|
ما إن يستفيق على يومٍ جديد، لطالما انتظر لحظة بزوغ شمسه، وهو في قلب الظلام، يغزل الأمنيات، ويغيب في إغفاءةٍ تلو أخرى، لكي يتخلص من واقعه الجامد الأسود الرتيب المميت، بشيء من هدهدات الأحلام، التي تزوره بين وقتٍ وآخر، لتعيد إليه بعض الإحساس والشعور بذلك البناء الخرب والمتهالك بين جنبيه، والذي يسمى مجازاً: الأمل، حتى يُصاب بالصدمة لهول ما يراه جارياً في ساحة ونظام وحركة ذلك اليوم الذي ظنه صبحاً، وظل ينشد له الأشعار، ويغني فرحاً بمقدمه بمحضر جمعٍ غفير من النجوم، وراح ينتقل من زاوية إلى زاوية مقابلة لها، على طول تلك المقبرة السوداء وعرضها، عله يجد شاهداً يدعم ما يجده في نفسه من انشداد للآتي، ونفور وبغض واستثقال لكل ما هو سائد وقائم في واقعه الراهن، ولكنه الآن يقف وجهاً لوجه مع منشوده، منكسراً، إذ يرى الأيدي والعيون التي تقف تحت أشعة تلك الشمس، مشحونة بالظلام الدامس، الذي اختمر فيها إلى الحد الذي مكنها من اتخاذ النور مظهراً لممارستها الطويلة في الخداع والتضليل للبسطاء، والتمادي في الكذب على القلوب المتعطشة للعدالة والاستقرار والحياة الكريمة، والسعي لمسخ كل ما هو إنساني، وتزييف كل ما هو حق، وتسطيح كل ما يشتمل على الأبعاد الخلقية، والقيم المعنوية.
ومع ذلك لا يمكن له أن يقف مكتوف اليدين، يجتر آلامه بصمت، ويندب حظه بصوت ومدامع اليأس والانهزامية، على ربوة الاعتزال لكل شيء في الحياة، بل نراه يزداد قوة وعزيمة في مواصلة الكفاح المرير، وخوض المعركة الطويلة الأمد، التي ما إن يتقرر فيها انهزام الوجوه الحقيقية للباطل، حتى تنبت من جديد بسحنات وقوالب جديدة، متخفية تحت كل شجرة وصخرة تعبران عن الحق والمحقين.
إنه يدرك ضرورة المسارعة في قول ما يجب قوله لكشف باطل ما، وبيان حقيقة الأمور كلها، أياً كانت، لأن التأجيل في ذلك معناه: السماح لكل ما هو زيف وباطل وشر وفساد وسلبية وقصور لكي يتمكن أكثر، والذي متى ما استحكمت قبضته على كل شيء، لن يستطيع بعدها أي إنسان قول أي شيء.
إنها مهمةٌ عسيرة، ورحلةٌ شاقة، وطريق باهظة الكلفة، لكل مَن يختارها، لذلك فالجديرون بها قليل، وهم ليسوا من خريجي المؤسسات الدينية، ولا الجامعات والأكاديميات، وإنما هم: الآتون من ربذة أبي ذر، الباقون في سياحة دائمة على مذبح العشق.
* نقلا عن : لا ميديا
في السبت 10 يونيو-حزيران 2023 08:30:25 م