القطاع الزراعي
القطاع الزراعي في اليمن من أكثر القطاعات الانتاجية حيوية وديناميكية في اليمن ويتجه إليه نسبة كبيرة من السكان، وتنمية هذا القطاع لا تتطلب أموالاً إضافية وموازنات خيالية، بل تتطلب توظيفاً حقيقياً للإمكانات، وتحقيقاً حيوياً للشراكة في معناها الفلسفي العام، بحيث تنشأ جمعيات زراعية منتخبة في كل إطار جغرافي زراعي تدعمه الدولة بالمباني والمرشد الزراعي وبالآليات الحديثة التي تحد من تكاليف الانتاج الباهظة، وكل جمعية معنية بالتحديث وتجويد الانتاج والتسويق والتعليب والتغليف والتصنيع وبحيث يكون الفلاح – عضو الجمعية العمومية – معنياً ومساهماً في كل حركات الانتاج وفق أسس ونظم الشركات المساهمة، وحين يصبح الفلاح جزءاً مفصلياً ووجودياً في حركة الانتاج تنشط الطاقات الانتاجية التنافسية، وتتحسن شروط الجودة، وحين يصبح المنتج وفق أسس ومتطلبات ومقاييس الجودة يفرض سوقه ولا يبحث عنه.
1 – الثروة الحيوانية:-
هذا القطاع من القطاعات المهمة في اليمن ولكن الملاحظ أن السياسات العامة لليمن لم توله الاهتمام، لذلك فهي تستورد اللحوم والأجبان من الخارج، ولم تصل يد المستثمر والاستثمار والتحديث إلى الثروة الحيوانية وتنميتها، وبما يحقق الاكتفاء الذاتي، وإحداث الانتقال من مراتب الاستهلاك إلى مراتب الإنتاج وفق آليات وأساليب ونظم المزارع النموذجية الحديثة لا يتطلب إلا نوجهاً رسمياً ودعماً وتوظيفاً حقيقياً لرأس المال الذي يستورد السلعة بحيث يتحول من بند الاستهلاك إلى بند الانتاج.
2 – الثروة السمكية:-
الثروة السمكية ثروة مهدرة في اليمن وقد تعرضت للنهب والتدمير وهي بحاجة إلى إعادة ترتيب أسسها وفق أسس ومبادئ الشراكة الوطنية وبحيث يصبح الصياد جزءاً من المنظومة الانتاجية والتسويقية وليس فرداً مستغلاً، وتحديث نظم وآليات الصنعة في المجال البحري وبما يحقق لفئة الصيادين الرفاه والأمن النفسي والاجتماعي.
القطاع الصناعي
القطاع الاقتصادي الصناعي في اليمن ظل بعيداً عن حركة التطوير والمنهاج العلمي، وهو في جل حالاته يعيش أجواء المزاحمة وفوضى الانتاج الأمر الذي جعله يتمحور في بؤر بعينها دون أن يجتازها، والملاحظ اغتراب رأس المال الوطني عن امتداده الحضاري والتاريخي، وهو الأمر الذي جعل أثره الاجتماعي والتفاعلي غير ذي جدوى، كما أن نفعيته لا تتجاوز دائرة الوعي الصحراوي أي دائرة الاقتصاد ” الريعي ” أو الاقتصاد المعاشي المرتبط بالحياتي واليومي وهو لا يترك أثراً على حياة الإنسان الذي يتفاعل معه على وجه العموم، ولكنه قد يخلق حالة إقطاعية جديدة من خلال الأثر السحري المباشر في التأثير على البعد السياسي مما يجعل دائرة الصراع الوجودي للجماعات أكثر اتساعاً، ومثل ذلك يضعنا امام سؤال تقريب أبعاد دائرة الصراع، وتقريب أبعاد دائرة الصراع يتطلب أبعاداً تفاعلية رؤية حيوية وشراكة تجعل الاحساس بالقيمة والمعنى والفاعلية أكثر اتساقاً مع السياق الحضاري والثقافي والتاريخي.
وحين نشير إلى السؤال الحضاري والثقافي فنحن نأخذ بأسباب النهوض، فالجماعات المتجانسة ثقافياً – أي من حيث أدوات الانتاج وعلائقه – حين تصبح عضواً في الشركات وفي المصانع وفي المؤسسات تشعر بحضورها وفاعليتها وتموت في داخلها وعوالمها الوجدانية والذهنية مفردات الاستغلال، وانتقاء روح الاستغلال مع العلاقات الانتاجية يحد من ظواهر العنف ويعمل على تنمية عوامل الاستقرار لحاجة الجماعات إليه، كما أن الاحتكاك بقضايا الانتاج وعلائقه وتنميته يعمل على التحديث والتطوير وتجويد المنتج كون مثل ذلك يصبح اهتماماً جمعياً شائعاً في الجماعات ذات التجانس والمهني.
