|
الإمام زيد في جمال الشعر وبلاغة القول ( الهبل نموذجا)
(الشاعر الحسن بن علي الهبل نموذجا)
إعداد :أ. أمة الكريم الذارحي
"ورقة عمل قُدمت في الندوة الفكرية التي نظمها المجلس الزيدي بعنوان "الإمام زيد اليوم .. كل يمني حر يواجه العدوان"..
الأحد 8-11-2015م"
تمهيد :
اذا ما نظرنا إلى كتب التاريخ والأدب فإننا سنجد مئات الكتب التي تحدثت عن الإمام زيد وتاريخه، وتحدثت ايضا عن مناقبه وعظمته وثورته الخالدة التي كانت رمزا للحرية والعدالة والشجاعة والتضحية وغيرها من القيم الاسلامية والانسانية النبيلة، فرسم بذلك أجمل صورة للشخصية الإنسانية الكاملة التي شُغِف بها كثيرٌ من الكتاب والأدباء والمثقفين إلى يومنا هذا.
اما حضور الامام زيد في الشعر العربي فهناك القليل من القصائد – باستثناء ديوان الحسن الهبل - التي رثته ورثت استشهاده كالهلالي وبعضٍ من قصائد الشعراء المعاصرين التي نجدها هنا وهناك لا يجمعها ديوان او كتاب . وهنا لنا ان نتساءل: لماذا لم نجد ذلك الحضور الكبير للإمام زيد (ع) رمز التضحية وحامل لواء الثورة مثلما الحسين (ع) عند شعراء اهل البيت وغيرهم؟ و لماذا لم تقم الزيدية في ابراز تراثها وكبار شعرائها ولم تدرس اشعارهم إلى اليوم وهي التي تمثل ميراثا ضخما للزيدية وتاريخها وانما ظلت حبيسة الادراج والمكتبات تنتظر النور؟
أما الشاعر اليمني الحسن بن علي الهبل الشاعر الزيدي الثائر والذي أحب الإمام زيد (ع) حبا جما لايضاهيه أحد، هو الآخر قد ظلم حيا وميتا(1)، ولم يلق اهتماما كغيره من الشعراء العرب حتى من الزيدية نفسها، فحورب وحورب شعره، وهو ذلك الشاعر العظيم شاعر القرن الحادي عشر بلا منازع والذي لقب بأمير شعراء اليمن. وقد وصفه الأدیب والشاعر الکبیر السید یوسف بن یحیی الحسني الصنعاني في کتابه «نسمة السحر بذکر من تشیع وشعر» في أن الیمن لم تلد أشعر منه من أول الدهر إلی وقته.(الحسنی الصنعانی،1999م ،ص 520)، أما شخصیة الهَبَل فقد اتصفت بصفات عدیدة، أهمها: الذکاء، والنبوغ المبکر ، وقد أقبل علی العلوم والأدب واشتهر بعلمه وشعره ومازال صبیا. وهذا ما یؤکده وقد ذکره المؤرخ أحمد بن صالح أبي الرجال وهو من معاصريه، فيقول: «نشأ، رحمه الله على العبادة والزهادة وعلى مودة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم، لایلویه عن ذلک لاوٍ، واشتغل بالعلوم والآداب حتی برع عن المشیخة القُرّح فضلا عن الأتراب. ولدیه دیوان شعر فائق، وسحر حلال رائق، في کل معنی ملیح، نهج منهاج الأدباء وجاراهم في رقیقهم وجزلهم وجدهم». ( دیوان الهبل ،ص8، 9)، والشوکاني في البدر الطالع یقول:
«وله شعر یکاد یسیل رقة ولطافة وجودة سبک وحسن معاني وغالبه الجودة وله دیوان شعر موجود بأیدی الناس بعد أن اختار قطعا عنه قال : وله القصیدة الطنانة التي مطلعها:
لو کان یعلمُ أنّها الأحداقُ
یــومَ النقا ماخـاطـرَ المشـتــاقُ
وکلها غرر»( المصدر نفسه ، ص9،10)، وقد سمی جامع الدیوان وصدیقه الحمیم الشاعر أحمد بن ناصر المخلافي ماقدمه لنامن شعر الهَبَل بــــــ«قلائد الجواهر من شعر الحسن بن علي بن جابر».
وإلی جانب غزلیات الهبل ومدائحه یشکل التشیع وحب آل البیت(ع) في شعر الهَبَل اتجاها رئیسیا في قصائد دیوانه ذات الطابع السیاسي الثوری والدیني في حب آل البیت ورثاء شهدائهم وأئمتهم، فمن یقرأ شعر الهَبَل یدرک قوة ذلک العشق الصادق الذي ینطلق من اعتقادٍ و فخرٍ لایدانیه أيُّ فخر، بل إنه الشهادة والطریق إلی الجنة. فیقول :
مدحي لكم ؛يا آلَ طـــــــه مذهبي وبه أفوزُ لدى الإلهِ وأُفلحُ
وأودُّ –من حُبي لكم-لو أنّ لي في كلِّ جارحةٍ لساناً يمدحُ
وأيضا قوله :
لکمْ آل الرسولِ جعلتُ ودّي
أعیشُ وحبُّکُمْ فَرضي و نَفلي
فإنْ أَسْلَمْ ؛ فأجرٌ لم یَفُتْني
و ذاکَ أجلُّ أسبابِ السعادةْ
و أُحْشرُ و هوَ في عُنقي قِلادةْ
و إنْ أُقْتَلْ؛ فَتَهْنیني الشّهادةْ
لقد تفرد الشاعر الزیدي الحسن بن علي الهَبَل بمدح ورثا (أبي الحسین ) الإمام زید بن علي بن الحسین(ع) عن غیره من شعراء الزیدیة, فقد کان حاضرا معه وفی ثوراته بقصائده الغراء التی تحکي عن عشق ذلک الفتی الزیدي الثائر :
لما رأيتُ الناسَ قد أضحوا على جُرفٍ من الدينِ الملفَّــــق هــارِ
تابعتُ آلَ المصــــطــــفى متيـــــقناً أنّ اتــــّـباعهمُ مـــــرادُ البـــــــــــاري
وقفوتُ نهجَ أبي الحسينِ مُيمّما منهُ سبــــــيلاً واضــح الأنـــــــــوارِ
خيرُ البــريةِ بعد سبـطي " أحمـــد" مختارُ آل "المصطفى" المختار
وحبيبُ خيرِ المرسلين، ومن غدا في آلِ " أحمدَ " درّةَ التِّقصار
والباذلُ النفسَ الكريمة رافــــــعا لمنارِ دينِ اللهِ الواحدِ القـــهارِ
وهو القائل أيضا:
يا ليتَ شعري هل أكونُ مجاورا لكَ، أم تردّنيَ الذنوبُ إلى الورى
أَأُذادُ عنكم في غدٍ؟ وأنا الذي لي من ودادكَ ذِمــّـــةٌ لن تُخـــــفــــرا
قُل:ذا الفتى حضرَ الِّلقا معنا،وإن أبْطا بِه عنّا الزمــــانُ ... وأخـّــرا
من هذا المنطلق آثرت أن يكون عنوان هذه المقالة (الإمام زيد في جمال الشعر وبلاغة القول ) للشاعر الحسن بن علي الهبل، مع الاعتراف بأن هذه الدراسة دراسة جزئية ولن توفي حق هذا الشاعر العظيم وإمامه الأعظم زيد بن علي(ع) .
و قبل المضي في تحلیل بلاغة الخطاب الشعري نرید أن نشیر أن شعر الحسن الهبل شعرٌ حجاجيٌّ قد عبّر عن کل قضایاه المطروحة حول الإمامة وآل البیت ویسعی إلی الإقناع بعظمة حقهم وبیان الظلم الذي حل بهم؛ لذا قمنا بدراسة الشعر من زاوية حجاجية، تأکیدا من أن الشعر قد يستعمل للإقناع. وقمنا بالبحث في خصائص النص الأسلوبیة من خلال الأسالیب التعبیریة والأطروحات المنطقیة من أدلة وبراهين؛ بمعنی آخر ستکون الدراسة والبحث في آلیات الإقناع المتاحة فيه ابتداء بالكلمة ثم الجملة ووصولا إلى النص، هذه الأساليب التي عمد إليها الحسن الهَبَل وأبدع فيها ليس فقط للإقناع وإنما للإمتاع أيضا واللذين كانا هما غايته ووسيلته.
إذن ماهو الحِجاج وما هو نصیب الدراسات الادبیة فيه ؟
الحِجاج في اللغة : الغلبة بالحجج . جاء في لسان العرب «حاججته أحاجه حجاجا ومحاجة حتی حججته أي غلبته بالحجج التي أدلیت بها (...)، وحاجه محاجة وحجاجا: نازعه الحجة (...) والحجة الدلیل والبرهان»( ابن منظور، ماده حجج) وعلی هذا یکون الحجاج النزاع والخصام و الغلبة بواسطة الأدلة والبراهين .کما أن ابن منظور یجعل الحجاج مرادفا للجدل بقوله: «وهو رجل محجاج أي جدل».
