نشأ الكيان الغاصب منذ اللحظة الأولى على الإجرام والاعتداءات واغتصاب الأرض ومصادرة الحقوق، و ممارسة الاختطاف والقتل والتعذيب ضد الشعب الفلسطيني. إن حجم الإجرام الصهيوني تجاوز كل تصور وانتهك كل المحرمات، والعنوان الأول لهذا الإجرام هو الإبادة الجماعية. فالعدو يستبيح حياة شعب ويهدر حياة أمة، ويمارس القتل الجماعي للرجال والنساء والكبار والصغار بشكل بشع.
إن ما يحدث في فلسطين ليس مجرد صراع عابر، بل هو جزء من مشروع استعماري طويل الأمد يسعى إلى محو الهوية الفلسطينية وطمس حقوق الشعب الفلسطيني. إن الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، والتي تنتهج الإبادة الجماعية والقتل الجماعي دينا وعقيدة، هي تجسيد لمغازيه الاستيطانية وتحقيق السيطرة الكاملة على الأرض وتهجير الإنسان وإبادته لتحقيق أسطورته الإسرائيلية الكاذبة فيما يسميه بـ” أرض الميعاد”.
تتجلى هذه المغازي الاستيطانية في السياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى خنق المجتمع الفلسطيني وإضعافه، من خلال تدمير المنازل والمزارع، وفرض الحصار الاقتصادي، واستخدام القوة العسكرية المفرطة. هذه السياسات تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وإحلال مستوطنين جدد مكانهم، في محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة.
هذه الأهداف الاستيطانية ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من خطة ممنهجة تهدف إلى تحقيق الهيمنة والسيطرة الكاملة على المنطقة. إن الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، من قتل وتهجير قسري وتدمير للبنية التحتية، ليست سوى أدوات لغايات شيطانية.
أرقام مفزعة
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة نشر، الثلاثاء، تحديثًا لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة على مدى 325 يوما، موضحًا أن العدو ارتكب 3,524 مجزرة راح ضحيتها 40,435 شهيدًا و10,000 مفقود. بلغ الشهداء من الأطفال 16,589 شهيدًا، بينهم 115 طفلًا رضيعًا وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية.
أدت المعاناة الكبيرة من التجويع والحصار إلى وفيات من الجوع، وأكثر هذه الوفيات من الأطفال. فقد أكد المكتب الحكومي استشهاد 36 طفلًا نتيجة المجاعة، مشيرًا إلى أن 3,500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء، وأن 17 ألف طفل يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما. كما بلغ عدد الشهداء من النساء 11,207 شهيدة.
وأكد المكتب الإعلامي في غزة استشهاد 82 من أفراد الدفاع المدني و170 من الصحفيين، مضيفًا أن العدو أقام 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات، حيث تم انتشال 520 شهيدًا من هذه المقابر.
هؤلاء ليسوا مجرد أرقامٍ تَعْبُر على مسامع الناس، بل هي أرواح تُزهق وحياة تُهدر، ومعاناة شعب يُباد. هذه الأرقام الهائلة، التي معظم الشهداء فيها من الأطفال والنساء، هي عارٌ على عالم يدَّعي التحضر ويتغنى بالحقوق، وفضيحةٌ لما يسمى بالمجتمع الدولي.
محطة ما قبل الموت
وكعادتها، تقتصر الأمم المتحدة على إصدار التقارير دون اتخاذ أي موقف، فقد أصدرت، السبت الفائت، تقريرا أوضحت فيه أنّ نحو 15 ألفاً من أطفال غزة مصابون بسوء التغذية الحاد، وذلك بعد فحص نحو 240 ألفاً من هؤلاء الفلسطينيين الصغار في القطاع، منذ بداية العام الجاري.
وأوضح التقرير، الذي نشرته صفحة “أخبار الأمم المتحدة” أنّ الفحوص شملت أطفالاً تتراوح أعمارهم ما بين ستّة أشهر وخمسة أعوام في قطاع غزة المحاصر، موضحة أن من بين أطفال غزة هؤلاء البالغ عددهم نحو 14 ألفاً و750 طفلاً بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، ثمّة 3288 طفلاً مصاباً بسوء التغذية الحاد الوخيم.
