كيف ليد شلّتها الحسرة أن تكتب حسرتها !
كيف لحلق ملأته اللوعة أن ينطق لوعته !
كيف لقلب أحرقته نيران الفقد أن يهتدي لماء البكاء كي يزيح ألم فجيعته؟
هكذا توقفت اليد عن كتابة بعض من ألمها .. وغص الحلق وأخرسته لوعته أما القلب ففيه ما لا تصل إليه العبارة أو تؤديه المجازات ..
ولولا واجب التعبير الشخصي والجماعي عن فاجعة رحيل الأخ الأنبل والشاعر الأجمل والإعلامي الأصدق والسياسي الأنزه الأستاذ محمد يحيى المنصور لتوارى بيان الجبهةالثقافية لمواجهة العدوان إلى أجل غير مسمى ، ذلك أن هذه الجبهة فقدت أحد أركانها وابتليت بخسارة رجل له من الثقافة والأدب والحس الوطني والنبل الإنساني والعقل السياسي والشجاعة اليمانية ما يجعل رحيله خسارة فادحة لهذه الجبهة ولكل ما تنحاز إليه وللوطن الذي يعرف أنه برحيل الأستاذ محمد المنصور فقد عاشقا له من الطراز الإستثنائي.
إننا في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان ننعي بكل حزن وبفائض وجع هذا الرحيل لفقيدنا الذي خاض معركته مع الموت دون أن تكون متكافئة ،فقد جهز الموت سرطانه على جسد خفيف نحيل لا سلاح له سوى الحب الذي غمر الوطن في سنوات العدوان والنبل الذي ظل صامدا أمام كل جحود ونكران .
كم نشفق عليك أيها الموت فقد خسرت المعركة إذ تبينت خستك وجبنك أمام نبل شاعرنا وشجاعته ضرب الأستاذ محمد المنصور مثالا نادرا في شجاعة مواجهة الموت ورفض تسوّل حياة عبر الإنحناء لحصار العدوان، وقرر باكرا الحياة مع البسطاء والموت لأجلهم ومعهم فرفض السفر للعلاج إلا عبر مطار صنعاء في اتساق نادر بين صدق ما طرحه طيلة حياته وما فعله حتى آخر لحظة كبرياء أذلت الموت وحجّمت قدرته على النيل من فقيدنا الغالي.
رحم الله الأستاذ محمد يحيى المنصور الذي أعطانا دون أن يتعمّد دروسا في الحب للوطن والصدق مع الكلمة وبها والشجاعة التي تتجاوز نفسها والنزاهة والوفاء والتواضع والإباء وسواها من دروس نستقيها من "سيرة الأشياء" التي دوّنها شعرا ودوّنها فعلا ونجدها مبثوثة في حياته كما في مماته.
صادر عن الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان
صنعاء 22 نوفمبر 2020