وقد استعمل القرآن الکریم لفظ الحجاج بمعناه الفني في أکثر من آیة في قوله تعالی: ﴿ألمْ تَرَ إلی الّذي حاجَّ إبْراهيمَ في رَبِّهِ﴾ (سورة البقرة آیه 258)، وقوله تعالی: ﴿هاأنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُم فيما لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحآجّونَ فيما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ (سوره آل عمران آیه 66).والحقیقة أن الخطاب القرآني خطاب حجاجی لکونه جاء ردا علی خطابات تعتمد عقائد ومناهج فاسدة،(البنعلی،2003م، ص 210)، ولکنه یتخذ من الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن أسلوبا في الدعوة إلی الدین الجدید ویوظف جمیع أنواع الحجج سواء کانت برهانیة أو اقناعیة ولهذا اشتمل علی جمیع أنواع البراهين والأدلة علی حد تعبیر الزرکشي. (الزرکشي،ج 2،ص 24)
اما الحجاج في النظریات الحجاجیة المعاصرة فهو «دراسة تقنیات الخطاب التي تؤدي بالذهن إلی التسلیم بما یعرض علیها من أطروحات أو أن تزید في درجة ذلک التسلیم.» (Chaïm Perelman et Lucie Olbrechts- Tyteca ,Traité de نقلاً من صوله،2007م، ص 27 ، صمود ،ص 299)
البلاغة و الحجاج
نجد ملامح الدرس الحجاجي واضحة جلیة عند النقاد العرب منهم: الجاحظ والسکاکي وحازم القرطاجني إذ یری الجاحظ أن البلاغة هي الحجاج*(2)، إلا أنه شهد انحسارا شدیدا بسبب اهتمام البلاغة آنذاک بالمحسنات والصور الجزئیة التزیینیة ولم یعطوه حقه من الدرس والتحلیل وانشغلوا عنه بالصور الجزئیة والمحسنات البدیعیة وصور البیان بوصفها سراً من أسرار جمال الخطاب، لا بوصفها وسائل تأثیر في المتلقي وإقناعه*(3).
أهمیة الحِجاج
إن الغایة الحقیقیة التي تهدف إلیها نظریة الحجاج هي الغایة الاقناعیة التأثیریة التي تتفاعل مع الأرکان الثلاثة الأصلیة في الخطاب وهي المتکلم والمخاطب والخطاب،آخذة بعین الاعتبار الأطر النفسیة والاجتماعیة للمتلقي من خلال أسالیب إقناعیة بلاغیة تؤکد علی عملیة الإفهام واستمالة المتلقي إلی القضیة المطروحة بطرق عدة من أجل الإقناع؛ ولهذا یقول ابن الأثیر:«إن مدار البلاغةکلها علی استدراج الخصم إلی الإذعان والتسلیم لأنه لا انتفاع بإیراد الألفاظ الملیحة الرائعة ولا المعاني اللطیفة الدقیقة دون أن تکون مستجلبه لبلوغ غرض المخاطب بها.»(ابن الاثیر،1939م،ج2،ص 68) اذن فنجاح الخطاب یکمن في مدی مناسبته للسامع ومدی قدرة التقنیات الحجاجیة المستخدمة علی إقناعه ، فضلا علی إستثمار الناحیة النفسیة في المتقبل من أجل تحقیق التأثیر المطلوب فيه ولهذا یری د. طه عبد الرحمن أن « الحجاج عملیة حواریة إقناعیة یطالب المحاور(المتکلم) غیره بمشارکته اعتقاداته ومطالبته محاورة لاتکتسي صبغة الإکراه ولا تدرج علی منهج القمع، وإنما تتبع في تحصیل غرضها سبلا استدلالیة متنوعة تجر الغیر جرا إلی الاقتناع برأي المحاور، فإذا اقتنع الغیر بهذا الرأي کان کالقائل به في الحکم، وإذا لم یقتنع به رده علی قائله مطلعا إیاه علی رأي غیر.
وقد تزدوج أسالیب الإقناع بأسالیب الإمتاع فتکون إذ ذاک أقدر علی التأثیر في اعتقاد المخاطب وتوجیه سلوکه لما یهبها هذا الإمتاع من قوة في استحضار الأشیاء ونفوذٍ في إشهادها للمخاطب کأنه یراها رأی العین». ( عبد الرحمن، 2000م ، ص 38)
اما التقنیات والأسالیب الحجاجیة التي استخدمها الهبل في شعره هی کالتالي:
المبحث الأول: الکلمات الحجاجیة
عندما نبحث في الکلمات فإننا لانکتفی بالتحلیل اللغوي المحض المقتصر علی المعنی المعجمي الذی قد یؤدي إلی قصر فهم الخطاب فهما کاملا ،وإنما نبحث في الکلمات التي تکمن في ذاتها الطاقة الحجاجیة في اللفظ نفسه و دورها الدلالي والتداولي في التأثیر والإقناع. فنقول في تعریفها الحجاجي والتداولي: « هو تأثیر الکلمة في السیاق بما علق في ذاتها من دلالة وفکر تستمدها من انتمائها إلی حضارة مستعملیها وتاریخهم.»(صوله، 2007،ص69) من تلک الکلمات التي کررها شاعرنا کثیرا وکان لها الوقع الحجاجي علی المخاطب کلمة( دین، عهد ومیثاق، ناصبی).
1- کلمة ( عهد ومیثاق )
وهي من الکلمات التي ذکرها الهَبَل في عتاب وتوبیخ أولئك الذين خذلوا الإمام علي والإمام الحسین والإمام زید عليهم السلام ونقضوا عهودهم، وقد کررها الحسن الهَبَل في قصیدته الغراء اکثر من 5 مرات تأکیدا علی ضیاع هذا الحق وتفریطهم فيه . یقول الهَبَل رحمه الله :
نَبذوا عـــُــهودَ الله خلفَ ظــُـــهورِهِم
وبــــدا هـُـــــنالــــــکَ لِلنّفــــــاقِ نَفـــــاقُ
یإلیتَ شـــــعري مایکـــــونُ جــــوابُهمْ
حینَ الخلائقِ لِلْحسابِ تُساقُ
قـدْ قـــُـیّدتْ إذ ذاکَ ألسِــــنُــهم بمـــــا
نکَــــــــثوا العُـــهودَ فــَــــمالَها إطــــْلاقُ
رامـــــوا شَفــــاعةَ أحمد مــــِنْ بــــَعـــدِمـــا
سـَـــفکوا دِمــــا أبـــنائـــِـه ، وأَراقـــــــوا
فَهُناکَ یدْعو.. کیفَ کانتْ فيکُمُ
تلک العـهودُ وذلکَ المیثــاقُ
(المصدر نفسه،ص 115 ،116)
العهد: حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال وسمي الموثق الذي یلزم مراعاته عهدا. قال تعالی: (وأفوا بالعهد إن العهد کان مسئولا) (الراغب الاصفهانی ،ماده عهد ،ص 350). والمیثاق فهو علی وزن مفعال وهو في الأصل حبل أو قید یشد به الأسیر. (ابن منظور ،ماده وثق)، وکأنه توکید للعهد وتوثیقه. (ابن عاشور،2000م ،ج 1، ص 365).
والعهد والميثاق المقصود هنا هو الذي أخذه رسول الله صلوات الله علیه وآله وسلم علی الأمة من حق القرابة والإمامة لآل البیت علیهم السلام، وقد ذکرهم الشاعر کیف أنهم نقضوه، وهو یذکرنا بما فعله الیهود حین أخذ الله عليهم العهد من إقامه الدین وتأیید الرسل. وقد ذکر الله هاتین المفردتین كثيرا في سیاق خطاب الیهود والنصاری تذکیرا وتوبیخا لتفریطهم وتکذیبهم لأنبيائهم.
إذن جاءت هذه الکلمة لتدعم الحجاج المعتمد في القصیدة، وتقود المتلقي إلی غایة یقصدها الشاعر هي أن هؤلاء کالیهود الذين نقضوا العهود والمواثيق المرة تلو الأخری فکان النتيجه قتلهم أبناء النبي وكان استحقاقهم هو الخسران والنار.
2- کلمة ( دین )
الدین حقیقته في الأصل الجزاء ثم صار حقيقة عرفية یطلق علی مجموعة عقائد وأعمال یلقنها رسول من عند الله و یَعِدُ العاملين بها بالنعیم و المعرضين بالعقاب. ثم أصبح الاسلام علم غلبة علی مجموع الدین الذي جاء به النبي صلوات الله علیه وآله.(ابن عاشور،2000م، ج 3 ، ص 46-47).