ونقلت “أخبار الأمم المتحدة” عن مدير “مستشفى كمال عدوان” حسام أبو صفية قوله “حتى هذه اللحظة، أحصينا ما يقارب خمسة آلاف طفل” يعانون سوء التغذية.
وحذّر من أنّ توافد أطفال غزة المصابين بسوء تغذية حاد، مع مضاعفاته، يعني أنّ هذه “محطة، لا سمح الله، ما قبل الموت”.
وأضاف أبو صفية منبهاً إلى التأثير المستقبلي لسوء التغذية على الأطفال: “أغلب الحالات تأتي بأعراض متقدمة ومتأخرة وبالتالي يحتاج الأمر لأن يؤخذ على محمل الجد وأن يتم إدخال كل ما هو مطلوب من الأدوية والأطعمة والحليب العلاجي الخاص بهذه الحالات”.
في سياق متصل، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير أخير أصدره الجمعة الماضية، بأنّ عدد أطفال غزة الذين شُخّصوا بسوء التغذية الحاد في شمال القطاع في يوليو الماضي أتى أعلى بأربع مرّات ممّا كان عليه في مايو الماضي.
في حين تضاعف العدد في الجنوب بأكثر من الضعف. وبيّن المكتب الأممي أنّ 1% فقط من أطفال غزة في الشمال و6% فقط في الجنوب تمكّنوا من الحصول على التنوّع الغذائي الموصى به.
معاناة الجرحى
أمَّا على مستوى الوضع الصحي، يعيش القطاع حالة انهيار كلي، ويشمل المنظومة الصحية بكاملها ، الشهداء من الكوادر الصحية بلغ (885) شهيدا ، الأسرى منهم (310) ، المنشآت الصحية مدمرة، القليل من المستشفيات المتبقية تعاني من مشكلة الحصول على الوقود من أجل الكهرباء، وتزدحم جدّاً بالجرحى والمرضى، ولا تمتلك الأدوية الكافية، الإحصائيات في تقرير مكتب غزة تشير إلى وجود (93,534) جريحاً ومُصاباً، (69%) من الضَّحايا هم من الأطفال والنساء، (12,000) جريح بحاجة للسفر للعلاج في الخارج، أما الاستهداف للبنى التحتية فهناك (34) مستشفى و(80) مركزا صحيا أخرجها العدو عن الخدمة، كما استهدف العدو (162) مؤسسة صحية و(131) سيارة إسعاف و(177) مركزاً للإيواء.
على مستوى المرضى، يعاني أكثر من (1,737,524) مصابا بالأمراض المعدية، في أوساط النازحين، إضافة إلى الأمراض الأخرى الموجودة (10,000) مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج و(3,000) مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج في الخارج و (71,338) حالة عدوى التهابات كبد وبائي بسبب النزوح و (60,000) سيدة حامل تقريبا مُعرَّضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية و (350,000) مريض مزمن في خطر بسبب منع إدخال الأدوية كل هؤلاء يعانون معاناة شديدة جدّاً ولا تتوفر لهم الأدوية، فهناك انعدم للأدوية بشكل كبير جدّاً، ومعاناة رهيبة جدّاً، والعالم يتفرج!.
كذبة المناطق الآمنة
وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إن جيش العدو الإسرائيلي يواصل ارتكاب أفظع الجرائم ضد المدنيين في قطاع غزة، والتي منها جريمة التهجير القسري والنزوح الإجباري لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني مدني، موضحا أن العدو أجبر الأهالي على النزوح الإجباري ومغادرة منازلهم ومناطق سكنهم تحت تهديد القتل والقصف والسلاح المحرم دولياً، والتي تعد جريمة ضد الإنسانية؛ وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العدو الإسرائيلي يُمعن بشكل مقصود ووفق خطة مرتبة بخنق المدنيين وخنق المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة في مساحة ضيقة جداً، لا تتجاوز عُشر مساحة قطاع غزة.
