|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
قبل الموضوع الرئيسي للجلسة، يمكن أن نتحدث حول معنى الصلاة على النبي وعلى آله (صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
والصلاة من حيث هي، الصلوات الخمس التي فرضها الله على عباده، والصلوات النافلة هي من أهم العبادات، ولها دلالاتها المهمة، ولكن المشكلة هي أننا لا نلتفت إلى ما تدل عليه الصلاة، وما تعطيه من إيحاءات وإشارات ودلائل، نصلي ولكننا قد تعودنا بالنسبة للصلاة أن يصلي الواحد منا عمره، ستين سنة سبعين سنة، نصلي كل يوم، كل يوم، كل يوم، عدة صلوات، ولا نجد أن هناك أثرًا بالنسبة للصلاة على الكثير، الكثير منا؛ لأننا لا نلتفت ولا نتساءل، ولا نسأل عما في الصلاة من دلالات، عما فيها من إشارات، عما فيها من إيحاءات كثيرة جدًا.
بعض الناس قد يقول لك: [بأن الدنيا ملان طوائف فلا يعرف الإنسان من هو الذي على حق ولا من هو الذي على باطل] ولو قام يصلي ركعتين بتأمل لعرف الحق، ولعرف من هم أهل الحق، ركعتين تكفي واحد إذا كان إنسانًا فاهما يتأمل، ركعتين تكفيه أن يعرف المحق من المبطل، وأهل الحق من أهل الباطل.
نصلي على الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الصلاة في التشهد نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد] ألسنا نقول هذا دائمًا؟
ولكن لو تعمل استبيان، سؤال يوجه إلى كل واحد منا فتبدأ من طرف اليمن إلى طرفه الآخر، ستجد القليل القليل من الناس من يعرفون معنى الصلاة على محمد وعلى آل محمد، والكثير ممن يعرفون قد يقول لك: الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين الدعاء.. وانتهى الأمر. وهذا التعريف غير صحيح، تعريف غير صحيح.
الصلاة على محمد وعلى آل محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) جاءت الصلاة بلفظ الدعاء، أن ندعو نحن، نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد] أن تأتي الصلاة على محمد وعلى آل محمد بلفظ أن ندعو نحن لهم بأن الله يصلي عليهم، هذه لها وحدها دلالة مهمة، هي تقررنا، وألسنتنا تنطق بأننا في واقعنا مسلِّمين بقضية محمد وآل محمد: أنهم هداة الأمة وقادتها، أنهم أعلام الدين، وورثة نبي الله، وورثة كتابه الذي جاء به من عند الله، فنحن مسلِّمون بهذه المسألة أساسًا، وإنما لأن هذه قضية مهمة، نحن ندعو لهم.
أعباء الرسالة، أعباء وراثة الكتاب، أعمال ومسؤولية هداية الأمة، مسؤولية كبيرة جدًا ليست سهلة، مسؤولية مهمة جدًا، ألسنا نجد أننا نعجز عن هداية أسرنا؟ قد تكون أسرتك ثمانية أو عشرة أشخاص فيتعبونك، أليس هذا هو ما يحصل؟ تتعب وأنت تريد أن تهدي أسرتك، وأن تجعلهم أسرة مستقيمة، وهم عشرة، أو اثنا عشر شخصًا، فما بالك بمن حمل رسالة إلى البشرية كلها، إنه حمل كبير كما قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}(المزمل: 5).
من جعلهم الله ورثة للكتاب وجعلهم أعلامًا للدين، وأناط بهم مسؤولية هداية الأمة، إقامة الحق في الأمة، أيضًا مسؤولية كبيرة جدًا، مسؤولية كبيرة جدًا، تحتاج إلى أخلاق عالية، تحتاج إلى صدر فسيح، تحتاج إلى تحمل، تحتاج إلى صبر، إلى حلم، إلى كظم غيظ، إلى عفو، إلى أشياء كثيرة جدًا.
فنحن كأننا نقول: يا إلهي نحن نؤمن بأن محمدًا هو رسولك، ونؤمن بأن آل محمد هم ورثة كتابك، ونحن نعرف أيضًا أن مهمتهم كبيرة، فنحن نطلب منك أن تمنحهم من الرعاية والحظوة لديك والمكانة والمجد والرفعة ما منحته إبراهيم وآل إبراهيم.
ثم نرجع إلى القرآن الكريم فنجد أن الله قد منح إبراهيم وآل إبراهيم الشيء الكثير، المكانة العظيمة الرفيعة العظيمة: الكتاب والحكم والنبوة، وكما قال الله عنهم: {وَءَاتَيْنَـاهُمْ مُّلْكًا عَظِيمًا}(النساء: من الآية 54) جعلهم ورثة الكتاب، جعل فيهم الحكمة، جعل منهم النبوة، وحظوا برعاية عظيمة من الله سبحانه وتعالى، لم يحظ بها أحد من الأمم في عصورهم أبدًا، حتى في الأوقات التي كانوا فيها بشكل عاصين أو مهملين، كانوا ما يزالون أيضًا يحظون برعاية الله سبحانه وتعالى بشكل عجيب، عندما كتب الله عليهم التيه فتاهوا أربعين سنة في صحراء سيناء؛ لأنهم رفضوا أن يدخلوا المدينة المقدسة {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَْرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَـاسِقِينَ}(المائدة:26)، ألم يقل فاسقين؟ ومع هذا ماذا عمل لهم؟ عمل لهم أعمال كثيرة جدًا.
