|
كيف استدرج الشهيد الصماد جبل جليد (العملية الوشيكة) بالجهاد في مسرح مكشوف؟
/
فجأة انقلبت واقعة الاغتيال من فاجعة لشعبنا اليمني الشريف الصامد المغدور في رئيسه الإنسان الصماد، إلى فاجعة لأمريكا وتحالف قوى العدوان الكوني.
أراد العدو أمراً فكانت العاقبة نقيض ما أراد. خطط لقلب موازين القوى سياسياً وعسكرياً، واختطاف زمام المبادرة والفعل دفعة واحدة عبر عملية موضعية باغتة وفيرة المردود وغير مكلفة من حيث مدخلاتها المادية.
دفع الشهيد الرئيس صالح الصماد حياته لفك طلسم يتألف من مفردتين تداولتهما وسائل إعلام العدوان كثيراً عقب دعوة أممية محدثة لإحياء المشاورات السياسية في اليمن و.. وردتا في إحاطة المبعوث البريطاني المقدمة لمجلس الأمن الدولي في 17 أبريل الجاري. (عملية وشيكة...) كانت الطلسم الذي قالت ميديا العدوان إنه سيضع (الحديدة) تحت قبضة التحالف، وأبدى المبعوث الأممي (مخاوفه إزاءه)، ليدفع بجسده الطاهر وحش المستنقع بعيداً عن طهر مائها.
طار الرئيس الصماد صوب (عروس البحر الأحمر) استباقاً. كان يدرك وجهة العدوان. تساءل أمام لفيف سلطة المحافظة ووجهائها وشخصياتها الاجتماعية: (ما العملية الوشيكة التي يهددنا العدو بها؟!). وساخراً بوعي أضاف: (ومتى كانت عملياتهم غير وشيكة؟!). لقد بدأت (وشيكة) هذه منذ اليوم الأول للعدوان وطيلة 3 أعوام منه). وجازماً بنبرة مجاهد مسكون بيقين شهيد قاب ساعات من سدرة المنتهى، قال الصماد: (لن يحصد العدو من مخططاته في عام صمودنا الرابع سوى ما حصده طيلة أعوام عدوانه على شعبنا).
كان منطق الرئيس المتسائل بحصافة ونفاذ، والساخر بوعي وإدراك، والتحذيري بثقة في وعد الله وفدائية في البذل حد الشهادة على مذبح موجبات النصر الموعود، كان هذا المنطق قد أحدث مستوى العصف الذهني المطلوب لدى لفيف الحاضرين والرأي العام الشعبي الوطني المتابع لمجريات زيارة الرئيس صالح الصماد إلى الحديدة، وتبعاً لذلك شرع الشهيد القائد في تفنيد جديد الطلسم الذي تلوح به قوى العدوان في هذا المنعطف: دور أمريكي سابق ولاحق ومستمر، لكنه مباشر هذه المرة من حيث توفيره زخماً نوعياً لمخطط استهداف الحديدة واحتلالها...
حدق الصماد في المدى الرحب لخيارات المواجهة والصمود، وقال بأهداب مشرعة على بحر الشعب الثائر: (أبناء الحديدة ومعهم كل اليمنيين الشرفاء سيستقبلون السفير الأمريكي بخناجر البنادق.. فلتكن مسيرة بنادق.. لن نخوض البحر مع أبناء هذه المحافظة العزيزة فحسب، وإنما سنخوضه دونهم).
كانت (عروس البحر الأحمر) -بطبيعة الحال- على موعد مع ديسمبر آخر لا يختلف كثيراً عن ديسمبر صنعاء، وكان اغتيال الرئيس صالح علي الصماد هدفاً في الأخرى كما في الأولى، وهو أمر لم يقف الرأي العام عليه. أراد العدو في ديسمبر صنعاء ضرب الدينامو السياسي الثوري التوافقي الذي باتت معه مؤسسات الدولة اليمنية الحكومية والحزبية أوعية رسمية لخطاب وجهود مواجهة العدوان، بعد أن كانت هذه المؤسسات فرائس سهلة للعدوان، وعاجزة بـ(الفراغ السياسي) عن مواجهته، الأمر الذي أمكن معه لميديا التحالف الأمريكي السعودي الإعلامية والاجتماعية في الخارج والداخل، تظهير الحرب الدائرة بوصفها حرباً تخص (أنصار الله) وهم المقصودون بها ولا تعني اليمنيين ولا تخصهم.
وهو توصيف يصدق على مؤسسات دولة أفرغتها سلطة الوصاية والعمالة طيلة 5 عقود من كل المضامين الوطنية والسيادية، لتقدمها مقشرة لأنياب ترسانة عدوان الأصيل، حين أطاحت ثورة الـ21 أيلول بهذه السلطة المؤلفة بالأصل من وكلاء محليين يحكمون بالإنابة عن مصالح مركز الهيمنة الامبريالية الأمريكي وقواعده الخليجية النفطية والصهيونية المتقدمة في المنطقة.
