|
ليست السياسة سوى امتداد للحرب ،ولذلك فإن الحوار والتسويات السياسة هي حرب بأدوات السياسة .
كتب الدكتور ياسين سعيد نعمان في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) مقالا بعنوان “السلام هو الطريق الآمن لإنهاء الحرب” فسَّر من خلاله دعوات السلام وإيقاف الحرب في اليمن بأنها تصدر إما عن يائس يبحث عن السلام والتسوية بأية كيفية كانت .أو أنها دعوات صادرة عن الذين سماهم ب “الانقلابيين “الذين أصبحوا يطالبون بالسلام بعد أن اشتد الخناق عليهم حسب زعمه ،نظرا لما تعانيه إيران من أزمات اقتصادية وسياسية ،دفعتها إلى أن تتخلى عن “أنصار الله ” !
ينطلق الدكتور ياسين في مزاعمه من مسلمات لديه بأن أنصار الله حركة إيرانية المنشأ والغايات ،تسير بحسب البوصلة الإيرانية !
وبثمل هكذا مسلمات يُضَلِل ياسين سعيد نعمان القاريء بمقدماته الخاطئة ،ليصل إلى نتيجة وهمية ،وهي أن أنصار الله في حالة ضعف واستسلام ،ولم يبق سوى الإجهاز عليهم ،فالتسوية السياسية حسب زعمه إنقاذ لهم !
لكن الوقائع العسكرية والسياسية تقدم حقائق مختلفة ،فأنصار الله بعد ثلاث سنوات من الحرب أكثر قوة وتماسكا وسيطرة ،وإنهم من موقع الاقتدار أصبحت صواريخهم تصل إلى عمق السعودية والإمارات ،وأن إطالة الحرب لا تعني سوى إنهاك الشعب اليمني ،ومعاقبته جماعيا ،لرفضه للعدوان الأمريكي السعودي .
عجزوا عن تحقيق أي تقدم عسكري ضد أنصار الله ،فضيقوا الحصار على الشعب اليمني أملا في تحريضه ضد أنصار الله ،لكن الاحتشاد الجماهيري في ميدان السبعين يوم 26 مارس 2018م خيب توقعاتهم!
يقدم لنا التاريخ رؤية واضحة لنتائج الغزو،حين تتم مواجهته بحركة ثورية وعقائدية ،فإن مدى الحرب إن استطال زادها قوة ومنعة .
كانت نتيجة الغزو العثماني لليمن “أن خسرت الأناضول والروملي والشام ما يزيد على الخمسمائة ألف قتيل ،وإنفاق ملايين الدراهم والدنانير ،ولعل سقوط الامبراطورية العثمانية كان بسبب تورطها في البلقان واليمن ،فلم تستقر يوما هنا وهناك ،واستمرت بنزيف وإنهاك يومي حتى أعيتها حروب العصابات والمواجهات النظامية ،فسقط الرجل المريض منكفئا ،يلملم ما يمكن لملمته تحت مسمى تركيا أتاتورك .
يقول محمد رشيد رضا في الجزء الثالث من المجلد الحادي عشر من مجلة المنار المصرية ،عام 1326 هجرية :العرب في اليمن لا يطيقون الظلم والجور والخيانة والغدر ،ولا يصبرون عليه لأنهم “ورثوا الاستقلال الشخصي والقومي وعزة النفس وإباء الضيم منذ آلاف السنين ”
الحرب ضد الغزاة يزيد المشروع الثوري لحركة أنصار الله منعة وصلابة. ولن تنهك هذه الحركة الثورية إلا إذا سارت على نمط النظام السابق،في تعدد مراكز القوى والمحاصصات .
كان الإمام يحيى محمد حميد الدين يرد على الذين يريدون أن يكونوا مراكز قوى موازية لسلطة الإمام بقوله “مابش سيد إلاّ الإمام …”في تحديد وحصر للسلطة به ،وهو بهذا التحديد أراد أن يحصر السلطة برأس ومركز واحد ،لابعدة رؤوس ومراكز قوى ،يكون تضخمها على حساب بناء الدولة .
لهذا فإن على حركة أنصار الله أن تتنبه ،وأن تحصر مسار السلطة بخطاب ومواقف قائد الحركة ،وبنهجه الثوري الذي اختطه لها ،فأخطر ما يواجه الحركة هو أن يختطفها البعض نحو الهويات المغلقة ،والتعبير عن فئة من الناس لا عن عموم الشعب ،وقواه المنتجة .
وهو خطر يتحرك من الداخل بدافع شهوة السلطة والاستئثار والنهم لدى البعض ،ويتكامل مع أهداف الخارج ،الذي يعي أن كعب أخيل أي حركة ثورية هو أن تفقد بوصلتها الوطنية والثورية ،لتكون حبيسة الأوهام بدلا من تحليقها بجناحي حركتها :الفكر الثوري اليمني ،بتراكماته التاريخية الوطنية ،والانتصار بالمستضعفين وللمستضعفين في الأرض”ونريد أن نمُنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ” وهما جناحا القائد المستبصر بالوعي وبروح المسؤولية وافق الحرية والكرامة .
من الطبيعي أن حركة أنصار الله لازالت في مسارها الثوري الذي يهدم ويكنس مراكز قوى التسلط والفساد التي سيطرت طيلة عقود عديدة ،لكن الخلط بين مرحلة الثورة التي تنجزها الحركة بتفوق وسرعة ،وبين الانتقال من الثورة إلى الدولة ؛أي بناء النظام –هذا الخلط يأخذ من رصيد الحركة ولا يضيف لها .
أولا لأن عملية بناء النظام لا يمكن إنجازها إلاَّ بتوافق كل القوى السياسية المحتربة ،من خلال الوصول إلى صيغة سلام عادل مع الداخل والإقليم والغرب . ثانيا لأن بناء النظام بشكل منفرد ليس له أفق نجاح بحسابات الاقتصاد قبل السياسة ،وبحسابات المجتمع وتنميته قبل حسابات الإمكانات والقدرات …
فلقد عجز تحالف العدوان بما لديه من مال وقوة عن أن يؤسس استقرارا وتنمية في المناطق التي سيطر عليها ،وتركها فريسة للفوضى والاغتيالات ،مكتفيا باستغلال وإدارة المواقع التي يراها الغرب استراتيجية لمصالحه ،على البر أو البحر ،أو الجزر ،أو السماء !
حركة أنصار الله تتمدد وتنمو بخطاب الثورة والشراكة السياسية ،لكن العدوان يريد لها أن تتآكل وتحشر في مأزق كينوني بمتطلبات ومقتضيات النظام وبنائه.
في الإثنين 09 إبريل-نيسان 2018 08:53:01 م