|
عقب إقدام بعض شواذ العرب القاطنين في أوروبا بالذات في السويد والدنمارك والحاصلين على جنسية هذه الدول، على حرق نسخ من القرآن الكريم ، تعددت المواقف وردود الفعل على مستوى الدول والشعوب والأفراد وكان أعنف رد وأفضل رد فعل في العراق من قبل الحكومة والشعب ، لكن هذه المواقف تتضاءل وتبدو خجولة جداً أمام الموقف الفردي لفتاة عراقية تعيش في السويد، فلقد قامت بإحراق الجواز السويدي وقالت (لا يشرفني أن أنتمي إلى هذا البلد الذي يمارس العنصرية ويعادي الإسلام)، تخيلوا أي تضحية قدمتها هذه الفتاة وأي مرحلة من مراحل الإيمان الراسخة في أعماقها بلغتها ، إنها فعلاً تمثل المرأة المسلمة ذات الإيمان العميق بعيد الدلالات ، فلقد ظلت تحلم بالوصول إلى أوروبا سنوات تحت مُسمى الظفر بالوصول إلى الفردوس، و هذا هو دأب كل المظلومين العرب والأفارقة الذين قهرتهم الأنظمة الظالمة في بلدانهم ودفعتهم إلى الهجرة بعد أن ضيقت عليهم سُبل العيش ، تخيلوا كم قضوا غرقاً في البحر خلال سنتين فقط أكثر من (22)ألف ضحية كلهم كانوا يحلمون بالوصول إلى الفردوس ، وهذه الفتاة غادرت بلدها العراق في زمن مبكر وسكنت السويد وحصلت على الجنسية وجواز السفر ، لكن شرفها وكرامتها وقوة إيمانها بالله سبحانه وتعالى جعلاها تضحي بهذا الفردوس الوهمي وتُقدم بكل إباء وشجاعة ونخوة على إحراق الجواز طالما أن هذا الجواز يُعبر عن بلد يشجع الإساءة إلى الدين والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكم هي عظيمة هذه المرأة وتحتاج أن نقف لها إجلالاً وإكباراً لما أقدمت عليه من تضحية معها لم تهتم بالمستقبل وما ستواجهه من أعباء نتيجة التشرد من جديد وعدم الحصول على وظيفة إن عادت إلى العراق ، فعلاً امرأة عظيمة وتجسد عظمة أم المؤمنين خديجة عليها السلام التي ضحت بكل أموالها وما تملكه في سبيل نصرة الدعوة الكريمة ، ومولت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل أعماله من بداية الدعوة وكانت النصير الفعلي للإسلام ، وهذه لا شك إنها حفيدة لهذه المرأة العظيمة التي لم يشهد التاريخ بمثل عظمتها وقوة بأسها وكرمها وجودها ، فلقد ضحت بكل شيء من أجل الإسلام وهذه الفتاة العراقية لا تقل شأناً عنها ، فلقد ضحت بالجنسية أو كما يقال بالفردوس الذي طالما حلمت به من أجل نصرة القرآن والذب عنه ، فأي عظمة أكثر من هذه العظمة وأي إحساس ومشاعر ترتقي إلى ما أقدمت عليه ، إنها فعلاً قمة التضحية ويجب أن نقف أمامها بكل إكبار وإجلال وإعزاز ، ونتمنى أن تقتدي بها الفتيات المسلمات ليكنَّ درعاً للإسلام بعد أن خذله الرجال وأصبحوا عارفين في الغي يتصارعون على الكراسي وفي سباق محموم على هذه المكانة ، فلقد أُبتلي الإسلام ببشر حملوه اسماً فقط وتخلوا عنه بمجرد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعادوا إلى الجاهلية ، وهكذا كان الحال من يوم السقيفة فلقد كان جثمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال في المنزل في موضع وفاته والإمام علي مشغولاً بتجهيزه استعداداً لمواراته بينما الصحابة يتقاتلون في سقيفة بني ساعدة على من يتولى الحكم بعد الرسول ، وكأن الأمر عاد على ما كان عليه في السابق أيام الجاهلية التي عادت بقرونها ، وهكذا تناسل في التاريخ حكام ظلمة لا يعبأون بشيء ولا يهتمون بأي شيء على حساب الكراسي ، وكأنهم خلقوا لهذا الكرسي حتى استعبدهم وحولهم إلى عبيد له ، وفي هذه المرحلة من العبودية ساموا البشر سوء العذاب من أجل الحفاظ على هذه المكانة والانتقام للذات المسفوحة وضمان طول البقاء على هذا الكرسي ، لا يهدأ الواحد منهم ولا يعود إلى رشده إلا بعد أن يرتدي الكفن ويسجى على النعش ، وكم من النفوس أزهقت من أجل هذا الكرسي!؟ وكم من الأجساد تعرضت للمهانة والقتل والسحل أيضاً من أجل هذا الكرسي!؟ وهنا تتضح للعيان عظمة موقف هذه الفتاة العراقية وشموخها وقوة بأسها واليقين الذي ترسخ في أعماقها بالإيمان بالله سبحانه وتعالى والاستعداد بالتضحية في سبيله ، فما أعظمها من تضحية وما أجله من موقف سيخلده التاريخ كما خلد الشهيدة سناء محيدلي وأمثالها من النساء العظيمات اللاتي بذلن أرواحهن في سبيل القضية .
أتمنى من الحكومة العراقية التي كان لها موقف مشرف فاق كل مواقف الدول الإسلامية ، وفي المقدمة السعودية وإيران وتركيا الدول التي تدعي أنها حامية حمى الدين ، بل على العكس أن تركيا في قمة هذه المهزلة توافق على قبول السويد في حلف الناتو ، بعد أن تلقت التوجيهات من بايدن زعيم الضلال والظلم والجبروت ، فيال ها من مهزلة مقابل ذلك الموقف العظيم للفتاة العراقية التي أتمنى كما قلت أن تحظى باهتمام ورعاية الحكومة العراقية ، وكل الدول العربية إن كان لا يزال فيها أي نبض للعروبة والدين ، والله من وراء القصد ..
في الخميس 27 يوليو-تموز 2023 08:45:03 م