|
يوم أمس أعادت الإدارة الأمريكية – في بيان صدر عن الخارجية الأمريكية – تمسكها بما تصفها مفاوضات “يمنية – يمنية” بإشراف أممي، وهو أمر تضعه الإدارة الأمريكية لا كمسار يوقف الحرب بل كاشتراطات لصرف الرواتب ورفع الحصار، والأمر يتضمن تضليلا وقحا إذ أن المفاوضات “اليمنية – اليمنية” التي تطرحها الإدارة الأمريكية يعني أن تتحول المشكلة إلى مشكلة داخلية، وتربط أسباب الحرب والأزمات والمعاناة إلى مشكلة داخلية يمنية، يعني أن الحرب يمنية يمنية وليست حربا أجنبية تشترك فيها 17 دولة على رأسها أمريكا نفسها أعلنت من واشنطن وسلحت وأديرت من أمريكا أيضا، وفي الأمر ما فيه من وقاحة وصلف.
وبوضوح تريد الإدارة الأمريكية بعد تسعة أعوام من الحرب تبييض السجل الإجرامي لتحالف العدوان، وتبرئته مما فعل من جرائم ومذابح وفظاعات ومجازر وإبادات وتدمير وقصف وفتك وقتل وترويع، وبوضوح أكثر تريد أن تصبح دول تحالف العدوان – التي شنت حربا إجرامية على اليمن – إما وسطاء ومتوسطين، أو رعاة تسويات وصفقات سياسية على حساب اليمنيين، أما الحرب فتريدها يمنية يمنية، أي أن يتحمل اليمن أثمان الحرب التي شنت عليه بنفسه، وأن يتحمل اليمنيون ثمن ما فعلت بهم دول تحالف العدوان، وأن يتحمل الشعب اليمني مسؤولية ما فعلته أمريكا والسعودية والإمارات وحلف العدوان به طيلة ثمانية أعوام، وتساوم أمريكا بالقضايا الإنسانية المرتبات والحصار والأسرى وغيرها لتحقيق هذا، وتربط هذه القضايا بتحقق هذه الأهداف من جهة.
ومن جهة أخرى تريد الإدارة الأمريكية أن تحقق الأهداف التي فشلت في تحقيقها منظومة العدوان بالحرب العسكرية والحصار والتجويع، وعندما اعتبر المبعوث الأمريكي ليندر كينغ المطالب بصرف المرتبات شروطا غير مقبولة ومرفوضة ومتطرفة، وعندما اعتبر المرتبات مسألة معقدة ترتبط بالمفاوضات اليمنية اليمنية، فإنما يتضح أن أمريكا تقول للشعب اليمني بالمعلن والصريح، استسلموا واقبلوا وارضخوا لأهدافنا لنصرف رواتبكم ونرفع الحصار عنكم.
وبوضوح تفصيلي أكثر تريد الإدارة الأمريكية أن تتحول مملكة العدوان السعودية إلى وسيط بين اليمنيين، وأن تتحول أمريكا إلى راعية للمفاوضات والوساطات ودائما تنسب لنفسها ما تسميه جهود تحقيق السلام في اليمن، وتريد أن تسوق اليمنيين قسرا نحو ما تسميه مفاوضات “يمنية – يمنية”، دون مناقشة الاحتلال الأمريكي السعودي الإماراتي البريطاني في الجنوب والشرق والسواحل، وتريد أن يقفزوا على حقوقهم الإنسانية كالمرتبات ورفع الحصار، وتريدهم أن يبرئوا تحالف العدوان من الجرائم والتجويع ويقبلوا بتشكيلة سياسية تخطط الإدارة الأمريكية لفرضها على اليمن.
بالمختصر تريد أن تحقق بالسياسة ما عجزت عنه بالحرب، وهذا أمر من الأمور المستحيلات فليس الشعب اليمني قاصرا ولا قيادته قاصرة أيضا حتى ترضخ لهذا المكر الوقح.
وقد كشفت صحيفة(The Intercept) “ذا اتترسبت” الأمريكية يوم أمس حقيقة واضحة حول المساعي الأمريكية، وقالت في تحليل لها: “إن واشنطن هي من تعرقل جهود السلام في اليمن، وتدفع بشكل فعال نحو عودة الحرب، في حين يمكن أنهائها – إذا أراد بايدن ذلك».. مضيفة «إن واشنطن تستمر في طرح شروط جديدة لعرقلة المفاوضات، ومن ذلك اشتراطها نقل المفاوضات إلى الأمم المتحدة من أجل صفقة شاملة”، وأشارت إلى أن وصول وفد بقيادة المستشار الأممي إلى حضرموت ضمن توجهات أمريكية جديدة تهدف لتشكيل لجنة مشتركة خاصة بإدارة ملف النفط على غرار ليبيا، واستشهدت الصحيفة بتعليقات المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ المتشائمة حول المفاوضات، معتبرة تعليقه شفرة دبلوماسية، يُلاحظ فيها التنبؤ بـ (العديد من النكسات) والثقة بأنه (لا ينبغي أن نتوقع حلًا دائمًا)، كما اعتبرت كلامه تعبيراً عما تتمناه بلاده وتسعى إليه، من عودة «الصراع الكبير» إلى المجتمع اليمني والذي تم حل الكثير منه من خلال انتصار صنعاء في الحرب، ونقلت الصحيفة عن محللين مطلعين قولهم: إن «الخطاب الأمريكي مقلق، حيث تضع أمريكا شروطًا جديدة وتعمل على إبطاء التقدم الدبلوماسي»، معتبرين أن «الواقع الحالي يظهر أن إدارة بايدن أكثر تشددًا بشأن اليمن من نظام محمد بن سلمان الوحشي».
وبالمختصر هذه هي الإملاءات الأمريكية التي تمليها إدارة بايدن على السعودية والإمارات اللتين تعملان على تنفيذها، منظومة العدوان تستكثر على شعبنا الحصول على مرتباته وحقوقه المشروعة، وتسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال هذه القضايا وتشترط أن يقبل الشعب اليمني بها ليحصل على رواتبه، وهذا ما يجعلنا نقول بأن قطع المرتبات والحصار حرب معلنة وفاجرة، والسبيل لمواجهتها هي عمليات عسكرية تنتزع هذه الحقوق وتردع هذه المنظومة المارقة وتذكرها بأن الحرب (يمنية – أمريكية سعودية إماراتية)، ليكون التفاوض كذلك، وتكون القضايا واضحة، فهؤلاء المارقون لا يعترفون بحق مسلوب على شعب يجوع ويعاني، ولن يعترفوا إلا بالصواريخ والطائرات والحرب التي تشعل أرامكوا وأبراج الزجاج في الإمارات، والرهان على الله والتوكل عليه والنصر منه سبحانه وتعالى.
في الأربعاء 23 أغسطس-آب 2023 05:51:37 م