واستعرض المكتب الحكومي التسلسل الإرهابي الإجرامي الذي سار فيه جيش العدو الإسرائيلي وفق خطته الرامية لخنق 1,700,000 مواطن فلسطيني مدني جنوب وادي غزة في مساحة لا تزيد عن عُشر مساحة قطاع غزة، وذلك على النحو التالي:
– في مطلع نوفمبر 2023 زعم العدو أن المنطقة الجنوبية مساحة إنسانية آمنة بلغ مساحتها 230 كم مربع، وكانت توازي 63% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وتشمل أراضي زراعية وخدماتية وتجارية واقتصادية وطرقات وشوارع.
– في مطلع ديسمبر 2023 قلص العدو “المناطق الآمنة” بعد اجتياح خان يونس لتصل إلى 140 كم مربع بما نسبته 38,3% من قطاع غزة.
– في مطلع مايو 2024 قلّص العدو “المنطقة الآمنة” إلى 79 كم مربع بما نسبته 20% من إجمالي مساحة قطاع غزة.
– في منتصف يونيو 2024 قلص العدو “المنطقة الآمنة” إلى 60 كم مربع، بما نسبته 16,4% من إجمالي مساحة قطاع غزة.
– في منتصف يوليو 2024 قلص العدو” المنطقة الآمنة” إلى 48 كم مربع، ما نسبته 13,15% من إجمالي مساحة قطاع غزة.
– في مطلع أغسطس 2024 قلص العدو “المنطقة الآمنة” إلى 40 كم مربع، بما نسبته 10,9% من إجمالي مساحة قطاع غزة.
– ما بعد منتصف أغسطس قلص العدو “المنطقة الآمنة” إلى 36 كم مربع، بما نسبته 9,5% من إجمالي مساحة قطاع غزة.
60% من غزة بلا مياه
وكشف الإعلام الحكومي في غزة أن 60% من مساحة المدينة تعاني من نقص حاد في المياه بسبب تدمير العدو الإسرائيلي لـ 700 بئر مياه وإخراجها عن الخدمة. وأكدت بلدية غزة أن تدمير مرافق المياه ومحطة التحلية، بالإضافة إلى نقص الطاقة الكهربائية، أدى إلى حرمان جزء كبير من المدينة من المياه.
وأوضحت البلدية أن كميات المياه التي يتم ضخها شحيحة جدًا بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل الآبار، مما أثر بشكل كبير على مناطق شمال وجنوب غرب غزة. حاليًا، تغطي المياه المتوفرة نحو 40% فقط من المساحة الإجمالية للمدينة، بينما تعاني باقي المناطق من نقص حاد بسبب الدمار الواسع الذي لحق بشبكات وآبار المياه ومحطة التحلية، بالإضافة إلى تدمير شبكات الكهرباء اللازمة لتشغيل الآبار وعدم وجود مصادر مياه بديلة في بعض المناطق.
تقدر الكمية المتوفرة حاليًا بنحو 25 ألف كوب يوميًا، منها 20 ألف كوب تأتي من خط مياه ميكروت الذي يغذي المدينة من الداخل، بينما يتم إنتاج الكمية المتبقية، والمقدرة بنحو 5 آلاف كوب يوميًا، عبر تشغيل نحو 20 بئرًا لساعات محدودة جدًا وفق ما يتوفر للبلدية من وقود.
وأفادت البلدية بأن حرب الإبادة التي يشنها العدو على قطاع غزة دمرت 90 ألف متر طولي من شبكات المياه و62 بئرًا بأحجام مختلفة، مما تسبب بأزمة عطش حادة وكبيرة في عدة مناطق من مدينة غزة.
