جرت العادة ان تحمل إلينا المناسبات الوطنية خطابات الرؤساء بمختلف توجهاتهم واختلاف شخصياتهم وثقافاتهم ولكن كانت السنوات الاربع الأخيرة حافلة بخطابات قوية شكلا ومضمونا ومنها خطابات الرئيس مهدي المشاط والتي كان اخرها اقواها وابلغها وللأسف الشديد كاد ان يمر علينا دون الحديث عنه لسبب لانتحرج من ذكره ولن يتضايق هو من معرفته وذلك اننا مازلنا مبهورين بخطابات الرئيس الشهيد صالح الصماد ومشدودين بقوة إلى شخصيته الاستثنائية وقدراته الفردية المتميزة والفريدة.
جاء خطاب الرئيس المشاط الاخير بمناسبة ذكرى ثورة ال14 من اكتوبر متسلسلا بمنطقية وبإنسيابة سلسة لرسائله الداخلية والخارجية فكانت محددة الاهداف واضحة المقاصد مفعمة بروح الصمود والإباء والثقة بالنصر والالتزام بالتواضع داعية للسلام ورافضة للاستسلام تدعو الأشقاء الاعداء للعودة إلى رشدهم وتحذر الاخوة الألداء من مغبة استمرار عدوانهم وتعنتهم وتحثهم على التحلي بالشجاعة والقبول بماحصدوه من الخسارة باعتباره قدرا كافيا ومازاد عنه لن تحمد عقباه.
اطلق المشاط من خلال خطابه مبادرة شجاعة وعقلانية ومتزنه ومشروطه بشروط منطقية وواقعية فضربت في مقتل ازدواجية المعايير التي عبثت بالأمة والعالم وخسفت بالقاعدة السياسية المتعارف عليها بان عدو العدو صديق وأعلن ان عدو الأمة كلها هي أمريكا ومن معها من قوى الاستكبار العالمي وأننا سنقف في صف كل من يواجهها حتى ولو كانوا اعداء شريطة وقوفهم للمواجهة وكفهم لعدوانهم عنا وكذلك أثبتت المبادرة أن دفاعنا والتزامنا بالذود عن المقدسات لايخضع للمصالح السياسية او المتغيرات الدولية فلن نسمح لأمريكا أن تدنس المقدسات الإسلامية في السعودية حتى ولوكان ذلك سيؤدي إلى سقوط آل سعود وزوالهم.
لذلك كانت هذه المبادرة وما وجدته من ردود فعل داخلية غير متفهمة وغير مدركة لأبعادها ومضامينها هو مادفعني للكتابة عن هذا الخطاب السياسي البارع إعدادا و توقيتا والموفق في كل ما تضمنه واحتواه ولولا أنه لا يليق بنا المقارنة بين خطابات رؤسائنا وخطابات من سبقهم ومن يدعي الشرعية اليوم لكان من المعيب والمخزي والمخجل ان نسمع ناقدا او ساخرا او متحاملا على خطاب المشاط فيكفي لهؤلاء أن يذكروا من لم يستطع التفريق بين لم ولن وان يشاهدوا من يخطب فاقدا للوعي ليدركوا الفارق الكبير والبون الشاسع.