لذلك نرى ضرورة تنمية اقتصاد الجماعات وتطويره وتحديثه وبما يجعله متناغماً مع ضرورات العصر الذي نعيش لأنه يساهم في عوامل الاستقرار ومربعات النمو.
مع التأكيد على المحددات الموضوعية التالية :
1 – الخروج من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الانتاج ومن دائرة إدارة التناقضات الاجتماعية إلى الدائرة الوطنية الصرفة.
2 – أن يرتبط اقتصاد الدولة بالشركات الوطنية المساهمة دون سواها والعمل على تهيئة البيئة المناسبة للسوق المالية
3 – توجيه رأس المال الوطني ومساندته في إنشاء الشركات والمؤسسات الانتاجية المساهمة والعمل على الحد من فوضى الانتاج والمزاحمة وتشوش الانتاج وذلك من خلال أسس ومبادئ الشراكة الحقّة.
4 – تنمية المجتمعات المحلية في المحافظات والوحدات الإدارية بما يتوافق ومقومات البيئات المحلية الاقتصادية من خلال إنشاء الشركات الوطنية المساهمة في القطاعات المختلفة وبحيث تتكامل البيئات في القطاعات المختلفة، وتشعر بجزيئتها في البناء الكلي للهرم الاقتصادي الوطني وبفاعليتها.
5 – تشجيع القطاعات الخدمية المؤسسية التي تساهم في تجديد أهداف المجتمع المدني الذي تنشده وتجديد العلاقات وإعادة تعريف الدولة في المفاهيم والغايات والعلائق والمقاصد العامة.
6 – التأكيد على الشركات الوطنية المساهمة في إدارة التفاعل الاقتصادي وتحويل الدولة إلى طرف اقتصادي مساهم وشريك مع المجتمع وليس محتكراً لمقدراته فقد ثبت فشل احتكار الدولة في إدارة السوق.
القطاع الخدمي
تحدثنا أن الدولة الوطنية الحديثة… دولة الشراكة تتحول السلطة فيها إلى طرف دستوري وقانوني محايد، والسلطة فيها ترتبط بالقانون، ومثل هذا المفهوم يحدث تبدلاً ذهنياً وعلائقياً،ويتطلب ترتيباً للانتقال إليه، ومهاد تشريعي وثقافي، وتبعاً لمفهوم الشراكة الوطنية في البعد الفلسفي يصبح المجتمع شريكاً للدولة في صناعة التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وفق أسس ومبادئ وأهداف وطنية حديثة وعامة، والانتقال إلى أسس ومبادئ الشراكة لا يكون عفو الخاطر أو ترفاً ولكنه وفق أسس تشاركية واضحة تحقق النفع العام وليس الخاص.
ومن هنا يمكن أن نقول أن تجديد الأهداف الاقتصادية في السياسات العامة للدولة أصبح أمراً وضرورياً بحيث تولي العملية الانتاجية اهتماماً خاصاً وبارزاً في التفاعلات الاقتصادية وترصد لذلك مبلغاً محدداً لمرةٍ واحدة للاستثمار في حقل إنتاج السلع المادية، وحقل إنتاج الخدمات وتعمل على شرعنة تلك الخطوات التي ترمي إلى تعزيز ثقافة الانتاج وبما يحدث توازناً اجتماعياً،ونماءً في العملية الانتاجية في بعديها المادي والخدمي فالطبيب والمحامي والمهندس والإعلامي والتربوي وغير أولئك من المخرجات التعليمية الجامعية طاقات قادرة على الانتاج في البناءات المؤسسية، والتحول من كشف القيمة الزائدة – قاعدة البيانات للخدمة المدنية – إلى حقل التفاعل الانتاجي الخدمي الذي قد يستوعب الكثير من الطاقات القادرة على التفاعل والانتاج.
وتفعيل حقل الاستثمار في المجال الخدمي في شتى المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية يساهم بقدر وافر على تجويد الخدمة وتفعيل خاصيتي الابداع والابتكار للوصول إلى حال التميز الذي يمهد للسيطرة على السوق المستهدفة من النشاط، والتميز حالة وجودية في السوق الحديثة يرتكز علية وجود الشركة أو المؤسسة الخدمية أو غير الخدمية في مواجهة المتغيرات والمنافسين.