فهذه الکلمة قد استعملها الحسن الهَبَل في سیاقات متعددة جاعلا من محبة الإمام زید عليه السلام ونهجه في الحق دینا ومعتقدا فهو ذلك الدين الذي يقود إلى الشهادة .يقول الهبل :
لمَ لا يطولُ على الورى من كانَ "حيدرةٌ" إمــامـــــــه
من بالكتابِ وعُترةِ المختارِ قد أضحى اعتصامـــه
واختارَ دينَ " أبي الحسينِ" لحبِّ "حيدرةٍ" علامة
ويقول ايضا :
هيهاتَ ذلک دِیــنٌ لا أُفـــــــارقـُــــهُ
قـــــَفوتُ زیداً إمام الحقِّ مُتّبعاً
حتی أجيء غداً في زُمرة الشُّهدا
طریقَهُ ، لسْتُ أقفو دونَهُ أحَدا
فَقصِّروا عنْ مَلامي إنّني رجلٌ
لا أرتضي غیــــرَهُ دیــناً و مُعــــتَقــَــدا
(الهبل، ص165)
3- کلمه ( ناصبي )
الناصبي والنواصب کلمة یذکرها جمیع شعراء آل البیت علیهم السلام ویقصدون بها الطائفة التي تنصب العداء لآل البیت، وقد کان لها وقع حجاجي وحضور کبیر ومهم في دیوان الشاعر ولکن مایهمنا هو تعریفها اللغوی وتعریفها التداولي الذي کنا قد أشرنا إلیه في بدایة تعریف الکلمة الحجاجیة. یقول الحسن الهَبَل :
يامعشرَ" النُّصـــــابِ" لا نِلتُمْ غداً
مِــــن رحمـــــة اللهِ العـــــَليِّ نَصــيـــبا
كــم ذا إلى آلِ النــــبيّ" محــــــمدٍ"
أضْحتْ عقاربُكم تَدُبُّ دَبيبــا
(الهبل، ص168 )
ویصف الناصبیین أیضا في تعبیر بلیغ ومقذع مستعینا بالقواعد النحوية وهي کثیرة الاستعمال في شعره فيقول:
"النّاصبيّ" جاحِــــــدٌ
أعمی الشّقــــــاءُ بَصَرهْ..
فـرّقَ ما بَینَ "النّبيّ.."
لا تعجبوا مِن بُغْضِهِ
فــــــــــــإنـّهُ مَعــــرِفــــــــــــــةٌ
وأخیــــــــهِ « حیـدرَهْ »!
لِلــــــْعُتـــــــــرةِ الـمُطــهّـــــــــــرة..
لـــکنْ أبــــــــوهُ نـــــَـکــِـرة ! (الهبل، ص482)
نصب في اللغة :أعیا وتعب وأنصبني هذا الأمر، ومن المجاز ناصب لفلان نصبا إذا قصد له وعاداه. ومنه النواصب والناصبیة وأهل النصب، وهم المتدینون ببغضة أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لأنهم نصبوا له أي عادوه وأظهروا له الخلاف .( الزمخشری، أساس البلاغه، 1989م ،ص 635 – 636 ، الزبیدي، 1968م ،ج 4 ،ص 277).
فکلمه ناصبي التي تعني في المعجم التعب والإعیاء قد نُسي معناها علی مر الزمن وأصبح لها معنیً اخر اکتسبته من استعمال الناس لها بل واصبحت لقبا ودینا – علی حد تعبیر الزبیدي – للإنسان المبغض للإمام علي علیه السلام.
من ذلک یتبین لنا أن هذه الکلمات تحمل بعدا حجاجیا اکتسبته من سیاق النص ومن قیمتها التداولیة بین الناس. فارتباط المفردة في أذهان متلقیها بواقع معین ودلالة محددة تحیل علی واقع اجتماعي أو ثقافي متداول عندهم؛ یجعل هذه الکلمة اکثر ادراکا وفهما وتاثيرا في نفس المتلقي.
المبحث الثاني : التركيب الحجاجي
عندما نقصد بقولنا الترکیب في الخطاب أو النص نعني به الجملة المفيدة المرادفة للکلام فالجملة عند ابن جني هي الکلام «کل لفظ استقل بنفسه وجنیت ثمرة معناه فهو کلام» ( ابن جنی ج 1, ص 17 ) وقد استخدم الشاعر جملا وأسالیب مختلفة کأسلوب التوکید والالتفات والتکرار وغیرها من الأسالیب. ولیست لزیادة في اللفظ وانما محاولة للتأثیر في المقام وماینتج عنه من طاقة حجاجیة عبر وظیفة شعریة وجمالیة. وهذه الأسالیب الحجاجیة هي:
1- أسلوب التوکید
ویأتي دور التوکید في تحقیق الحجاج والإقناع في ارتباطه بالمخاطب؛ حیث یأتي التوکید لتقریر المؤکد في نفس المخاطب وتمکینه في قلبه وإزالة مافي نفسه من شک وشبهة أوتوهم أو غفلة. ( الزمخشری، المفصل فی علم العربیة ،1323ه ،ص 111-112، العلوي ،1914م،ج 2 ،ص 176)
أ- التوکید بإن والقسم
فی مساجله له وصدیقه احمد بن ناصر المخلافی یوکد "بالقسم وأن" بأن الزیدیة هی الفرقة الناجیة لإنها هي المتبعة لآل البيت وأن آل البيت هم سفينة النجاة .
أَليّــــَةٌ ألــــيّـــــةْ؛ بــــــــبارئ البـــــــريـــــــة؛
إنّ الجنانَ زُخرفتْ لمعشر "الزيديــــــــة"
وأنّ كلَّ الحقِ عند "العترةِ "الزكية
هم قادتي وسادتي وأسوتي المرضـــــــية
أما ســــــواهم فأبته نفسي الأبيــــــــــــَّــــــة
ب- التوکید بالجملة الاسمیة
نلاحظ کثرة استخدام الهبل للجملة الاسمیة عن الجملة الفعلیة ؛ذلک أن الجملة الاسمیة إحدی طرق التوکید کونها تدل علی الاستمرار والثبوت، وقد انطلقت من قضایا مسلم بها عند المخاطب من عظمة الامام زید وتضحیته من اجل نصرة الأمة وکذا والاخبار المتواترة عن فضله وعلمه وعلو مكانه وقد نزل المتکلم المخاطب منزلة غیر المنکر لذلک جاءت مبدوءة بالخبر للتنبیه وتذکیره بتلک القضایا الأساسیة، الأمر الذي یجعل وقعها الحجاجي أقوی تأثیرا في المتلقي.
من قامَ للرحــــمنِ , ينصرُ دينهُ ويحوطهُ من أنْ يُضامَ ويُقــــــهرَا
منْ باعَ مِن ربِّ البريةِ نفسَـــــــهُ يا نِعمَ بائعها ، ونِعمَ منِ اشترى
من قامَ شاهرَ سيفِه في عُصبة "زيدية" يقفو السبيلَ الأنـــــــورا
من جاءَ في الأخبارِ طيبُ ثنائه عن جـــــدّهِ خيرِ الأنـــــام مُكـــــررا
(الهبل ، ص133)
ویقول الهبل فی وصفه لمجموع الإمام زيد (ع) :
أنا عن "علي" ذي العُلى لا عن فُلانٍ أو فلان
أنا دينُ آل "محمد" سفنُ النجا شهبُ الأمــــــــــــــــان
وأنـــــــــــا القريــــــــــــــنُ برغم آناف "النواصب" "للقُران"
أنـــــــــــا غـــــــــُــــــــــــــــــــــرّة التاج المكلّل درةُ العِقد الجُمان
ج- التوکید بالقصر
القصر تخصیص شیء بشیء عن طریق مخصوص.(عباس،1997م، ص385) وهذا التخصیص یفيد التوکید وتمکین الکلام وتقریره في الذهن لما فيه من قوة ومبالغة في الحکم. (السامرائی، 2000م ،ص213) والقصر أسلوب یلبي حاجة المتکلم في التوکید وإلزام الخصم الحجة علی سبیل الإقناع دون اللجوء إلی الإکراه خاصة في مواجهه انکار الخصوم ورفضهم للدعوة. فالحسن الهَبَل یحصر الشقا والظلم الذي حل بآل البیت إلى اليوم في یوم السقیفة فيقول:
وکمْ قتلوا مِن « آل احمد » ســــــیّداً
وکُـــلُّ مـــــُصابٍ نــــــالَ آلَ «محـــــمــّــدٍ»
إمــــامـــــاً ، زَکــَــتْ أعـــراقُــــهُ ومــــــناقــــبــُــهُ
فَلیسَ سِوی یومَ الســـقیــــفةِ جــــالبُـــــــــــهُ
(الهبل، ص 119)
وقد لایکون القصر هنا دحضا لمعتقد آخر وإنما یأتي لرأي یسلم به الخصوم والمتحدث عنهم ویعتبرونه حقیقه فهم یقرون بعظمة الإمام والظلم الذي حل به وبأهله؛ یعلمون بأن الخزي والخسران الذي آلت إلیه بنو أمیة هو بسبب ضلالهم وقتلهم أبناء النبي محمد صلوات الله علیه وآله ؛ لذا فإن وقعها الحجاجي کان أشد تأثیرا وأعمق أثرا فيهم مما لو کانت عناصرها غریبة بالنسبه لهم.
