انبعاثات أمريكا تقتل العالم
وديع العبسي
وديع العبسي

تواترت خلال الأيام الماضية – وعلى نحو مثير للقلق – تقارير عن حالة المناخ التي يزداد وضعها سوءاً مع مرور كل يوم صناعي.
في الأسبوع الماضي لقي العشرات حتفهم حول العالم بسبب ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة قياسية والمستمر حتى الآن، إذ وصل متوسط درجة حرارة العالم قبل أيام إلى 17.23 درجة مئوية، وهو أحد نتائج هذه التغيرات المناخية، وتحديدا – حسب المصطلحات العلمية لأهل الاختصاص – نتيجة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومع التوقعات الأكيدة بكسر هذا الرقم ارتفاعا، من المحتمل أن يكون صيف هذا العام الأكثر سخونة وقد يتسبب بحرائق غابات أكثر اتساعا سيساعد بدوره في تدمير المناخ.
وقبل يومين حذرت منظمة الأمم المتحدة من حدوث فيضانات في اليمن خلال هذا الشهر، كما بدأت نشرات المركز الوطني للأرصاد تنبه من ارتفاعات محتملة لدرجة الحرارة على غير الطبيعي، فضلا عن كوارث أخرى يمكن أن يشهدها العالم مع تقاعس دول الصف الأول في مجال الصناعات وعلى رأسها أمريكا عن اتخاذ خطوات عملية لخفض منسوب انبعاثاتها الكربونية للوصول إلى مستوى الصفر، وهي التي بدلا عن ذلك تطالب الدول الأخرى بالتكيف مع هذه الارتفاعات لدرجة الحرارة، فيما يحذر العلماء من أن الطقس سيكون حارا بشكل غير مألوف.
المشكلة أن الرأسمالية الأمريكية لا تعير الأمر أكثر من دعوات الدول الصناعية الأخرى بخفض انبعاثاتها، أو لعقد مؤتمرات بقصد الخروج بأبحاث ورؤى تسهم في معالجة هذا الأمر، وفي أحسن الأحوال الدعوة لاتفاق على تسوية بشأن مساعدة البلدان الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ، رغم تأكيد علماء العالم على وضوح طريق المعالجة، وهو أن تكف الدول الصناعية الكبرى – وفي المقدمة أمريكا – عن العبث بحياة الناس ومستقبل البشرية، بسبب نشاطها العدواني مع مناخ الأرض، والعمل فورا على الحد من انبعاثات الغازات.
تُصرُّ أمريكا على تحميل الصين مسؤولية هذه الكارثة المناخية، وتحاول التعامل معها ودول أخرى على طريقة اتفاقات خفض الرؤوس النووية التي تفرض على الآخرين التخلص من سلاحهم النووي بينما هي لا تفعل شيئا، أكثر من ذر الرماد كحال إعلانها أمس أنها تخلصت من سلاحها النووي دون إثبات.
مع ذلك فإنه في أكتوبر من العام ٢٠٢١م، نشرت البي بي سي تقريرا أفادت فيه أنه تاريخيا منذ ظهور هذه المشكلة، أصدرت الولايات المتحدة انبعاثات أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
ولأن بيوتات المال الأمريكية – التي يغلب عليها سيطرة اللوبي الصهيوني – لا يعنيها الإنسان حتى الأمريكي فإنها تستمر في نهجها العبثي رغم تكرار الكوارث التي شهدتها وتشهدها أمريكا من فيضانات وحرائق وعواصف ثلجية، فضلا عن وفيات بسبب ارتفاع درجة الحرارة أو انخفاضها، كما حدث بداية العالم الجاري حين شهدت الولايات المتحدة ما جرى تسميتها بعاصفة القرن والتي تسببت بمقتل أكثر من (٦٠) مواطنا أمريكيا، والأكثر من ذلك تحذير مسؤولة الوكالة الأمريكية لحماية البيئة ليزا جاكسون، من أن الأدلة العلمية أظهرت بوضوح أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري “تهدد الصحة العامة للشعب الأمريكي”، ليقابله قرار صريح من المحكمة الأمريكية العليا بنزع عدد من صلاحيات الوكالة الأمريكية لحماية البيئة المتعلقة بخفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لأن الاستغناء عن استخدام الفحم سيكون له كلفة اقتصادية كبيرة هم غير مستعدين لها.
ورغم أن دولا أخرى تشارك في تكوين هذه المشكلة – خصوصا تلك التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) – إلا أن فداحة الفعل الأمريكي – وهو يتجاوز كل القوانين الدولية ولا يدخل مع الآخرين في هَمٍ جماعي – لا يحفز بقية الدول الالتزام بما تخرج به التوصيات الدولية ذات العلاقة بالمناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة عموما.
ومن غير المتوقع أن يخرج مؤتمر المناخ (كوب ٢٨) – الذي سينعقد في الإمارات نهاية العام الجاري – بتوصيات عملية، على الأقل لدول المنطقة التي تعاني من هذه الارتدادات المؤثرة على البشر والنبات والأرض، وما لم يتم وضع حد لهذا الاستخفاف فإن العالم بأسره على موعد مع سنوات زاهرة بالكوارث الطبيعية، من أجل أن تبقى أمريكا تصنع وتجمع المال.

 

*نقلا عن :الثورة نت


في الأحد 09 يوليو-تموز 2023 10:40:29 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=8891