أطلال وحطام
خلال أكثر من 324 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي تشنها سلطات العدو الإسرائيلي بآلتها التدميرية، تم اعتقال 5 آلاف مواطن من غزة، بينهم 36 صحفيًا معروفًا. هذه الاستراتيجية الإجرامية أجبرت أكثر من 2 مليون مواطن غزاوي على النزوح، مخلفة وراءها دمارًا هائلًا: 199 مقرًا حكوميًا، و122 مدرسة وجامعة دُمرت كليًا، و334 مدرسة وجامعة تعرضت لتدمير جزئي.
في جريمة حرب ضد المدنيين العزل في غزة، أعدمت سلطات العدو 110 من العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين. لم تراعِ جرائم العدوان الصهيوني حرمة المقدسات، حيث دمرت 610 مساجد كليًا و214 مسجدًا جزئيًا، بالإضافة إلى 3 كنائس. كما تعرض 150 ألف مسكن مدني لأبشع عمليات القصف، حيث هُدمت على رؤوس ساكنيها بشكل كلي، دون أي اعتبار لحقوق المدنيين، وأصبحت 80 ألف مسكن غير قابلة للسكن، و200 ألف وحدة سكنية تعرضت لتدمير جزئي.
ألقت قوات العدو 82 ألف طن من المتفجرات، مما حول غزة إلى حطام وأطلال. دُمرت 206 مواقع أثرية وتراثية، بالإضافة إلى 3,130 كم من شبكات الكهرباء و34 منشأة رياضية. وبلغت الخسائر المباشرة لحرب الإبادة الجماعية التي نفذها الكيان الصهيوني في غزة 33 مليار دولار حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
50 مليون طن من الركام الملوث ببقايا قنابل محرمة دوليا في غزة
و كشفت معطيات متخصصة عن أن حجم الركام الذي تعانيه غزة، بسبب العدوان الإسرائيلي عليها منذ نحو 11 شهرا، يشكل تحديا بيئيا واقتصاديا غير مسبوق، منذ الحرب العالمية الثانية.
وقارن المتخصص في علوم الأرض والبيئة، المهندس سمير العفيفي، بين العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، وبين العدوان الحالي، قائلا “لو أخذنا بعض الأرقام المتاحة في المقارنة عام ٢٠٢١ كان إجمالي حجم الركام المتجمع حوالي ٣٧٠ ألف طن، أما في هذه الحرب، فنحن نتكلم عن ٤٠ إلى ٥٠ مليون طن من الركام”.
وجاءت تصريحات العفيفي، خلال مداخلة له الأحد، في جلسة ضمن فعاليات “هاكاثون أدوات الإعمار في غزة” الذي انطلقت أعماله السبت في مدينة إسطنبول التركية، بتنظيم من منصة “بدار للريادة المجتمعية”، إحدى المنصات التابعة لـ “مؤسسة منار للمشاركة المجتمعية”، بالشراكة مع “الهيئة العربية الدولية للإعمار في فلسطين”.
وأوضح أنه “استنادا لهذه الأرقام، فنحن نحتاج إلى سبعمئة مليون دولار، هذا فقط لإزالة الركام، وهو ليس بالأمر السهل، وحتى لو وُجد لدينا الآليات، وهي غير موجودة بطبيعة الحال، فلن نبدأ بإزالة الركام مباشرة مع وجود الكثير من القنابل غير المتفجرة في المباني وبين الركام، وهذه تشكل خطرا كبيرا”.
وكشف العفيفي عن أن التحدي ليس في كمية الركام فقط “بل في أنه ملوث نتيجة استخدام القنابل القذرة كقنابل دايم واليورانيوم والفسفور وغيرها”، مشيرا إلى أن غزة تخلو أساسا من مكبات خاصة للمخلفات الخطرة.
وقال إن “هناك أربع خطوات مهمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بعد انتهاء العدوان على غزة، تتمثل في المسح الميداني للكشف عن كمية النفايات، وتنظيم عملية الهدم نفسها فهناك مباني دمرت بشكل جزئي بحاجة إلى جرفها، وتنظيم أماكن لتخزين النفايات، وأخيرا المعالجة النهائية باستخدام أو التخلص من الركام”.