غير أن الطبقات الشعبية المسحوقة والمستضعفة التي حررتها الثورة من عقود القهر والتغييب تحت وطأة بيادق الوصاية، كانت هي المقصود بالعدوان وصاحبة المصلحة المباشرة من خوضها حرباً وطنية في مواجهته جنباً إلى جنب مع القيادة الثورية الطليعية المعبرة عن الإرادة الجمعية لشعبنا الشريف.
لقد نقل الوفاق السياسي -بمباركة شعبية واسعة- ولأول مرة، إرادة الشعب من هامش التغييب الرسمي وعتمة الأماني الخرساء إلى سدة التمثيل الرسمي، وإن نظرياً في البدء، فباتت المواجهة بين دولة يمنية مستقلة وذات سيادة تقاتل بآلية ثورية من جهة، وتحالف احتلال أجنبي من جهة مقابلة، يشن عدوانه بذرائع وأذرع محلية أبرزها (إعادة الشرعية واستعادة الدولة)... في غضون ذلك عرف الشعب في الصماد رئيساً لا سابقة له به صدقاً وإيثاراً وبذلاً وحنكة وحكمة ورحابة صدر وقولاً وفعلاً ووعداً ووفاءً... رئيس أيقظ في المخيلة الشعبية المقهورة رئيساً غابراً مغدوراً بذات الأيدي التي تذبح اليمنيين من الوريد إلى الوريد اليوم وبلا استثناء.
تنفس شعبنا الشريف الصامد أوجه شبه حميمية بين (الصماد) و(الحمدي)، وأخذت صورة (أنصار الله)، المشيطنة بدعاية عقود، تتمظهر للرأي العام في شخص (الصماد) أليفة محببة وطنية حميمية ووثيقة الصلة بأغوار التطلعات الشعبية اليمنية وقاع الأشواق الوطنية، فكان (ديسمبر الخيانة في صنعاء) رد تحالف العدوان الأمريكي السعودي على هذا العناق الشعبي الرسمي الوثيق والمتعاظم، واستهدف تصفير رصيد المواجهة الفاعلة واللحمة الوطنية الثورية والسياسية وإعادة الحركة الثورية إلى زنزانة العزلة الشعبية ودحرها القهقرى من (صنعاء) إلى (مران الحرب الأولى على صعدة). لقد قدَّر مطبخ المؤامرة حينها أن ذلك يمكن أن يحدث دفعة واحدة، ومن أقرب نقطة جيوسياسية للحركة الثورية، هي نقطة الوفاق السياسي، وبذراع الحليف (عفاش)، وعبر اغتيال الرئيس صالح الصماد؛ بوصفه مظهر المواجهة الرسمية للدولة اليمنية مع العدوان، والترجمة الأصدق لخطاب حركة (أنصار الله) الثوري الوطني المفتوح على الشراكة الحقيقية مع مكونات المجتمع اليمني السياسية والاجتماعية والدينية بلا إقصاء ولا استئثار.
(سلم نفسك وسنعفو عنك) قال رموز ديسمبر الخيانة في صنعاء للرئيس الصماد، وفي ديسمبر استمرارية الخيانة بالحديدة، كان الرئيس المجاهد يدرك أنه المعني بـ(عملية وشيكة) يعقبها انتشار شبكة مؤامرة كامنة كجبل جليد في تربة (عروس البحر الأحمر)، يطل رأسها من الساحل الغربي على هيئة (نطفة أخيرة خيانية عفاشية) يخوض من خلالها تحالف العدوان آخر رهاناته.
ستتولى قواعد الدرونز الأمريكية الموصولة بعملاء الإحداثيات رصد واقتفاء تحركات (الصماد) بيسر في فضاء اجتماعي مكشوف، ومن ثم تجهز عليه بضربة خاطفة.
ستنقل ميديا العدوان خبر الفاجعة، مستهدفة إصابة الرأي العام المناصر للثورة في (الحديدة) في مقتل بفعل الصدمة، وستكون إذاعة الخبر بمثابة إيذان –بإسناد زمني واحد- لشبكة خلايا العملية الوشيكة في العتمة للبروز إلى سطح المشهد وإشاعة الفوضى، ومن ثم تلاوة بيان البراء من الانقلاب عبر شخصيات تهامية كامنة منافقة تناول الدمية (طارق عفاش) زمام الدخول على عروس البحر الأحمر في هيئة الفاتحين بوصفه (القيادة التاريخية) التي دعا (عفاش الأكبر) الشعب والقوات المسلحة والأمن إلى التزام أوامرها والتمرد على (أنصار الله)، في كلمة مصرعه.
