في كنف «أبو جبريل» لا في كنف «أبو العباس».. برزخ ويبغيان
صلاح الدكّاك
صلاح الدكّاك

ليس لدينا في جغرافيا السيادة الوطنية ما نخشى مقاربته في الضوء وبصوت مسموع، جنائياً كان أم فساداً حكومياً أم شأناً سياسياً وثيق الصلة بالفضاء العام والشارع الشعبي.

التجاوزات في جغرافيا السيادة الوطنية هي الطارئ والنشاز والشذوذ، في حين أن الاستقرار والتعايش والأمن وسلامة التوجه الوطني هو القاعدة والثابت والأصل والمشروع، بالبراهين المادية الملموسة، لا هذراً ولا دعوى بلا أسانيد، ولا انطلاقاً من بروبجندا دعائية فارغة...

على النقيض من ذلك فإن الأصل والثابت في الجغرافيا المحتلة هو الفوضى والجريمة والاختلالات وفقدان الأمن والتصفيات الفئوية والهوياتية المناطقية والطائفية. والمحظوظ في الجغرافيا المحكومة بمشروع الاحتلال، هو من أمهلته فرّامات الفوضى الممنهجة لساعات وأيام تَسَلِّياً منها بإرجاء حتف الطريدة لا تجاوزاً عنها. «فافرح بأقصى ما استطعت من الحياة لأن موتاً طائشاً ضل الطريق إليك من فرط الزحام وأجَّلكْ» بتعبير درويش.

إزاء هاتين الحقيقتين الجليتين الناظمتين لحياة مجتمعنا اليمني في كلا النطاقين السوي والسقيم، يتبدى إعلام تحالف العدوان مضحكاً ومثيراً للهزء والسخرية حين يحاول أن يصطاد في التجاوزات الطارئة ضمن جغرافيا السيادة الوطنية. فالأبرص المجذوم لا يملك ترف تصويب سبابته معيِّراً صاحب الأديم الناصع ببقعة وسخ لطخت بها ريح المؤامرات وتركة الكساح جلده، لأنه بذلك يلفت الأنظار صوب اهتراء جلده هو، لا صوب تشير سبابته الشامتة بلا منطق.

في ظهيرة تعز المحتلة جرت تصفية أحد كبار المرتزقة داخل اللواء العسكري الذي يتولى قيادته. ومن لحظة التصفية الفاضحة إلى اللحظة الراهنة يطوف قطعان الأغبياء بدمه في أزقة «التربة» و»الشمايتين» و»المعافر» تسولاً لحقيقة واضحة بلا لبس وقصاص مستحيل. وأمس قبل الأول طوت ما تسمى «لجنة التحقيق في الواقعة» سجلاتها البيضاء ورحلوا بالمتهمين إلى «عدن»، حيث لا ينغص عليهم عيشهم صخبُ القطعان الغبية العاجزة عن الطواف أبعد من زنزانة مناطقية رفعت هي بأيديها وحناجرها أسوارها وأطلقت عليها اسم «جمهورية تعز المستقلة» وسلمت مفتاح الزنزانة لتحالف الاحتلال الأجنبي، ولم تحتفظ لنفسها بنسخة احتياطية، ثقةً منها بالمحتل واستكباراً على إخوة التراب، وجوراً فاحشاً في حقهم، بلا جريرة سوى وضاعة النفس وقزامة الرؤية وشهوة الارتزاق في سوق البترودولار.

وأما عدن المحتلة، حيث الاغتيالات والسطو على الخاص والعام وانتهاك الحرمات والأعراض وتغطيس المجتمع في مستنقع المخدرات والإتجار بالأعضاء طوعاً وكرهاً وتقطيع أوصال المدينة بسواطير خلطة عصابات مقتتلة في كنف العمالة لتحالف الاحتلال... أما عدن الموسدة لهذا التسونامي العاتي من الفحش والجريمة والفوضى فإن اتخاذ تربتها منصة لقصف صنعاء بالشائعات هو أمر أشبه بمحاولة بعوض اصطياد حوت في محيط لُجّي بشعيرة مِحْقَنِه المجهري طافياً على سطح مستنقع... مشهد يثير الشفقة ممزوجةً بالهزء إزاء كاريكاتوريته الفاضحة.

وبالرغم من كل ذلك فإن سيل افتراءات وفبركات العدوان واصطياد إعلامه في التجاوزات التي تقع في بيئة السيادة الوطنية النظيفة بالمجمل، هو فرصة مرتدة وينبغي تحويل مجرى هذا السيل ليجرف معه ما تبقى من عفن وأيادٍ ملوثة في صنعاء، فنحن نحيا تحت سماء ثورة 21 أيلول لا تحت أحذية تحالف شذاذ الآفاق ولا ريب أن التجاوز العابر هو جلل بالقياس إلى عقد الآمال التي يعلقها الشعب على ثورته وقيادتها، في حين أن خراب المشهد بالجملة في الجغرافيا المحتلة هو نتاج طبيعي لمشروع التحالف وليس مما يجعلنا نتكئ عليه لنبرر جموح بعض العابثين في صنعاء بالفضاء العام.

نحن في كنف «أبو جبريل» لا في كنف «أبو العباس». و»لا يضركم من ضل إذا اهتديتم». فبنقد الذات في العلن وفي الهواء الطلق ننتصر لا بمواراة الأوساخ تحت السَّجادة. فالقاعدة؛ لدينا، تتلخص في أن هوان البعض هو هوانٌ للكل واسترخاص الفرد الواحد هو تفريط في الجميع.


* نقلا عن لا ميديا


في الثلاثاء 24 ديسمبر-كانون الأول 2019 12:40:38 ص

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=2085