|
مع تصاعد حدة المعركة الدولية في أوكرانيا، بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والناتو من جهة أخرى، والتي ترتدي الغطاء الأوكراني، عوضاً عن المواجهة المباشرة بين قوات الطرفين، بدأت الانزلاقات تحدث في ساحات أخرى، وهو ما ينذر بأن المعركة تتسع أفقياً بدلاً من المسار الرأسي الذي ينذر بحرب مباشرة لا يمكن توقع مدى عواقبها الكارثية.
هذا الاتساع الأفقي نرى ظلاله في العديد من الساحات، فبالإضافة إلى المحيط الروسي، والتوتر بين بولندا وبيلاروسيا، والانزلاق التدريجي لدول شرق أوروبا المحيطة بأوكرانيا، نرى أن الساحة الأفريقية بدت فيها تغيرات وصراعات واستجدت بها حروب ليست بعيدة عن الصراع الدولي، مثل السودان، وبدأت الانقلابات العسكرية تطل برأسها مرة أخرى، مثل الانقلاب الأخير في النيجر.
وهنا يجب إلقاء الضوء على متغيرين كبيرين يلخصان اتساع رقعة الصراع الدولي، والذي دخلت فيه الصين أيضاً إلى جانب روسيا:
1 - فيما يخص انقلاب النيجر: لوحظت مظاهر لافتة داخل البلاد، حيث نزل السكان المحليون إلى الشوارع حاملين الأعلام الروسية والشعارات المؤيدة لروسيا.
كما أعلنت محطة "فرانس 24" التلفزيونية و"إذاعة فرنسا الدولية" أن بثهما أوقف في النيجر، وهو ما يعني أن الانقلاب موجه صراحة ضد فرنسا والغرب، وأنه محسوب على التوجه شرقاً نحو روسيا، وفقاً لما تؤيده الشواهد الشعبية.
ما يعزز ذلك أيضاً أن جمهورية أفريقيا الوسطى، الصديقة لروسيا ومالي وبوركينا فاسو، أعلنت بالفعل عزمها دعم النيجر في حالة شن عدوان غربي عليها.
ويعتقد المراقبون للوضع أن الأوضاع خطيرة ومتوترة، وقد يبدأ هجوم غربي على النيجر انطلاقاً من أراضي نيجيريا، ومن هبوط برمائي في مطار نيامي عاصمة النيجر.
ويُجمع هؤلاء على أن الهدف الرئيسي للتدخل المحتمل هو السيطرة على مناجم اليورانيوم والمصنع الرئيسي الذي ينتمي إلى شركة "أورانو" الفرنسية، وتستخدم منتجاته في المقام الأول لتوفير الطاقة لأوروبا، وأن أوروبا، على ما يبدو، مستعدة لاتخاذ أي إجراءات للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها السابقة، حتى لو أدى ذلك إلى الفوضى والفتنة.
2 - فيما يتعلق بالصين: تعرضت طموحات الصين في أوروبا لانتكاسة كبيرة بعد إشارة إيطاليا إلى خطط لترك مبادرة "الحزام والطريق"، وهو وضع وصفته "فورين بوليسي" بأنه يؤكد تحولاً واسعاً في أوروبا بعد تزايد قلق الحكومات من اعتمادها الاقتصادي على بكين.
وكانت الاقتصادات الأوروبية الكبرى قد رفضت التوقيع على المبادرة، وكانت إيطاليا هي العضو الأول والوحيد في مبادرة "الحزام والطريق" منذ 2019، في خطوة أغضبت واشنطن ومثلت انتصاراً سياسياً كبيراً للصين.
ومن خلال هذا الخروج ستوجه روما ضربة محرجة لبكين في الذكرى العاشرة للمبادرة، وهو ما يعكس تفكيراً يتجاوز أوروبا، حيث تخلفت أوروبا عن نهج المواجهة الذي تتبعه واشنطن مع الصين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكامل الاقتصادي؛ لكن يبدو أن هذا الأمر تغير.
3 - المواقف التركية الأخيرة تشبه الموقف الإيطالي المتحول، حيث شكلت المواقف انحيازاً وميلاً صريحاً نحو الولايات المتحدة، على حساب الكثير من التوازنات الحساسة مع روسيا، مثل إعادة قادة أزوف لأوكرانيا، والموافقة على انضمام السويد وفنلندا للناتو، وعودة التصريحات العدائية للنظام السوري، وهو ما يشي بضغوط أمريكية وغربية تصل حد التخيير بين التحالف أو العداء وبأن المعارك دخلت مرحلة الصفرية بشكل معلن.
هنا قد نكون إزاء ساحات محتملة في منطقتنا، حيث التوتر الراهن في سورية بين أمريكا وروسيا، وتزايد نذر الاشتباك وعودة عمليات داعش الخادمة دوماً للمعسكر الصهيو أمريكي.
ولا شك أن استمرار وتعميق الحصار على سورية ولبنان لا يبتعد عن هذا الصراع، حيث المطلوب أمريكياً انفجار الأوضاع الداخلية والفوضى والانهيار في الساحات التي لا تستطيع السيطرة عليها بشكل كامل.
وهنا جاء الدور التاريخي للمقاومة التي انبرت للتحذير من أي حماقات وأعلنت استعدادها وجهوزيتها للمواجهة ولكل الاحتمالات، ووضعت إصبعها على الجرح وأشارت به إلى المسؤول الرئيسي، وهو الولايات المتحدة، التي لا تبالي بالفوضى والفتن وتدمير الشعوب خدمة لمصلحتها في الصراع الدولي.
ولكن الولايات المتحدة تجازف هذه المرة بربيبتها: "إسرائيل"؛ لأن المعارك لو اندلعت فستكون ضد الوجود الأمريكي كله بالأصالة والوكالة، وعلى رأس هؤلاء الوكلاء يأتي الكيان الصهيوني وعملاؤه.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 07 أغسطس-آب 2023 08:11:03 م