|
الكيان الذي يُسمَّى «لبنان الكبير» والمقاومة مشروعان متضادَّان بالضرورة، ولن ينفع بعد طمس هذه الحقيقة المتعلِّقة بجوهر الصراع، خصوصاً مع اشتداد الفرز الناتج عن احتدام الصراع الذي تطوَّر بشكلٍ لم تعد تحتمل فيه قوى الهيمنة مساكنة أعدائها في الإقليم.
وينبغي التشديد هنا على أنَّ إسقاط المساكنة كان نتيجة تطوُّر الصراع، أي أنَّ الصراع لم يتطوَّر نتيجة إسقاط المساكنة، بل العكس، وتبعاً لذلك فإنَّ إبطاء وتيرة الصراع المتسارعة ليس متوقِّفاً على حلولٍ ابتكاريَّةٍ وخلَّاقةٍ لإيجاد تسويةٍ ما، بل على حسمٍ في أساس الصراع، لا في الشكليَّات.
تطوُّر الصراع هو الذي جعل مساكنة الإمبرياليَّة لقوى التحرُّر في ساحات الإقليم «خسِّيرةً» للأولى و«ربِّيحةً» للثانية، تُضعِف هيمنة الأولى على مجتمعات الثانية، وتُمكِّن الثانية بوجه الأولى. فالغلبة في الإقليم، التي ستنعكس حُكماً على موازين قوى الصراع في العالم، لِمَن؟ وبين جيوش الإمبراطوريَّة وهيمنتها من جهةٍ وبين قوى التحرُّر من الجهة المقابِلة، غرب آسيا سيخلو مِمَّن؟
تبعاً لذلك، وبالعودة إلى خياراتنا في لبنان، فإمَّا اختيار الهيمنة والكيان المُتحلِّل التابع الذي سُحِب منه «دوره» لصالح جبهة الهيمنة الجديدة المُتشكِّلة في الإقليم وحُرِم من الريع الخليجي وحُورِب أبناؤه في رزقهم في معظم قارَّات العالم و»تبهدلت» مصارفه وليرته وانفجر مرفؤه، ومعهما بعض الوعود التافهة وغير المضمونة، أو مقاومة الهيمنة والتشبيك مع الإقليم والتوجُّه شرقاً. فالمشكلة هي أوَّلاً وأخيراً مشكلة خيارات.
إن اخترت الدولة السيِّدة العزيزة المقتدرة، نقيضة الهيمنة الاستعماريَّة، فلا بدَّ لك أن تختار مقاومة الهيمنة ومستلزماتها، أي المقدِّمات الطبيعيَّة لخيارٍ دونه صبرٌ وبصيرةٌ وأثمانٌ باهظةٌ أيضاً، ثبت تاريخياً أنَّها تبقى أقلّ من ثمن القبول بالهيمنة في معظم الأحوال.
وإن اخترت قُوْتَك بثمن رقبتك والإذعان لما تعرضه عليك قوى الهيمنة، فستعادي المقاومة وأهلها طبعاً. ولكن اعلم أنَّ ما يعرضه السيِّد على بعض عبيده من فتات الريوع والتنفُّذ على باقي العبيد لا يولِّد حقوقاً دائمةً، بل امتيازاتٍ آنيَّةٍ مُتغيِّرةٍ بتغيُّر حاجات السيِّد ومتطلّبات سيادته عليك، المتزايدة بحكم الإمبرياليَّة وطبيعتها النهبويَّة التوسُّعيَّة، وكذلك بحكم التضييق الذي تواجهها به الدول الصاعدة عبر قطع الأخيرة لأيدي النهب واحدةً تلو الأخرى عن مواردها لتنتفع هي بها.
ببساطةٍ، هما خياران اثنان لا ثالث لهما ولا أساس واقعيَّ لسواهما، وإن وُجِد فهو يتأرجح بين الوهم والرغبويَّة (والوقوع تحت تأثير الدعاية المعادية وإكثار النظر في العواقب وعقلنة التردُّد) من جهةٍ وبين الحقد والخبث (والتآمر) وتقصُّد طمس حقيقة الصراع للانخراط الناعم في جبهة الهيمنة من جهةٍ أخرى.
كاتب لبناني
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 01 أغسطس-آب 2023 09:56:29 م