ماذا لآلِ أُمیّةٍ عُصَبِ الشقــــا
ظَفِرتْ بِقتْلِ ابْنِ النبيّ، وإنّمـا
عِندَ النبيّ « محمّدٍ » مِن ثـارِ ؟
ذَهــــبَـــتْ بِخـــزي ظــاهـــرٍ وبـــــوارِ
(الهبل، ص139)
ویقول ایضا :
یا مُنکرا فضلَ بني "أحــــــمدٍ " كن لِلذي تســـــمعه مُنصتا
هلْ خاتمُ الرسلِ سوى جدِّهم؟ وهل أتى في غيرهم: "هل أتى"؟!
(الهبل ، ص 154)
نستخلص من ذلک أن المخاطب بهذه الضروب من التوکید لایستطیع أن یعترض علی الکلام بقوله "لیس صحیحا" "لا أوافق"، إذ لیس له إلا أن یوافق علی القضیة المعروضة علیه معقبا علی الأمثله بقوله "هو کذلک ، أوافق " فالتوکید هنا عمل کلامی یأتیه المتکلم فيجعل عمل الخصم الکلامی یسیر في الاتجاه الذي یرسم له ذلک المتکلم ، لقد ارتج علی الخصم فأنی له ان یصاول أو یطاول؟ إلا أنه یبقی للخصم العنید أن یرد علی ذلک بقوله:{لیس الإمام، وفضله کبقیة الناس.....} في هذه الحالة «یکون الخصم قد آثر أن یغادر ساحة المنطق وینسجب من میدان المحاجة محجوجا قد ارتج علیه».(صوله ،2007م،ص 286)
2- أسلوب الاستفهام
الاستفهام کما هو واضح أسلوب بلاغی و بنیة حجاجیة تقوم علی طرح القضیة المخصوصة ویلعب دورا کبیرا في الإقناع وخاصة في العملیة الحجاجیة نظرا لما یعمله من جلب المتلقي إلی فعل الاستدلال بحیث أنه یشرکه بحکم قوة الاستفهام وخصائصه التي تخدم مقاصد الخطاب ویلعب دورا اساسیا في الإقناع بالحجة .(البنعلي،2003م، ص 214– عیسی ،2006م،ص 43) یقول الحسن الهَبَل وهو یعدد فضائل أمیر المؤمنین ومعارکه والکرامات التي اختص بها فکان أهلا للوصایة والولایة عن غیره من الناس، من ذلک:
مَنْ ذا سِـــــواهُ مِنَ البـــــریّةِ کــُــلِّها
مَن غَیرُهُ رُدّتْ لَهُ شمسُ الضُّحـــی
مَن نـــــامَ فــــوقَ فِراشِ « طــه» غیـــرهُ
مَن قَطَّ في«بـَــــدرٍ» رؤوسَ حُمــاتِهـــا
مَن قدّ في «أُحـــدٍ» ورودَ کُـــماتِـهـــا
مَن کــانَ فــاتِحَ «خَیبرٍ» إذْ أدْبــَرتْ
مَن ذا بِها المُختارُ أعْطــاهُ «اللــــــــــوا»
أفـَــهلْ بَقي عُذرٌ لِمَنْ عَرفَ الهُــــدی
والله لو تَـــرکوا «الإمامـَــــةَ » حَیثُمـــا
زکـــــّـی بِخــــاتَمـــِــهِ ، ومــــدَّ الخُنـْـصُـــرا ؟
وکفاهُ فضلاً في الأنامِ ، ومَفخـَـــرا ؟
مـــُـزَّمـِّـــــــــلاً في بـــُــرْدِهِ مـُـــــــدّثــــِّرا ؟
حتّی عَلا بـــــدرَ الیقینِ ، وأسْــــفـــَـرا ؟
إذْ قَـــهْقَرَ الأســـــدُ الکميّ و أدْبـــَــــرا ؟
عنها «الثلاثةُ» سَلْ بذلک«خیــــبـرا»؟
هَل کانَ ذلکَ «حــیدراً» ؟أم حَبْتــــرا؟
ثُمَّ انْثَنی عَن نَهــــْـجـــِــهِ و تـــَـغـــــــیّـــــرا ؟
جُعِلَتْ لَما فَرَعَتْ أُمیّةَ مِنــْــبـــَـــرا!
(الهبل،ص 130)
إن القضایا المعروضة هي محل الاستفهام و هي من المسلمات عند المخاطبین ولاینکرونها وإنما سئلوا عنها لیوجبوها ولیصادقوا علیها من تلقاء أنفسهم حتی إذا ما حصلت المصادقة من قبل المخاطبین- وهي لابد حاصلة -کان ذلک وسیلة للترقي درجة أخری في سلم الإقناع بجوهر مایرید الشاعر. ویمکن تمثیل الحوار الاستفهامي بالشکل التالي:
الشاعر: ألیس الإمام علي(ع) هو من نام علی فرش رسول الله وفدا نفسه لأجله ؟
المخاطبون: نعم هو لا غیره.
بقیة الحوار کما یوجهه الاستفهام: إذن الإمام علي(ع) خیر الناس بعد الرسول.
الشاعر: ألیس الإمام علی(ع) هو من هزم الاحزاب في بدر وأحد وفتح خیبر التي لم یستطع لها أحد؟
المخاطبون : نعم هو فهو حیدر الکرار .
بقیة الحوار کما یوجهه الاستفهام:إذن فضله علی الناس أجمع وهو قائد هذه الامة.
الشاعر : أبعد أن تبین الحق في فضله ثم انحرف الناس عنه أیکون لهم عذر؟
المخاطب : لا لیس لهم عذر .
بقیة الحوار کما یوجهه الاستفهام : إذن فمصیرهم هو الضلال و الخسران.
إذن الاستفهام هنا هو الحجج ذاتها کما أنه فعل حجاجي بالقصد المضمر فيه وفق مایقتضیه السیاق خصوصا بالترتیب الذي یؤدی بالمرسل إلیه إلی التسلیم المرة بعد الأخری والتنازل عن معتقداته السابقة شیئا فشیئا «والمرسل یدرک کما یدرک المرسل إلیه أن هذه الأسئله لیست استفهاما عن مجهول إذ لایجهل المرسل شیئا من هذه المعارف، ولهذا فهي حجج باعتبار قصد المرسل لا باعتبار الصیاغة والمعنی الحرفي فقط» (الشهري، 2004م،ص 485)
3- أسلوب الشرط
الشرط في اللغة کما یعرفه ابن منظور هو " الزام الشیء والتزامه" (ابن منظور ماده شرط). ویقوم الشرط علی رکنین أساسیین: هما الشرط وجوابه، ویعد بنیة حجاجیة في کونه یطرح القضیة ومایمکن أن ینتج عنها کما یوفر أسلوب الشرط علاقة اقتضاء بین الشرط وجوابه وهو مایمثل ضربا من التلازم بین الحجة والنتیجة. ( الدریدي،1977م، ص 335). وقد وردت هذه البنیة حول المحور الرئیسی کالإمامة وفضل آل البیت علیهم السلام. مثلا یقول الحسن الهَبَل :
1- والله لو تَـــرکوا «الإمامـــــةَ »حیثُمـــا جُعِلَتْ لما فَرَعَتْ «أُمیّةَ » مِنــْــبــــــرا! (الهبل، ص130)
2- ونَصَّ عَلیهمْ بِالإمامةِ دونَهُم. ولَو لَم یکُن نصّاً لَقدَّمهُ الفَضْلُ ( الهبل، ص111)
3- لَئنْ فَرضوا مِنّي السَلو جَهالةً فحُبّکُم عِندي هوَ الفرضُ والنفلُ (الهبل ص 110)
4- ولو في سِواکم أهلَ بَیتِ محمّدٍ غَرامي لَکانَ العَذلُ عِندي هوَ العَدْلُ (نفسه)
الدعوی
الافتراض
النتیجة
1- بقاء الإمامة لعلي
إقامة الإمامة للإمام علي (ع)
لما استطاعت بنو أمیة أن تحکم الأمة الاسلامیة ولاختفت من الوجود.
2- لایوجد نص
لا یوجد نص (بقول المخالفين)
فضائله وخصاله الکریمة تجعله إمام الناس أجمعین حتی بدون النص.
3- فرض علی الشاعر السلو والنسیان في حب آل البیت
الشاعر ینسی حب آل البیت
لایمکن للشاعر نسیانهم والسلو عنهم لأن حبهم کالفرض و النفل الذي یداوم علیه الإنسان وبه یتحقق الثواب والجزاء
4- لوم الشاعر بمدح آل النبي
الشاعر یمدح غیر آل النبي
ملامته و توبیخه کان واجباً لمدحه غیرهم وهم أهل الفضل والعلم والتقوی.
إذن کل بیت یمثل بنیة حجاجیة، حیث تورد الدعوی وما یمکن أن یترتب علیها من نتیجة وهي بمثابه الحجة التي لاتسمح للخصم باستمراریة جدله أو اعادة بناء الدعاوی وهذه الأبنیة مبنیة علی إفتراض وقوع الدعوی فعلا وإفتراض النتیجة المترتبة علیها لتصبح بذلک حجة قاطعة علی فساد دعواهم وزیف مزاعمهم.