ومن خواص القطاع الخدمي أنه يسعى إلى التفرد بمميزات خاصة ونقاط قوة بصعب التوصل إليها، ذلك أنه إذا لم يتميز بأسرار مهنية أو ابتكارية فإنه يكون عرضة للتقليد من قبل المنافسين ولذلك فالقطاع الخدمي الذي ينجح اقتصادياً هو القطاع الذي يقدم منتجات تحتاج إلى جهد بشري وعقلي ويعتمد على جوانب المعرفة البشرية ويقدر الطاقات الإبداعية والابتكارية ومثل ذلك يعكس نفسه على جودة التعليم ويعزز من الاهتمام بالإنسان كثروة حقيقية لليمن.
بناء الدولة الحديثة
تحدثنا عن الدولة الوطنية المركبة.. دولة الشراكة وقلنا ان الثروات تحدث تبدلاً في شكل العلاقة بين الدولة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية وبين فرق طوائف المجتمع، فالتبدل والتغير من خاصية الثورات التي تحدث وفق فطرة الله في التدافع خوف الفساد والثبات ووفق فطرته وإرادته في احداث الانتقال من طور إلى آخر في حياة بني الانسان، ولعل القارئ لمستوى الحركة الاجتماعية والثقافية والسياسية في اليمن يدرك الأثر الذي تركته الأحداث في شكل العلاقة بين الدولة و المجتمع ومدى التبدل في البناء وهو الأمر الذي يضعنا أمام سؤال المستقبل.. ومن هنا علينا أن نعي جيداً أن بناء الدولة وبناء المؤسسات وتحقيق دولة القانون، هو الضمان الأكيد لمنع الولاءات للانتماءات الأضيق الأحادية والعزلة… ولن يتحقق ذلك إلا من خلال البنية التشريعية التي تحقق الانتقال والاندماج لكل الطيف المتعددة والمتمثلة في الدستور،وإدارة الحكم،والتمثيل النيابي والمحلي، وتنظيم المؤسسات المدنية، وتعزيز الاهتمام بالبنية الثقافية، ولذلك نعتقد أن بناء الدولة يجب لأن لا يغفل المحددات الموضوعية التالية من حيث التحديث والبناء :-
1 – الفصل بين السلطات الثلاث ( التنفيذية – التشريعية – القضائية ) والتأكيد على حيادية المؤسسة العسكرية الامنية كمؤسسة وطنية ذات أهداف وطنية من حيث حماية السيادة الوطنية وحماية الدستور.
2 – إعادة تعريف الدولة والعمل على تجديد الاهداف والوظائف وهيكلة المؤسسات والجهاز التنفيذي بما يتوافق ومتطلبات المرحلة وضروراتها.
3 – الاهتمام بهرم الحاجات للإنسان وربطها بالأهداف والسياسات العامة فالامتلاء يحقق طاقة إنتاجية وتنموية غير متوقعة.
4 – التأكيد على الانتقال من اقتصاد إدارة التناقضات إلى الاقتصاد الوطني وبما يكفل حركة ونماء وتطورا ويحقق عدلاً ووجوداً للأفراد والجماعات.
5 – الاهتمام بشريحة العمال وتجديد وتحديث المنظومة التشريعية ورسم السياسات التي تحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي للعمال باعتبارهم الطاقة الفعلية التي تدير اقتصاد الوطن.
6 – ترتيب حالة الانتقال إلى المجتمع المدني تشريعياً وتنظيمياً وبما يحد من حالة الفوضى ورغبات الكيد السياسي للأحزاب.
7 – الوقوف أمام الظواهر التي تهدد المستقبل والتنمية كظاهرة التمدد الأفقي للعمران ووضع التشريعات اللازمة التي تجرم البناء في الأراضي الصالحة للزراعة وتنشيط السوق العقارية والاهتمام بالبناء الرأسي.