اغتيال (الصماد في الحديدة) سيوهن عزائم أبنائها، وسيسحب نفسه في صورة إرباك وفراغ في البناء السياسي التوافقي في العاصمة صنعاء، بما يتيح لبقية أذرع المؤامرة فيها سيطرة سهلة على مقاليد الأمور بذريعة شغل الفراغ وتلافي تبعات سقوط (الحديدة) الكارثية المتوقعة على العاصمة المعزولة بتلاوة (بيان استسلام للتحالف العربي) في مناخ شعبي مذعور ويتوخى السلامة بالتسليم.
كانت تلك مخططات العدو ورهاناته. وكان خيار الرئيس صالح الصماد في مواجهتها التضحية بالنفس من خلال الحركة في فضاء شعبي مكشوف لاستدراج جبل الجليد إلى الضوء وتمكين الرأي العام من مواجهته بمعنويات تحتذي خطى فدائيته، وتحيل رهانات العدو بالضد لها خسراناً.
كانت دفاعاتنا الجوية قد أسقطت طائرة درون أمريكية من طراز (كيو إم ناين) في اليوم السابق لاغتيال الرئيس بواسطة (طائرة درون) أمريكية أخرى، من ذات الطراز، بحسب تأكيدات قائد القوات الجوية.
مراراً حثت القيادة الثورية الرئيس الشهيد على الحد من تحركاته وإيفاد من يمثله في الفعاليات الجماهيرية والعسكرية والأمنية المفتوحة، فكان رده: (دمي ليس أغلى من دماء الشعب والجيش واللجان).
أحكمت الأجهزة الأمنية والقيادة الثورية والسياسية الطوق حول مسرح الاغتيال، وبثت مشاهد متلفزة لزيارة الرئيس لـ(ورش تصنيع عسكري)، فأجهضت قدرة العدو الاستخبارية على الإمساك بزمام المبادرة المعلوماتية والإدارية، والإيعاز إلى خلاياه النائمة (التي وقعت في قبضة رجال الرجال بالأرجح) بالوثوب إلى السطح لمناولة تحالفه زمام احتلال الحديدة.
عوضاً عن أن يتلقى (الرأي العام) خبر اغتيال الرئيس من تلفزيون العدو، تلقى تلفزيون العدو الخبر وتفاصيله من بيان المجلس الأعلى وكلمة سيد الثورة (أبو جبريل) بتوقيت انهيار المخطط في خطوطه العريضة، وعلى نحو أمكن معه انتزاع اعتراف رسمي من قبل العدو بالمسؤولية المباشرة عن واقعة اغتيال سياسي قذرة وغير أخلاقية، وأكثر من ذلك خائبة وبلا مردود.
تبنِّي التحالف، على لسان ناطقه المالكي، للعملية القذرة، بدا فاضحاً وواضحاً أنه ليس إلا محاولة لافتداء أمريكا ومواربة انفضاحها المباشر على مسرح المجريات، فطائرات (الدرون) هي بصمة حصرية أمريكية موقوفة على (كونترول مركزي) مقره الولايات المتحدة وأطرافه القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أنحاء العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط وأفريقيا (جيبوتي) وخليج البترودولار.
قدَّر العدو كسباً سهلاً وخاطفاً من وراء عملية قذرة ولا أخلاقية فاضحة، يبرر له ارتكابها كأمر واقع وحاسم لا سبيل أمام الداخل والخارج سوى التسليم لنتائجه، على أنه وقع فريسة سهلة لحسابات الرد اليمني المفتوح على خلفية تحول جذري ونوعي في قواعد الاشتباك ناجم عن حماقة أمريكية مكلفة برسم فشلها الذريع.
(ثمة هدف أمريكي مرصود) في بنك أهداف الرد اليمني التي تستغرق العدو الأمريكي وأدواته الإقليمية هواجس تخمين ماهيتها وأوان استهدافها.
شغل الرئيس مهدي المشاط كرسي الرئاسة خلفاً للشهيد الرئيس صالح الصماد، وقال في كلمة التنصيب أمام البرلمان: (أرادوها حرباً مفتوحة وستكون مفتوحة...).
في حين قال سيد الثورة في كلمة النعي القصيرة والمخيفة: (لن تمر واقعة الاغتيال من دون رد...)، وأرجأ تدشين استراتيجية الرد إلى ما بعد تشييع جنازة الشهيد المجاهد، من خلال كلمة موعودة.
خرجت الحديدة ومعها اليمن بجل شرفائها في مسيرة البنادق التي دعا إليها الرئيس الصماد، وباركت تنصيب (المشاط) خلفاً له، وخوَّلت القيادة الجديدة الرد، وأعلنت النفير العام.
في الجمعة 04 مايو 2018 10:25:11 م