4- أسلوب التکرار
التکرار وسیلة بلاغیة مهمة یقصد إلیها المتکلم لتقویة حجتة فيقولون إن الشیء إذا تکرر تقرر.( السیوطی،1980م،ص 258 ) یوفر التکرار طاقة حجاجیة تحدث أثرا في المتلقي ذلک أنه یساعد علی التبلیغ والافهام ویعین المتکلم علی ترسیخ الفکرة أو الرأی في الأذهان. فنحن نری الحسن الهَبَل یکرر جمله "أأسلوا" لیؤکد أنه حتی إذا أجبره العاذلون علی نسیان آل محمد فإن حبهم هو الفرض والنفل الذي یداوم علیه بل إن حیاته ملک لهم ومهما قال في حقهم فهو القلیل بالنسبه إلیهم.
مَلکْتُـــــمْ فؤاداً لیسَ یَدْخلُـــــهُ العَذْلُ
وماذا عَسی تُجْدي المَلامَةُ في الهَوی
لَئِن فـــَــرضـــــوا مِنّي السَلـــــوَّ جَهالـــــَةً
أأسْلــــــــوا ولاصِبْغُ المَشیبِ بعارضي
حَمَلــْــــتُ هَواکــــُمْ في زَمـانِ شَبیبَتي
فيا عـــــــاذِلي في حُــبِّ آلِ محـــمّــدٍ
أأسْلو هَوی قَومٍ قَضــــــی بِاجْتِبائِهِمْ
أولـَـئـِک أبــــنــــاءُ النــــبـيِّ محـــمـّـــدٍ
فَذِکْرُ سِواکُم کلَّما مَرَّ لا یَحْلو
لِمَنْ لا لَهُ في الحُبِّ لُبُّ ولا عَقلُ
فَحُبُّکُم عندي هوَ الفَرْضُ و النَّفْلُ
یَـلوحُ ، ولا صِبْغُ الشـــبـیْبَةُ مُنحَلُّ؟
وقَد کُنتُ طِفلاً والغَرامُ بِکُم طِفلُ
رویـــــْـدَکَ إنّي عَنهُمُ قَطّ لا أسـْــلو
وتَفْضیلِهِمْ بَینَ الوَری العقلُ والنَّقلُ
فَقُلْ ماتـــَــشا فيهِم فإنّکَ لا تَغــْلــــو(الهبل،ص110)
من ذلک ایضا ما نجده من تکرار الهَبَل لکلمة( القبر) لما له من قداسة عند الشیعة في زیارتهم لقبور الأئمة (ع) وتکراره لهذه الکلمة تبین حالة الحزن والأسی في الشاعر في بحثه عن قبر الإمام زید لکی یزوره، ولکنه للأسف لایجد ذلک القبر . وهذا یؤکد بشاعة فعل الظالمین بالإمام علیه السلام .
عُج بِالکُنـــــاسَة بَاکــــــــیــــــــاً لِمَصـــــــــارعٍ
مَهْما نَسیتُ فَلَستُ أنْسی مَصــْـرَعـــاً
مـــــــازِلْتُ أســْــألُ کُلَّ غـــــــــــــــــادٍ رائــــِــــحٍ
بَأبي وبـــــي بـــَــل بِالخَلائــِـــقِ کـُــــلِّهـــــــا
أمـّـــا عَلیکَ «أبا الحسین »فَلَمْ یــَــــزَلْ
غُرٍّ تَذوبُ لَهَا النــــفـــــوسُ تَحـَـــــسُّـــــرا
«لَأبي الحسین» الدهْرَ حتّی أُقْبَرا
عَن قَــــبـْــرِهِ ، لَم ألْــقَ عــَــنهُ مــُخْــبـِـرا
مَن لا لَهُ قــــبــــرٌ یـــُــــزارُ ، و لا یــُـری
حُـــــزْني جـَـــدیــــدَ الثوبِ حَتّی أُقْبـــــَـرا
(الهبل،ص 133)
وبناء علی المعطیات السابقة یمکن القول أن ماینهض به التکرار من دور حجاجي لایکمن في الألفاظ والتراکیب المکررة فحسب، بل هو الأثر الناتج لتکرار اللفظ وهو مایسعی من خلاله الشاعر تحقیقه من هذا التکرار، وهو بهذا یؤدي وظیفة حجاجیة علی أکمل وجه ویحقق ثلاثة أغراض رئیسیة هي: 1- التوکید 2- تماسک النص ووحدته الموضوعیة 3- الإیقاع المؤثر في النفس .
5-أسلوب الالتفات
الالتفات « انصراف المتکلم من المخاطبة إلی الإخبار وعن الإخبار إلی المخاطبة وما یشبه ذلک» (ابن المعتز،1945م، ص 106) وبسبب توسع دائرة الالتفات عند ابن الاثیر فقد جمعه العلوي في تعریف جامع شامل وهو«العدول من أسلوب في الکلام إلی أسلوب آخر مخالف للأول.» ( العلوی،1914م، ج2 ،ص 132).
إن الغایة من وجود الالتفات قول الزمخشري علی عادة افتنان العرب في الکلام وتصرفهم فيه، ولأن الکلام إذا نقل من أسلوب إلی أسلوب کان ذلک أحسن تطریة لنشاط السامع وإیقاظا للإصغاء إلیه من إجرائه علی أسلوب واحد.(الزمخشری، الکشاف،1363ه.ش، ج1 ،ص89) لذلک نلاحظ کثرة الالتفات عند الهَبَل من الخطاب إلی الغیبة لیجلب انتباه السامع للتعریف بآل البیت وفضلهم وعلو مکانهم ثم یعود من الغیبة إلی الخطاب لیحاججهم علی ما صنعوه وینبّههم لحقهم. ففي هذه الأبیات یتحدث الحسن الهَبَل إلی الإمام زید مادحا له ولفضله وجهاده في اعلاء کلمة الله تعالی قائلا :
« أأبا الحسینِ »دُعاءُ عبدٍ مُخــــلِصٍ
طــــَـــــوراً یَصوغُ لـــَــکَ المَـــدیحُ وتـــــارةً
ودِّي علی طــــولِ المــَــدی مُـــتـــــجــــدّدٌ
فاشفَعْ بِفَضلِکَ في القیامةِ لي وقُلْ:
ما ضَــرّنـــــا أنْ لا ثـــــــَـــری فَـــنـــــَـزورهــــا
لکَ ودّهُ في الجـــــهْرِ والإســـــــــْــــــــــرارِ
یــَــبـــکي عَلیکَ بِمـــَـــــدْمــــــــَعٍ مــِـــــــــدْرارِ
وفـَــــرائـــــــِــدُ الأشــْــــــــــــعارِ فيکَ شِعاري
هـــــــَــذا الفَتی في ذِمـّــــــتي وجــــــــــــــواري
إذْ أنتَ بـــَیـــــنَ جــــــــوانـــــِـــحِ الــــــــــــــزوّارِ
وبعد مدیحه للإمام زید(ع) ینتقل إلى ذم أولئک الذين خالفوا وأحلوا دماء آل البیت فيقول:
ماذا لآلِ أُمیّةَ عُصَبِ الشقــــا
ظَفِرتْ بِقتْلِ ابْنِ النبيّ، وإنّمـا
عِندَ النبيّ « محمّدٍ » مِن ثـارِ ؟
ذَهــــبَـــتْ بِخـــزي ظــاهـــرٍ وبـــــوارِ
ثم یعود إلی خطاب معشر الناصبین للتشنیع علیهم أیضا:
یا عُصْبةِ النَّصبِ التي لَمْ یُثْنِها
حتّی مَتی آلُ النبيّ « محمّدٍ »
عنْ قَتلِ «أهلِ البیتِ» خَوفُ الباري
تُمْــنــی بِقــتَـل مِنـــــــکُمُ وإســـــــــــــارِ؟
( الهبل،ص138 ،139)
إن وقع الالتفات یأتي قویا علی المتلقي باعتباره أسلوبا مفاجئا یکون المخاطب قد أنس علی نظم الکلام الأول فيأتي تعبیر جدید لا یتوقعه السامع الذی یمکن أن نعتبره طریقة للضغط علی المتلقي ولفت انتباهه إلی مواطن مخصوصة في الرسالة.(صوله،2007م،ص 459)، وسنقف عند ثلاثة معان للالتفات ذات وظائف حجاجیة مختلفة 1- إثاره المتلقي ولفت انتباهه بما في بنیته اللغویة الخاصة من الخروج غیر المتوقع عن المألوف 2- تقویة الحضور سواء کان الالتفات بواسطة الضمیر أو بواسطة الزمن. 3- الالتفات یعمل علی التشنیع علی الخصوم وإشهاد السامعین والقراء علی فساد صنیعهم یقول الزمخشري في الالتفات عن الخطاب إلی الغیبة «فإن قلت ما فائدة صرف الکلام عن الخطاب إلی الغیبة؟ قلتُ: المبالغة کأنه یذکر لغیرهم خصالهم لیعجبهم منها ویستدعي منهم الإنکار والتقبیح» (الزمخشری، الکشاف،1363ه.ش، ج 2 ، 338)
المبحث الثالث : الصورة الحجاجیة
تعد الصورة من أهم أدوات التشكيل الشعري التي يستخدمها الشاعر للتعبير عن رؤاه ومشاعره وانفعالاته؛ فالجاحظ كان من أوائل النقاد الذين تنبّهوا إلى الصلة التي تربط الشعر بالتصوير بقوله: "الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير"( الجاحظ،1969م، ج 3،ص 132)، ولما كانت الصورة كما رأينا عند القدماء في الأساس قائمة على المجاز ذا عنصرٍ حسي بصري يجسد المعنى ويجعله مرئياً مشاهداً، فإن وظيفتها وغايتها تبليغ المعنى في أحسن صورة بسهولة ويسر وجعل المتلقين يقتنعون من خلال الصورة الحسية التي يظهر عليها وتكون حضورها في ذهن السامع أقوى ووقعها عليه أشد وأثرها عميق. والصورة الحجاحیة عند الحسن الهَبَل تتمثل في:
1- التشبیه
یرسم الحسن الهَبَل صورة مقتل الإمام زيد علیه السلام واستخراج جسمه الطاهر ليرسم صورة يذكر فيها صفاته العليا من جهة و من جهة أخری يذم بها أولئك الظالمين الذين مع علمهم بقدره وعظمته إلا أنهم نكّلوا به أشد تنكيل ولقي منهم مالم يلقه أحد. فيقول :
فـَــــرَمـــَـوكَ في النــّــيـــْــــرانِ بُغْضاً مِنهُمُ
لِمحــــمّـــدٍ ، وكـــَــراهـــــــةً أنْ تــُقْبَـــرا
وَلـــَكــــادَ يُخْفيكَ الدُّجــــــى لَولَمْ يَصِرْ
بجَبينِكَ المَيـــْـمونِ صُبْحاً مُسْفِراً..