الحالة التشريعية الانتقالية
يرى أرباب الفلسفة أن هناك ثلاث حالات تمر بها الحضارات البشرية، ولكل حالة قانونها الذي تفرضه الظروف العامة التي تمرُّ بها تلك الحالات، ويرى ابن خلدون في مقدمته أنّ الحالة التشريعية الانتقالية هي التي تعقب – في تقديره – الحالة اللاهوتية والعسكرية، وتسبق الحالة الوضعية والصناعية التي يتغلب فيها تقدم المجتمع بفضل تقدم المعرفة و اتساع دائرة العلوم ومقاربة ابن خلدون هي الأقرب في التعبير عن سياق نمو المجتمعات القبلية العربية التي تشهد انتقالاً متسارعاً إلى الحالة التشريعية العقلانية بالتوازي مع نمو وتطور قيم الانتاج وعلائقه وأدواته وتوسع دائرة التجارة والأسواق.
و المتأمل في اللحظة السياسية التي تمر بها اليمن يدرك انّ جدلية الحالة التشريعية الانتقالية أصبحت تفرض ضروراتها الموضوعية على الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي فاليمن مرّت بالحالة اللاهواتيه منذ ( 21 فبراير 2012م ) إلى ( 21 سبتمبر 2014م ) ثم الحالة العسكرية منذ 21 سبتمبر 2014م إلى زمن كتابة هذا في يوليو 2015م) وماتزال مستمرة،ووفقاً لنظرية تطور الحضارات فالحالة العسكرية تمهد للحالة الوضعية والصناعية التي يتحول فيها المجتمع ويتقدم بفضل تقدم المعرفة واتساع دائرة العلوم – ولذلك يمكن أن نقول أن اليمن في ثورة ( 21 سبتمبر 2014م) كان يحث الخطى للخروج من الحالة اللاهواتية إلى الحالة العسكرية التي تمهد للحالة الوضعية والصناعية، وهي حالة الانعتاق من رقّ الحاجة والتفاعل مع اقتصاد السوق وبحيث تتوافر في تفاعلاته طاقة تعمل على إنتاج نظام اقتصادي / اجتماعي متوازن يكفل وجود الجميع ويعترف بالكل ولا يقصي احداً.
وقد أدركنا خلال تموجات الاحداث في بداية النصف الثاني من عام 2014م حاجة الجماهير التي ملأت الساحات والميادين إلى الانتقال من التشريع اللاهوتي إلى التشريع العقلاني بحكم حالات الانتقال والتطور التي يشهدها المجتمع، إذ أن التشريع اللاهوتي تفاعل مع الاقتصاد البسيط أي اقتصاد ما قبل الصناعي وذلك التفاعل كان الحالة الصادمة للجماهير العريضة وهو الباعث لها على الخروج في (يوليو، اغسطس، سبتمبر 2014م) وكان خروج الجماهير اليمنية بحثاً عن وجودها في تراكمات اللحظة الحضارية الجديدة، لحظة الانتقال إلى الحالات المركبة والتعايش والاعتراف بوجود الآخر وبحقه في الوجود والتفاعل والمشاركة،
وكانت حاجة المجتمع وحاجة الجماهير أكبر من تشريعات فقهاء القرن الثالث الهجري، بحكم حالات التدرج والانتقال التي تمرّ بها المجتمعات، فكل مرحلة تفرض ضروراتها وتشريعاتها والعمران البشري – كما يقول ابن خلدون – لابد له من سياسة ينتظم بها أمره، وتلك السياسات لم يخض فيها العقل التشريعي الإسلامي ( العقل الفقهي ) التاريخي ولذلك نجد اغتراب الحركات السياسية الدينية عن واقعها المعاصر لتغليبها النقلي / النصي، على العقلي / التجريبي في منهجها التعاملي والتفاعلي مع العصر.
ما يفترض بنا أن ندركه إدراكاً واعياً وكلياً أن حركة الشارع في عام 2011م أحدثت ثورة حقيقية في المفاهيم والوعي، لذلك فأطر الاندماج الاجتماعي التقليدية التي شرعنت الاستبداد وسوغته لم تعد قائمة، وأصبحت الجماهير المنتفضة والثائرة أكثر تكيفاً مع أطر وأشكال الاندماج الاجتماعي التعددي الأكثر قبولاً والأكثر ديمقراطية.