حجر تنبع منها اثنا عشر عينًا، حجر عادية يحملها الحمار، تضرب بالعصا فتنفجر اثنا عشر عينًا، {قَدْ عَلِمَ كُلُ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} أنزل عليهم [المنَّ والسَّلوى] المنُّ ينـزل شبيهًا بالثلج عندما ينـزل فيتجمع بكميات كبيرة فيكون عبارة عن غذاء وحلاوى؛ لأنه يكون شكله أبيض وحالي يتجمع. و[السلوى] طائر يتوافد بأعداد كبيرة، أليست هذه رعاية من الله سبحانه وتعالى؟
شق لهم البحر عندما أمرهم الله هم ونبيه موسى بالخروج من مصر ولحقهم فرعون وجنوده {فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَـانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَـالطَّوْدِ الْعَظِيم}(الشعراء:63) الماء كالجبل من هنا ومن هنا، ومشوا في طريق يابس في وسط البحر، في لحظة. عندما حصل منهم تخاذل، تكاسل عن الإلتزام بالتوراة جاء تهديد إلهي لهم: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} (الأعراف:من الآية 171) هددهم بالجبل، ثم أعاد الجبل إلى موقعه، وهكذا حظوا برعاية كبيرة كما قال لهم موسى (صلوات الله عليه): {وَءَاتَـاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَـالَمِينَ}(المائدة:من الآية 20). عندما تتأمل في القرآن الكريم تتعجب مما عدده الله سبحانه وتعالى من النعم العظيمة عليهم، ومما حظوا به من عناية ورعاية إلهية متميزة.
نبي الله إبراهيم أيضًا، أثنى الله عليه في القرآن الكريم ثناء عظيمًا {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}(النساء:من الآية 125) مكانة عجيبة، وقرب عجيب من الله سبحانه وتعالى أن يقول هكذا: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}رفع لإبراهيم ذكره أيضًا، جعله أبًا للأنبياء جميعًا، الأنبياء كلهم من بعد من بني إسرائيل كلهم من أولاده من ذريته، حظي بتكريم إلهي عظيم، ورفع الله له ذكره.
مهمة إبراهيم وآل إبراهيم هي مهمة مرتبطة بالأمة ومرتبطة بالدين، مهمة حمل الدين، حمل الرسالة، هداية الأمة كما قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِـالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (الأعراف:181).
فنحن في الصلاة نقول: [اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم] أي امنح محمدًا وآل محمد ما منحته إبراهيم وآل إبراهيم من الرفعة، من الثناء، من المجد، من الرعاية، والمكانة. أشياء كثيرة التي منحها إبراهيم وآل إبراهيم.
ونحن نقول في الأخير وهذا مما يدل على أن تفسير الدعاء ما ذكرناه، أو أن الذكر كما جاء من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في آخره: [إنك حميد مجيد] إنك حميد، فأنت مصدر الحمد؛ لأن الحمد هو: الثناء. مجيد، فمنك المجد وأنت مصدر المجد، امنحهم من المجد وامنحهم من الثناء فأنت الحميد، وأنت المجيد.
تتكرر على ألسنة المسلمين كل يوم؛ كي تترسخ في نفوسهم أهمية ارتباطهم بمحمد وآل محمد، ولكنا نصلي وننسى، بل بعضهم يصلي ويخرج يلعن آل محمد، وهو قبل قليل يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد! لكن إما أن تكون صلاة لا يدري ماذا يقول، أو يدري ما يقول ولا يعي معنى ما يقول.
ولهذا لا أحد – فيما نعلم – من المسلمين يصلي إلا وهو يصلي على محمد وعلى آل محمد، وبهذا الشكل الذي لا زيادة فيه ولا نقصان – لاحظوا – لا زيادة فيه، هل أدخل فيه في الصلاة عليهم أحد من الآخرين؟ لم يدخل الصحابة أبدًا، ولم يدخل أحدًا من الأولياء؛ لأن هذه الصلاة هي لها دلالة خاصة، هي مرتبطة بمهمة محمد وآل محمد، مرتبطة بمهمتهم، بمسئوليتهم في الأمة، مرتبطة بعلاقة الأمة الخاصة بهم.
بقية المؤمنين هناك ارتباطات أخرى، قد أتولاك باعتبارك مؤمنًا، وأحبك باعتبارك مؤمنًا، لكن هل أنت ممن يجب عليّ إتباعهم؟ هذا شيء آخر. ألسنا ملزمين بمحبة المؤمنين؟ نحن نحب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ونحب الإمام عليًا، ونحب المؤمنين أيضًا، لكن هل حبي لعمار بن ياسر مثلًا وحبي لعلي بن أبي طالب، هل هو مستوي؟ في علاقتي بعلي بن أبي طالب وعلاقتي بعمار هل هي مستوية؟ لا.. أنا أحب عمار بن ياسر كمؤمن، كولي من أولياء الله.
علي بن أبي طالب علاقتي به علاقة أخرى، أنا أحبه أيضًا كمؤمن، هو أيضًا يجب عليّ إتباعه، ويجب علي الاقتداء به، الارتباط به، أن أسير على نهجه. عمار بن ياسر الذي أنا أحبه هو يحب عليًا على هذا النحو، فيفرق في نظرته نحو علي، وفي علاقته بعلي، وفي ارتباطه بعلي يفرق بينه وبين ارتباطه بالمقداد أو بسلمان أو بأي شخص آخر من المؤمنين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معنى الصلاة على محمد وآله
ألقاها السيد/ #حسين_بدرالدين_الحوثي
بتاريخ: 08-02-2002
اليمن – صعدة
* نقلا عن :موقع أنصار الله
في السبت 17 يونيو-حزيران 2023 09:33:48 م