|
عرفنا بالأمس أن الخطر الحقيقي الذي تواجهه أي ثورة ذات مشروع نهضوي شامل هو: وجود عبدة الذات، الذين يمسخون القيم، ويلتفون على المبادئ، ويحرفون المسار، ويؤطرون كل شيء بإطارهم الضيق، ويسخرون الواقع لصالحهم. ولكن ما هو الحل كي نحد من هذا الخطر، ونتفادى آثاره الهدامة؟
يجيب على ذلك الباحثون الحركيون بالقول: لكي نقضي على عبادة الذات، ونهذب الذاتية لدى الفرد والمجتمع، لا بد من العمل على تربية الجميع تربية أخلاقية، فبالأخلاق وحدها يتم القضاء على صنم الذات هذا الذي أهلك عباده الحرث والنسل.
إن الإسلام بمفهومه الأصيل، ومنهجه الخالص لا يدعو الناس للتنكر لذواتهم وأعراقهم وأحسابهم وأوطانهم، ولكنه يرفض لأتباعه التقوقع في هذه الدوائر المحدودة، ويريد لهم في المقابل أن يكونوا واسعي الأفق، إلى الحد الذي يجعل من شخصيتهم الإسلامية شخصية متحدة مع بني الإنسان، حاملة لهمومهم وآمالهم وتطلعاتهم أينما كانوا على امتداد كل هذا العالم، ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، يقدم الإسلام الأصيل برنامجه المتكامل الذي يستطيع تهذيب أتباعه، وبناء شخصياتهم، بالقدر الذي يجعل من الشخصية المسلمة شخصية ترتفع عن كل النقائص، ذات بعد إنساني، تتعامل بلطف ورقة مع كل الناس، دون أن تتحول إلى شخصية ضعيفة، تشعر بالذلة والانسحاق أمام الطغاة والمستكبرين.
إن المؤمن الحقيقي هو الذي كلما ارتقى في درجات الإيمان شعر بانعكاس ذلك على نفسيته، ليصبح صاحب ذات واسعة بسعة العالم، شاملة لجميع موجوداته، يعمل باستمرار على تحقيق الاستقرار الاجتماعي، من خلال الجهاد لرفع الظلم، وتحقيق العدالة بمفهومها الواسع، وهي القيمة الغائية الكبرى، التي لا يكفي لفرضها في الواقع تشريع القوانين وبث القيم على المنابر والإعلام، لكون ذلك لن يسهم في تحقيق الالتزام بالعدالة، والانضباط بضوابطها، مادام الكل يفتقر لأهم الضوابط، وهو ضابط التقوى، فبهذا الضابط يتم الانضباط تلقائياً من قبل الجميع، وتصبح حياتهم مبنية على أسس ثابتة، ومعايير قيمية وأخلاقية، كل ذلك لا يمكن الدخول إليه إلا عبر بوابة التقوى، التي هي الضامن الوحيد لتحقيق الحياة الطيبة، بتوفيرها عوامل تساعد على فرض العدالة، وتسهم في بناء مجتمع يعيش الاستقرار بشكل دائم.
* نقلا عن : لا ميديا
في الأحد 27 أغسطس-آب 2023 08:43:42 م