وَ وَشـى بِتُرْبَتِكَ الــــتي شَرُفَتْ شَـــذَى
لــَولَاهُ ماعــــَــــلِمَ العَـــــدوُّ وَ لا دَرى
طِيْبٌ سـَـــــرى لَكَ زائِراً مِنْ «طـَــــيْبَةٍ»
وَمِنَ الغـَـرِيّ يَخالُ مِسْکَاً أذْفَــــرا
وَذَرَوا رَمـَــــادَكَ في «الفُراتِ»ضَلالَــةً
أتَرَى دَرَى ذَاري رَمادِكَ ماذَرَى ؟
هَيْهاتَ ، بَلْ جَهِلوا لطِيبِ أَريجِـــــهِ
أرَمادَ جِسْمِكَ ماذَروا أمْ عَـــــــــنْبَرا؟
ســــَــعــُدَ «الفــُـراتُ »بقُــــرْبــــِــهِ فــَـلوِ انَّهُ
مـــــِـلْحٌ أُجاجٌ عَادَ عَذْباً «كَوثرا».
هــَـــذا جَــــــزاءُ أبيكَ «أحمد» مِنـــْـــهُمُ
إذْ قــــــامَ فيهُمْ مُنـْــذِراً ومُبـَشّراً .!
وجـَــــزاءُ نُصْحِكَ حينَ قُمْتَ بأمرِهِ
وَسَرَيتَ بَدْراً في الظَلامِ كَما سَرَى
( الهبل، ص135،136)
في البیت 2، 3 ، 4نرى أن ذلک النور والصبح المنبعث من جبین الإمام زید علیه السلام وتلک الرائحة الزکیة الطیبة التي انبعثت من جسمه الطاهر وعطرت تربته، هما اللذان وشیا بقبره وبأنهما الإنسان الواشي ولیس العکس - حیث أن الأعداء قد تربصوا مکانه – فکان هذا التشبیة والاستعارة تعظیما لمقامه وشأنه صلوات الله علیه.
أما في البيت 5، 6، 7 یصف الشاعر ذلك الرماد الذي ذراه الظالمون بأنه لم يكن رماداً بل كان مسكاً وعنبراً وعند صبه في الفرات فرح به فعاد عذباً كوثراً. إذن قام تركيب الصورة على حسیة (البصر والسمع والشم والتذوق واللمس) التي جعلت المتلقي يتمثلها ويدركها بكافة حواسه فينفعل بها وكانت الصورة مترابطة بعضها البعض بخيط شعوري هو الإجلال والتعظيم لمقامه صلوات الله علیه بدل التحسر والحزن.
2- الاستعارة
صورة أخرى يصف فيها شاعرنا الحسن الهَبَل الانحطاط الذي وصلت اليه الأمة في عهد بنى أمية حيث صور في البيت الثاني ضلال الأمة وانعزال الحق بدلالات حسية واسعة، و جسم الضلال بأنه الطوفان الذي يحمل معه معنى الدمار وسرعة الانتشار واستحالة أن تبقى بقعة من الأرض دون أن يصل إليها هذا الطوفان .أما الحق الذي أضاف اليه الصورة التشخيصية بأنه إنسان قد ولى وأدبر ولم يستطع الوقوف أمام هذا الطوفان الهائل بعد أن خلع عليه صفات الآدميين وهو الهروب والإعراض، فكانت هذه الصورة الرائعة كغيرها من الصور التي أبدعها شاعرنا ذات تأثير بليغ وحجة على المتلقي لتلك الواقعة التي حدثت للأمة بأن الناس لم يقوموا لنصرة الإمام زيد فكان جزاؤه الفوز و الشهادة وكانت عاقبتهم الخزي والشقاوة.
لمـــّـــا تَكامَلَ فــــــــيهِ كُلُّ فَـضـــيــــلَةٍ
وســـــَـــــــرى بِأُفْقِ المَجــــــــدِ بَدراً نَيــــّـــرا
وَرأی الضّلالَ وقَدْ طَغى طوفـــــــانُهُ
والحـــَـــــــــقَّ قـــــــــد ولّى هُنــــــالِكَ مُدْبِرا
سَلَّ السيوفَ البِيْضَ مِنْ عَزَمـــــــــاتِهِ
لَيـــــــُـؤيّدَ الــــــديــــــنَ الحَنــــيفَ و يَنْصُرا
وَسَرى عَلى نُجُبِ الشّهادَةِ قاصِداً
دارَ البَقاءِ ،ياقُربَ ما حَمِد السُرى
(الهبل،ص134)
من جهة أخری يخبرهم شاعرنا بأنه باتباع نهجهم، عليهم السلام ،قد أمن من ذلک وأن نهج أبي الحسين الإمام زيد علیه السلام في القیام علی الظلم قد أنار طريقه في زمن قد أصبح الدين كالجرف الهاري مستمدا صورته من الآية الكريمة ﴿أفَمَنْ أسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی تَقْویً مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَیْرٌ أمّنْ أسَّسَ بُنْیانَهُ عَلی شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانْهارَ بِهِ في نَارِ جَهَنّم﴾ (سورة التوبه آیه 109)
لـمــا رأیتُ النـــاسَ قدْ اضحَوا عَلی
تـــــابَعْتُ آلَ الـمُصْـطَفی مُـــــتَیقِّناً
وقَفَوتُ نَهجَ أبی الحسین مُیمّماً
جُرُفٍ مِنَ الدینِ المـُلَفّقِ هــــــــارِ
أنَّ اتـــــّـباعَهُمُ مــُـــــــــرادُ البـــــــــــــاري
مِنهُ ســـَــــــبیلاً واضِـــــــــحَ الأَنــــْــــوار (الهبل، ص 138)
نستنتج من ذلك أنه بالإضافة الى مايضيفه التجسيم والتشخيص إلى جمال الاستعارة، هناك الجانب الجمالي الانتقائي للكلمة الحسية المناسبة للموقف. أما جانب الحجاج يمكن استيعابه من الكلمة المجسمة من خلال العودة إلى الشكل الحسي وفاعليته ودوره في الإقناع والحجة والتأثير في المتلقي.
3- الكناية
ونری براعة الحسن الهَبَل في توظیفه للکلمات ذات التأثیر والحجة وهو یکني عن یوم السقیفة بـــــــــ(یوم الفعیلة) لیعبِّر عن شناعة فعلهم وخطئهم وأن كل ما لحق بالأئمة الأطهار من ظلمٍ كان سببه ذلك اليوم، من ذلک :
وكذاك "زيدٌ " أحرقتهُ معاشرٌ ما إنْ لهم يومَ الحسابِ خَلاقُ
مِن ذلكَ الحطبِ الذي جمَّعتمُ يومَ " الفعيلةِ " ذلكَ الإحراقُ
ويقول أيضا: (الهبل ، ص116)
أما لَو دَرى «يومَ الفَعیلَةِ» ماجَنی
لَشابَتْ مِنَ الأمرِ الفَضيعِ ذَوائِبُهُ
(الهبل، ص118)
«والفَعْلة: المرّة الواحدة من الفعل وفي ذلک تهویل للفعلة یکني به عن تذکیره بما یوجب توبیخه وفي العدول عن ذکر فعلة معینة إلی ذکرها مبهمة مضافة ... تهویل یراد به التفظیع وإنها مشتهرة ومعلومة. من ذلک قوله تعالی في الآیة الکریمة حین خاطب فرعون موسی علیه السلام « وَفَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الّتي فَعَلْتَ » (سورة الشعراء آیه 19) أراد به القتل فلم یذکره بل کنی عنه».( ابن عاشور،2000م، ج19 ،ص126).
