ألم الفراق
د.أسماء الشهاري
د.أسماء الشهاري


في تلك الزنزانة المظلمة و مع كل تلك المعاملة المتجردة من الإنسانية .. كانت يد العناية الإلهية تمتد نحوي لتمسح همي و حزني و تغسل أوجاع قلبي.. كما أن تلك الابتسامة كانت تمدني بطاقة إيمانية هائلة.. و راحة نفسية عميقة.. نعم ذاك هو أحمد صاحبي في الأسر و الزنزانة.. لقد عرفته مؤمنا قوياً و مجاهداً عظيماً لطالما طربت أذناي بالاستماع إليه و إلى قصصه المشوقة..

صديقي أحمد لم يكن مجاهداً عادياً فعلى الرغم من الأمراض التي كان يعانيها لكنها لم تمنعه من الجهاد في سبيل الله و الدفاع عن حياض الوطن الغالي.. كان أحمد مصاباً بتشنجات عصبية و فوق ذلك فقد كان أعرجاً بسبب حادث أصابه في صغره.. لكن عزيمته و إيمانه كانت تقهر كل تلك الآلام.. و تمنع أحمد المجاهد البطل من التقاعس أو الاستسلام..

كنت أتحدث مع أحمد طويلاً، لكن حديثه لم يكن يخلوا أبداً من ذكر أعز أصدقائه الذين فقدهم في إحدى المواجهات يوم وقع هو أسيراً.. و الذي كان قلبه يعتصر ألماً كل ما تذكر فراقه.. فقد كان له نعم الأخ و الصديق و قد رافقه في كثير من المواقع.. كم تمنيت لو أني عرفت ذلك الصديق العزيز لأحمد الذي لم يكن ينساه في أي حديث.. أثناء جلوسنا.. أو تناولنا للطعام أو حتى أثناء تكبدنا للمعاناة و الآلام.

 من كلام أحمد عن صديقه أيقنت أنه كان يحبه بشده.. و لطالما حاولت التخفيف عنه في مصابه بأعز أصدقائه.. لكن عبثاً كنت أحاول.. فلم يتغير ألم الفراق مع تعاقب الليالي و الأيام..

في إحدى المعارك الضارية أصابت رصاصة صدر صديق أحمد العزيز لتستقر في قلبه و ليقف هو عاجزا عن أن يقدم له شيئاً و قد ارتقى إلى خالقه شهيداً عزيزاً.. سوى من دموعه المنهمرة و قلبه الذي كان يتقطع ألماً.. صرخ أحمد بأعلى صوته صرخته المدوية.. لكن كثافة القصف لم تمكنه من الابتعاد كثيراً ليجد نفسه قد وقع أسيراً بيد من قد جندوا أنفسهم للشيطان و لمحاربة الإيمان.

و لكن على ما يبدو مثل ما يتجرع صديقي أحمد مرارة ألم الفراق سأتجرعه أنا أيضاً.. فقد تم اختيار اسمي أنا و عدد آخر من الأسرى الذين سيدخلونهم إلى زنزانتنا قبل عملية تبادل الأسرى.. لكن اسم صديقي الغالي لم يكن من ضمن الأسماء.. لذلك فإن فرحتي منغصة لم تكتمل ولا يزال عدد من أخوتي في سجون العدو حتى يتم الإفراج عنهم جميعاً.

لكن هذه المرة.. ماذا دهى صديقي المجاهد البطل أحمد؟

لقد تجمّد في مكانه و اتسعت حدقتا عينيه و ها هو العرق يتصبب من جبينه و هو في حالة ذهولٍ تام... يا إلهي ساعدني يبدو أنها نوبة عصبية جديدة!

لكن لماذا؟ لماذا أحد الأسرى الذين تم إدخالهم للتو من باب الزنزانة قد بدت عليه نفس العلامات التي بدت على أحمد؟

بخطوات بطيئة و الدموع تسيل بغزارة اتجه ذلك الأسير إلى أحمد و تعانقا عناقاً طويلاً و هما يبكيان بشدة.

لا أزال في ذهول.. ترى من يكون هذا الأسير؟

لم أصدق حين عرفت أن الأسير الجديد إنما هو ذلك الشهيد العزيز. كأنَّ الله قد اطلع على قلب أحمد الذي كاد يزيغ من فرط الشوق إليه فبث الله فيه الحياة و الروح من جديد!

عرفنا فيما بعد أن الرصاصة كانت قد استقرت في القفص الصدري لكنها لم تصل إلى القلب.. و أن صديق أحمد كان مغمى عليه حين قامت قوى الشر بأسره و عالجوه علاجاً جزئياً فقط ليكتسبوه أسيراً لديهم.

جاء وقت تبادل الأسرى.. خرجت أنا و الشهيد الحي.. و لا يزال أحمد يقبع في زنزانة العدو... و لا يزال قلبي يهفو لرؤيته كل يوم.


في السبت 20 أغسطس-آب 2016 08:29:21 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=212