار الملك عبدالله ملك السعودية فسأله سؤالا واحدا في لقاء امتد لثلاث ساعات، وهو: كيف أنت والنساء وقد بلغت الثمانين ؟.
كل الدلائل تقول إن دبي وأبو ظبي كانتا مشروعا اقتصاديا يهوديا وما زالتا وربما الحقائق بدأت تكشف عن نفسها اليوم بشكل متدرج , فالإمارات تنوب عن اسرائيل في العدوان على اليمن، وقد دل الوفد الاستخباري اليهودي الذي زار سقطرى على حقيقة الإمارات , فإذا نزعت الشماغ العربي الذي يظهر على الكائنات التي تتحرك في قصور الحكم في دبي لوجدت « الكيباه « (قبعة يرتديها اليهود على رؤوسهم ) , وإذا زرت دبي- وهي حسب ما نعرف بلد عربي- لشعرت أنك كعربي غريب اليد واللسان , كما أن التفاعلات الحياتية هناك تمثل ثقافات وحضارات لا صلة للعرب وحضارتهم وثقافتهم بها .
أمريكا منذ خمسينيات القرن العشرين وضعت يدها على السعودية بدل بريطانيا، لكن حنين العودة البريطانية نجده اليوم في المهرة وتكاد المصالح أن تنطق هناك، وثمة تناغم بين بريطانيا وأمريكا اليوم وهو الأمر الذي جعلها تخرج من الاتحاد الأوربي .
ما يحدث اليوم هو حركة استعمارية متطورة عن ماضيها فهي تستعمر الأوطان من خلال أبنائها وتدير حربها بدماء البلدان المستعمرة، وقد آن لنا اليقظة ومواجهة المستعمر , فالعدوان على اليمن فرض واقعا جديدا ألقى بظلاله على تيار المقاومة الذي أصبح رقما صعبا اليوم بفضل بأس وصمود أهل اليمن، ومثل ذلك لم يتوقعه العدو ولم يدر في خلده .
في الجمعة 26 مايو 2023 10:40:36 م