4- المشهد
هو ما ترسمه الصورة من مشاهد متعددة مختلفة باختلاف عناصرها ومكوناتها بوصفها تشكيلاً لغوياً يقوم على الصورة والحركة والايقاع تجعل المتلقي يعيش أجواء ذلك كما لوكان حاضراً شاهداً للحدث في الزمان والمكان، وهذا ما يميز المشهد فهو يعمل على إحضار المتلقي وجذبه إلى ساحة الحدث و يجعل المتلقي اكثر فهماً وادراكاً من مجرد الإخبار كونه حاضراً شاهداً معانياً للموقف.(المحاقري،2009م، ص253).
من ذلک یصور الحسن الهَبَل مشهد یوم القیامة حیث أن الظالمین یذهبون ویتمنون الشفاعة لما اقترفت أیادیهم الآثمة من قتل وظلم آل البیت علیهم السلام، فيرسم الهَبَل هذا المشهد والرسول یعاتبهم ویریهم أن جزاءهم من جنس عملهم.
یا لــــــــیتَ شـــِــعْري ، مایَکونُ جَــوابُهُمْ
حینَ الخَــصیمُ «محمّدٌ »وَشُـــــــــــهودُهُ
قَدْ قـــُـــــیّدت إذْ ذاکَ ألْســُنهـــُـم بِمـا
وتَظَلُّ تــــَــــذْرِفُ بالـــــدِّمـا آمــــــــاقـــُــــــهُم
و هنا یأتي خطاب النبي (ص) للظالمین یوم الحشر فيقول:
فَهُناکَ یَدْعــــو ، کَیْفَ کانَتْ فيکُـمُ
الآنَ ؟ حــــــینَ نَکَــثـْــــــــــتُمُ عــــــــَهــــْــــدي وذا
وأخي غَدَتْ تَســـْعی لَهُ مِنْ نَکـــــثِکُمْ
وسَــــنَـــْنتُمُ مِن ظُــــــــــلْمِ أهــْـــلي ســــــــــنـّهً
أجَــــــزاءُ نُصْحي أنْ یـَـــنـــــالَ أقـــــــــاربي
فالآنَ جِــــئـْتُم تَطـــْــلُبونَ شـــــَـــــفــــاعَتي
أَتــــَــــرونَ بَعْدَ صَنیْعِكُمْ یُـــــــرْجی لَکُمْ
یـــــــــــاربُّ جَرِّعْهُمْ بِعَدْلِکَ غِــــبَّ ما
حـینَ الخــــــــَـــــلائِقُ لِلــــْـحِسابِ تُســــــــاقُ
أهـْــــــلُ السَّما والحــــــــاکِمُ الخــــــــــــــــلّاقُ
نَکـَـــــــثوا العـُـــــــــــــــهودَ فـَــما لَها إطـــْــــلاقُ
لِلـــْـــــکـــــــــَــــــرْبِ ، لا رَقأتْ لَهُمْ آمـــــــاقُ
تِلکَ العــــــــُـهودُ وذلِکَ المـِـــــــیْثـــــــــــاقُ ؟
ق أقارِبي مِنْ ظُلمِکُمْ مــــــا ذاقــــوا
حَیـــــّـاتُ غــــــَــــــدْرٍ سُمـــّـــــــــهُنَّ زُعــــاقُ
بِکُمُ اقــْـــــتَدی في فـــِـعْلِها الفــُــسّــــاقُ
مِنْ بـَـــــعْدي الإبــــْـعادُ و الإزْهــــــــــــــــاقُ
لمّا عَلا کـــَـــــــــــــرْبٌ ، وضَاقَ خِناقُ..؟
أبداً خــــَــلاصٌ ، أو یُحلُّ وثــــــــــــــاقُ..
قــــَــــدْ جــــَـــــرّعــــــوهُ أقاربي ، وأذاقـــــــــــــــوا
( الهبل ،ص115-116)
وهناک مشهد آخر مهيب یصور فيه شهادة الإمام زید، علیه السلام في الکُناسه و استخراج جسمه الطاهر من القبر وصلبه أربع سنوات عریانا علی الجذع، فتقوم العنکبوت بنسج خیوطها لتستر عورته المصونة کما نسجت قدیما في باب الغار لتحمي جده المصطفی، ولم یکتف الظالمون بذلک بل إنهم کانوا یمزقون تلک الخیوط المرة تلو المرة ،وبعد ظهور کراماته من تدلي بطنه لستر عورته و انبعاث رائحة المسک کل لیلة، قاموا بإحراق جسمه الطاهر وذروا رماده في الفرات.
یبدأ الهَبَل المشهد بالفعل (عُجْ بالکُناسه باکیا) لیضع المتلقي في جو المشاهدة فيقول:
عُجْ «بِالکــُــــناسَةِ » باکیــاً لِمصــــارعٍ
مَهْما نَسیـــتُ فَلَسْــتُ أنْســـــی مَصْرعاً
غُرٍّ تــــًـذوبُ لَهـــــــــــا النُّفــــــــــوسُ تَحَسُّرا
«لَأبي الحُسینِ» الدَّهــــرَ حتّی أُقْبـــَـــــرا
ثم یبدا بتصویر المعرکة التي یصور فيها شجاعة الإمام زید واستشهاده علیه السلام.
فَـأتَوا إلیهِ بالصــّـــــواهِلِ شــُـــــــزَّباً
فَغَدَتْ و راحــَـتْ فيهُمُ حَمـَــلاتُهُ
حتّی لَقــدْ جــــَــبُنَ المُشَجـّــــــعُ مِـــنْهُمُ
فَهُناکَ فَوّقَ کــــَـــــــــافِرٌ مِنْ بَیْنِهِمْ
صَلَبـــوهُ ظُلْماً بِالْعـــــَـــراءِ مُجَــــــرّداً
حتّی إذا تَرَکـُـــــوهُ عُرْیـــــانــــــاً علی
نَسَجَتْ عَلیهِ العَنْکَبوتُ خیوطَهــــا
وَلِجـَــــدِّهِ نَسَجَتْ قَدیْمــــــاً ؛ إنَّهـــــــــا
نَصَبوکَ مَصْلوباً علی الْجِذْعِ الّذي
أکَذا حَبیْبُ اللهِ یا أهــــلَ الشّقــــــــــا
یا لَیْتَنی کُنــــــــتُ الفـِـــــــــدا و أنـــَّـــهُ ؛
باعــــــوا بقَتْلِکَ دِیْنَهُم ، تَبــّــــاً لَهُمْ
و بیعْملاتِ العیْسِ تَنْفُخُ في البُری
و سَقاهُمُ کاسَ المنیّةِ أحْمــــَـــرا
و انْصاعَ لَیـْــثُهُمُ الهَصورِ مُقِــهْقــِـــــرا
سَهْماً فَشَقَّ بِهِ الجَبیْنَ الأَزْهــــَـــرا
عَنْ بُرْدِهِ و حَمَوهُ مِنْ أنْ یُسْتــَــرا
جِذْعٍ ؛ عُتُواً مِنْهُمُ و تَجَــــــبـُّــــــــــرا
ضنّاً بعَورَتِهِ المَصـــــونَةِ أنْ تـــُـــری
لَیَدٌ یَحِــــــقُّ لِمِثْلِهـــــــا أنْ تُشْکــَـــرا..
لَو کانَ یَدْريْ مَنْ عَلیه تَکَسَّرا..
و حَبیْبُ خَیرِ الرُّسْلِ یُنْبَذُ بالعــَــــــــرا؟
لَمْ یَجْرِ فيکَ مِنَ الأعادي ما جَری
یا صَفْقَةً في دِیْنـــِـــــهِمْ ما اخْســَـــــــرا
(الهبل 134،135)
کما أن المشاهد الحواریة لها حضور فاعل لما لها من أثر في الإقناع والتأثیر علی المخاطب؛ حیث تسهم المشاهد الحواریة في بث الحیویة في النص من خلال استحضار الشخوص أمام المتلقين . فهذا الحوار المؤثر بین الشاعر الزیدي العاشق الحسن الهَبَل وبین الإمام الشهيد زید بن علي علیه السلام یختصر الزمان في لحظة واحدة، فيقول الهَبَل:
أَأُذادُ عَنکُمْ في غَدٍ ؟ وأنـــــا الّذي
لي مِن وِدادِکَ ذِمّةٌ لَنْ تُخْـــفَرا
فيجیبه الإمام زید وذلک علی لسان الشاعر:
قُلْ: ذا الفَتی حَضَرَ الْلِقا مَعَنا و إنْ
أبْطا بِهِ عنّا الزّمانُ.. و أخــــــَّــرا
(الهبل، ص 136)
الخاتمه
لقد كان لشخصية الإمام زيد علية السلام في شعر الهبل حضورٌ لافتٌ وقويٌّ بوصفه رمزا للثورة والشهادة وهما أسمى القيم التي طالما أكد الشاعر الزيدي في أبياته على اقتفائها والسير من بعدها شأنه شأن كل زيدي ثائر فكانت أبياته وقصائده هي السلاح الذي دافع به عن الإمام زيد وحبه له، وواجه به اولئك المعادين والناصبيين في زمانه ،وليس ذلك إلا لما يتمتع به الحسن الهبل من بلاغة وفصاحة في استخدام الكلمات والأساليب التعبيرية المجازية التي كانت ذات تأثير بالغ على المتلقي.
