التفاوض والتحاور ..بين دلالة المصطلحين واستخدامهما وفقاً للمعايير السياسية
وليد الحسام
وليد الحسام


   كَثُرَ خلال الآونة الأخيرة استخدام هذين المصطلحين (التفاوض، التحاور) في الخطاب السياسي ؛ ربما بسبب الحاجة المُلّحِة لهما في المراحل السياسية الحالية وضرورة تحقيق الفعلين (تفاوض، وتحاور) من أجل تحقيق أهدافٍ تفضي إلى الخروج من صراعٍ لم يتم حسمه .

  هناكَ مَنْ يعتقد أنهما يحملان بُعْداً دلالياً واحداً ؛ لذلك فإنه إمّا أن يتخبط في استخدامهما دون أن يضع في اعتباره مراعاة استخدامهما بما يتناسب مع واقع المواقف ومجرياتها، أو أن يستخدم هاتين المفردتين توصيفاً للموقف أو المحادثات ذاتها رغم اختلاف مضامينها ونوعيتها.

   (تفَاوَضََ ، تَحَاوَرَ) من الأفعال الدالة على المشاركة ؛ بمعنى أن حدوثهما لايتم إلّا بأكثر من طرفٍ، وهما يختلفان عن بعضهما كثيراً من حيث الدلالة ومن حيث حضورهما متسقين في الخطاب _خاصةً الخطاب السياسي_ مع نوعية المراحل أوالمواقف السياسية التي تُوصف بهما ، وسأحاول هنا إيضاح دلالاتهما بشيء من الإيحاءات الواقعية كما يلي:

أولاً/ التفاوض هو محادثاتٌ ثنائية غالباً،، ثلاثية نادراً ؛ أيّ أن التفاوض يكون بين طرفين متصارعين (كدولتين أو إقليمين) في قضيةٍ واحدة أو ملفٍ محدد ، وتنتهي مجريات المحادثات تحت هذه الدلالة بحسم الصراع وإبرام اتفاقات تاريخية تُعيدُ الحق لصاحبه في سبيل إزالة أخطار متوقعة، ومايحدث اليوم في الكويت من مفاوضات بين اليمنيين كطرف والمرتزقة الذين يعبرون عن النظام السعودي وتحالفاته كطرف آخر إنّما هي إنموذج للتفاوض بتوصيفه المحدود، والمفاوضات تخضع بالتأكيد إلى تنازلات بما لايسقط حقاً أو مظلومية، ومن مثل تلك التنازلات التزام العملاء الخونة والفارين من وجه العدالة بعدم العودة إلى الوطن.

ثانياً/التحاور هو مشاورات من شأنها التقارب بين أطراف متعددة (ثلاثة أطراف فأكثر) مُصَنَّفة كمكونات وأحزاب سياسية داخل البلد الواحد وغالبا ما يحكمها دستورٌ واحد حيث تتوافق تلك الأطراف على حلول سياسية أو غيرها مناسبة ومُرْضية للجميع، ويأتي ذلك التوافق كنتيجة لمخرجات نقاشات وتشاورات طُرحت على طاولة واحدة من أجل حلحلة عدد من القضايا العالقة والمُزمنة ، ومن أبرز أشكال الحوار اتفاقات الأطراف والمكونات السياسية على رسم هيئة وشكل الحكم أو الدولة وفقاً للاعتبارات القياسية (الحجم) والمنهجية لكل طرف، كأنْ يُبْنَى الاتفاق على الحكم بالشراكة التعددية أو الحضور السياسي المتعدد في إدارة الدولة وصناعة القرار ، ويُعد الحوار الوطني الذي جمع المكونات السياسية اليمنية عقب أحداث العام 2011م إنموذجاً للتحاور أو الحوار .

  إذن .. يجب على السياسيين استخدام هذين المصطلحين في خطاباتهم وتصريحاتهم السياسية بحذرٍ بما تتناسب فيه دلالة المفهوم مع حقيقة واقع المحادثات ونوعيتها دون الوقوع في التخبّط بين العشوائية وتمويه الواقع .


في الأربعاء 11 مايو 2016 11:46:23 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=89