|
لقد عرف الإمام الحسن عليه السلام، طبيعة الداء الذي يعاني منه المجتمع المسلم، واستطاع من موقعه كقائد رسالي وإمام هداية ورشاد أن يجد الدواء لذاك الداء، الذي برز من خلال مواقف وتوجهات وأفكار وقناعات السواد الأعظم لذلك المجتمع، المجبول على الدعة والاستكانة، المدمن على الخذلان للحق وأهله، مجتمع لا سبيل للإمام في ظله إلا العدول عن قرار الاستمرار في حرب جبهة القاسطين، بقيادة رأس الظلم والبغي معاوية، ولو أن الإمام استمر في محاربة معاوية في ظل تلك الظروف المؤلمة، وبتلك القوى العسكرية المفككة المتهاونة المتخاذلة، لكانت النتيجة أن يتم استئصال ورثة الكتاب من العترة الطاهرة إلى الأبد، وذلك بقتل الحسنين معاً عليهما السلام، ويتم القضاء على كل من في قلبه ذرة من الإسلام المحمدي، وينهج نهج التشيع الأحمر، وتذهب دماء وأرواح الجميع هباءً، دون أن تترك أثراً في النفوس، ربما يكون هو دافعا لتحقيق النصر والغلبة على معاوية وبني أمية، ولو على المدى البعيد.
كيف لا ولدى معاوية أساليبه وإمكاناته وطرقه القادرة على تبرير ذلك للناس، الذين قد استطاع الجهاز الحاكم برمجة عقولهم، وقولبة عقائدهم وأفكارهم إلى الحد الذي جعلهم يضعون معاوية بمكانة مرموقة، وينظرون إليه نظرة التبجيل والتقديس والاحترام، حتى لم تعد تقوى على هز تلك المكانة له لديهم قضية تمرده وحربه ضد إمام الأئمة وسيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام، فقتله في صفين لثمانمائة بدري ورضواني، ليس إلا للمطالبة بدم عثمان، وهو كذلك من صحابة النبي، ومن الشخصيات التي نالت ثقة عمر وعثمان خليفتي المسلمين، وعليه فكل ما كان سينال الشيعة مع ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله من قتل وحرق وإبادة، لن يكون إلا شاهدا على حرص معاوية بمنظور هؤلاء المغفلين على جمع كلمة الأمة، والصلح بين الطائفتين، ودفع الفتنة، لاسيما إذا ظهر معاوية بزي شخص حسن النية، يقوم بالإمضاء على بياض، ويطلب من الإمام الحسن أن يضع ما يريد من الشروط، وهكذا بات المجتمع الخانع مطواعا بيد معاوية، يقبل كل شيء، ويستريح لأي تبرير أو تفسير لأي قضية على لسان قصر الخضراء، وإذن: لن يختار الإمام الحسن الحرب ما لم تكن وسيلة لكشف الواقع، وعاملا من العوامل المساعدة على إيقاظ الضمير الجمعي العام، وأساساً قوياً للانطلاقة صوب تحقيق الأهداف الإسلامية الكبرى.
وهو كذلك لن يختار عليه السلام التسليم بالأمر الواقع، وينزوي للعبادة والذكر، ويعتزل الحياة كلها، كون ذلك لا يتناسب مع موقعه ودوره الرسالي كإمام ووريث للنبوة والكتاب، ولن تجني الأمة بذلك الاختيار سوى الشر، وحاشاه عليه السلام القبول بذلك، إذ سيتسلم معاوية رقاب وبلاد المسلمين دون قيد أو شرط.
* نقلا عن : لا ميديا
في الإثنين 14 أغسطس-آب 2023 10:14:30 م