إن الأساليب البيانية التي قدمناها سواء على مستوى اللفظة أو التركيب أو الصورة ليست مجرد زخرفة تعبيرية بل هي آلية من آليات الحجاج قد وظفها الشاعر ، فجعلت من الخطاب الحجاجي خطاباً ممتعاً؛ إذ أن الأساليب البيانية وطرق التعبير والمجاز تجعل من فن الإقناع فناً للإمتاع حتى عندما تكون في خدمة الحجاج.
کما أن وسائل الامتاع (البيانية الجمالية) تنفي كل عناصر الملل عن المتلقي؛ ذلك الملل الذي يمكن أن يتسبب في نقل المادة المحكية وجفاف الحجج المخاطبة للعقل فيؤدي ذلك إلى بطلان الحجة وعدم قبولها الأمر الذي يستدعي بالضرورة الاعتماد على أمور جمالية وفنية تزيل الرتابة. ولهذا فقد سعی الشاعر الحسن الهَبَل من خلال أسلوب الحجاج إلی تأسیس موقف ما ؛حیث توجه إلی متلقٍ لأخذ قبوله وموافقته والتأثیر فيه بواسطه الأسالیب البلاغیة التي وظفها في الشعر.کما أنه اعتمد علی تقدیم عدد کبیر من الحجج المختارة اختیارا حسنا ومرتبة ترتیبا محکما لتترک أثرها في المتلقي وتهيئه لقبول نتائجه والتسليم لها فيحدث الإقناع ويكون بذلك المتكلم قد بلغ مراده وأصاب عند المخاطب ما يرغب فيه وقد أجاد وأبدع الشاعر الهَبَل فيما کان یصبو إلیه.
التوصیات :
الدعوة الى البحث في تراثنا الزیدی الفکری والأدبی الذی لم یدرس وإخراجه الی النور بدل أن یظل حبیس الأدراج والمکتبات.
إنشاء ديوان جامع لكل قصائد الشعراء الذين تحدّثوا عن الإمام زيد (ع) وثورته سواء من شعراء القديم أو العصر الحديث.
إقامة ندوات ومؤتمرات وأبحاث تتعلق بالإمام زيد (ع) خصوصا في البلدان التي انتشر فيها المذهب الزيدي كالعراق وايران والمغرب والعمل على جمع ودراسة التراث والمخطوطات الزيدية في تلك البلدان .
دراسه غزلیات دیوان الحسن الهبل و أیضا دراسة مواضيعه المختلفة في ضوء نظريات اللغة والأدب الحديث.
الدعوة إلى تحقيق ديوان الهبل من جدید لإعادة الأبيات المحذوفة منه، وليس هذا الا تكريما لشاعرنا الزيدي الثائر والحفاظ على ديوانه كما أراده هو وليس كما أردناه نحن.
التعلیقات
1- تری الباحثه أن من الظلم الذی لحق بالشاعر الهبل بعد وفاته هو حذف بعض من کلمات وابیات دیوان الهبل من قبل محقق الدیوان أحمد محمد الشامی لأن من واجبنا نحن الزیدیه ان نحافظ علی تراثنا کما هو لا أن نغیر فیه او نحذف منه بحجه انها تمس المذهب الزیدی واعتداله .
2-یذکر الجاحظ في کتابه البیان والتبیین عن الحجاج والمسائل المتعلقة به فيقول: «قال بعض الهند: جماع البلاغة البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة» (الجاحظ البیان والتبیین –– ج1 ص 49).
3- لقد اکتفى البلاغیون فقط بالإشارة للحجاج في باب "الاستدلال" في مفتاح العلوم للسکاکي ص 438 ، وباب "الاستدراج" لابن الأثیر في المثل السائر ص 68 ، وباب " الاستشهاد والاحتجاج "في الصناعتین لأبي هلال العسکری ص 470 ، وغیرهم . انظر د. علی محمد علی سلمان (کتابة الجاحظ في ضوء نظریات الحجاج "رسائله نموذجا "، ص 54) .
المصادر والمراجع
القرآن الکریم
ابن الاثیر، ضیاء الدین – المثل السائر-تحقیق محمد محیي عبد الحمید- مطبعة مصطفي البابي الحلبي-1939م
ابن جني، ابو الفتح عثمان - الخصائص– تحقیق محمد علی النجار – دار الکتب المصریة – القاهره –ط2 – 1952م
ابن عاشور،محمد الطاهر - التحریر والتنویر-مؤسسة التاریخ – بیروت ط1- 2000م
ابن المعتز، عبد الله- البدیع – تعلیق محمد عبد المنعم خفاجي – مطبعه مصطفي البابي الحلبي –القاهرة-1945م
ابن منظور، جمال الدین - لسان العرب – تعلیق علی شیری- دار احیاء التراث العربي – بیروت ط2-1992
الجاحظ، ابي عثمان عمر بن بحر - البیان والتبیین – دار الکتب العلمیة – بیروت
الجاحظ، ابي عثمان عمر بن بحر- الحیوان – تحقیق عبد السلام هارون- دار احیاء التراث العربي – بیروت ط3-1969م
الجرجاني، عبد القاهر – دلائل الإعجاز –تحقیق محمود محمد شاکر –مکتبه الخانجی – القاهرة-1984م
الحسني الصنعاني، یوسف بن یحیی– نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر-تحقیق کامل سلمان الجبوري- دار المؤرخ العربی–بیروت ط1 1999م
الدریدي، سامیه- الحجاج في الشعر العربي القدیم – عالم الکتب الحدیث- الاردن-ط4-1997م
الراغب الاصفهاني،الحسین بن محمد-المفردات في غریب القرآن- تحقیق محمد سید کیلاني- دار المعرفه –بیروت د.ط
الزبیدي، محمد مرتضی الحسیني - تاج العروس –– تحقیق عبد العلیم الطحاوی- دار الهدایه – 1968م
الزرکشي، بدر الدین- البرهان في علوم القرآن- تحقیق محمد ابو الفضل ابراهيم- دار التراث – القاهره- د.ت
الزمخشري، محمود عمر - أساس البلاغة –– دار الفکر – بیروت 1989م
الزمخشري ،محمود عمر – الکشاف عن حقائق و غوامض التتزیل – ادب الحوزه –قم 1363ه ش
الزمخشري، محمود عمر- المفصل في علم العربیة-مطبعه التقدم – مصر ط1- 1323ه
سلمان، علی محمد علی- کتابه الجاحظ في ضوء نظریات الحجاج (رسائله نموذجا )-– المؤسسة العربیة للدراسات والنشر – بیروت – ط1-2010 م
السامرائي، فاضل- الجمله العربیه والمعنی-دار ابن حزم- بیروت – ط1-2000م
السکاکي،أبی یعقوب یوسف- مفتاح العلوم – تحقیق نعیم زوزو- دار الکتب العلمیة-بیروت ط2- 1987م
السیوطي، جلال الدین- معترک الأقران – تصحیح احمد شمس الدین-دار الکتب العلمیه- بیروت-ط1-1988م
الشهري، عبد الهادي - استراتیجیات الخطاب – دار الکتاب الجدیده – بیروت – ط1-2004م
صمود حمادي ،– أهم نظریات الحجاج في التقالید الغربیة من ارسطو إلی الیوم – مجموعة من الاساتذة- جامعة الآداب والفنون – تونس –د.ت
صوله ،عبد الله -الحجاج في القران الکریم – دار الفارابي – بیروت و کلیه الآداب والفنون – تونس –ط2- 2007م
عباس، فضل حسن -البلاغه فنونها وافانینها – دار الفرقان – الاردن- ط4-1997م
عبد الرحمن، طه - في أصول الحوار وتجدید علم الکلام – المرکز الثقافي – الدار البیضاء-ط2-2000م
العلوي الیمني، یحیی بن حمزه- الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الاعجاز- تحقیق سید بن علي المرصفي -دار الکتب الخدیویه- مصر-1914م
الهَبَل، الحسن بن علی بن جابر - دیوان الهَبَل امیر شعراء إلیمن – تحقیق احمد محمد الشامي- منشورات العصر الحدیث- بیروت –ط1-1983م
المقالات
البنعلي، آمنه -الاقناع المنهج الامثل للتواصل والحوار " نماذج من القران والحدیث "– مجله التراث العربی العدد 89 السنه 23 دمشق 2003م
عیسی، عبد الحلیم- البیان الحجاجی في اعجاز القرآن الکریم (سوره الانبیاء نموذجا)-مجله التراث العربي – دمشق – العدد 102- 2006م
المحاقري، إیمان- الحجاج في سورة الأنعام – رساله ماجستیر 2009م
#إتحاد_الشعراء_والمنشدين
في الأحد 13 أغسطس-آب 2023 10:43:42 م