والتعدد بطبيعته يعمل على تفكيك المنظومة الثقافية المألوفة والعامة السائدة في المجتمعات التقليدية زمن الاستبداد، حتى يتمكن من شرعنة العودة إلى أطر الانتماء الطائفي والعرقي والسلالي والجهوي وهو الأمر الذي حدث فعلاً في كل دول الربيع العربي، وظاهرة التحيزات الثقافية والعرقية والسلالية تفضي بنا إلى القول أنّ ثمة مستجدات قد حدثت – وهي مستجدات متواترة – ولا يمكن القفز على حقائقها الموضوعية في الواقع الذي نعيش، ومثل تلك الحقائق الموضوعية لا يمكن التعامل معها إلا في إطار دولة ديمقراطية مستقرة.. دولة وطنية مركبة.. دولة شراكة تتأسس على مبدأ الثقة في القضاء النزيه و العادل، واحترام المصلحة الوطنية المرسلة بعيداً عن حالات الاغتراب – واعني بالاغتراب الانظمة والقوالب الجاهزة التي تتضاد مع طبيعة بعض المجتمعات إن كانت تصلح لبعضها – وبناء الدولة وبناء المؤسسات وفق ضرورات وشروط الواقع لا وفق ضرورات وشروط الأنظمة والنماذج والقوالب الجاهزة هو الضمان الأكيد لمنع الولاءات للانتماءات الأضيق والأحادية والعزلة وذلك من خلال التأكيد والاشتغال المكثف على دولة القانون ولن يتحقق ذلك إلا من خلال البنية التشريعية التي تحقق الانتقال والاندماج لكل الطيف المتعدد والمتمثلة في الدستور وإرادة الحكم والتمثيل النيابي والمحلي وتنظيم المؤسسات المدنية وتعزيز الاهتمام بالبناءات الثقافية.
سؤال الدولة الوطنية الحديثة
علينا أن ندرك أن مخرجات الحوار الوطني لم تكن إلا تعبيراً عن سؤال النهضة الوطنية الذي استمد شرعيته من حركة تاريخية معقدة تصارع فيها السياسي / الاجتماعي، الاقتصادي / الثقافي بأدوات مخلفة ولأسباب متباينة، لذلك كانت طبيعة الحوار تدور حول السلطة والمجتمع والثقافة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ وقد تعددت القراءات من منظورات المدارس الفكرية المختلفة لكون الموضوع – أي موضوع سؤال النهضة – كان يرتبط بإمكانات مصيرية كالوحدة، والتراث، والتقدم، والديمقراطية، والعقلانية، والحداثة، والمعاصرة والأصالة…..الخ.
وأمام مثل ذلك تتطلب المرحلة البحث في طبيعتها الفاصلة والتاريخية التي أفرزت تبايناً وفرضت سؤال النهضة على طاولة الحوار..، وسؤال النهضة الوطنية على علاقة جدلية بسؤال الأزمة، إذ أنّ الأزمة الوطنية بشروطها ومظاهرها وآلياتها ومضاعفاتها ظاهرة كلية معقدة وهي بالضرورة أزمة واقع وأزمة فكر.
وسؤال النهضة الوطنية قضية كلية متكاملة المعطيات والأبعاد، فالصراع الذي استمد السؤال النهضوي شرعيته منه، يفترض به أن يتخلّى عن أدواته وآلياته القديمة وعليه أن يتجه إلى البعد المعرفي، فيطرح سؤال النهضة في التاريخ والفكر والسياسة والحضارة والاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية والاقتصاد السياسي والفلسفة والعلاقات السياسية بعد أن تفاعل هذا السؤال مع حركة الصراع وحالة العدوان التي تزعمته السعودية ووصل به الحال إلى خلق حالات جديدة وتلك الحالات الجديدة حملت روح التوازن الاجتماعي والسياسي وهي تتهيأ الآن لتقبل الواقع الجديد الذي ننتظر منه إعادة ترتيب شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والمجتمع وبرؤية ذات توافق وتناغم وهو الأمر الذي أجهدنا فكرنا فيه.
وسؤال النهضة يضع كل مؤسسات الدولة القائمة تحت دائرة علامات الاستفهام وهو معني بتوليد الأسئلة عنها كما أنه معني بالحداثة وتجديد الأهداف والوظائف إذ بلغ الحال ببعض المؤسسات وخاصة المصرفية والاقتصادية درجة فقدان الفاعلية والتعطيل وأمر ترتيبها وتجديد وظائفها واهدافها مطروح منذ زمن ولا أحد يلتفت إليه وقد آن للدولة الحديثة أن تجيب على كل الأسئلة وربطها بأهدافها الوطنية الحديثة.
الخاتمة
تسعى هذه المقاربة إلى تسجيل حضور فكرة البناء والعمران إلى جانب فكرة الهدم والفناء التي كانت حاضرة بقوة منذ عام 2011م وقد كان القول بسقوط الايديولوجيا في 2011م هو بداية الانهيار للبناءات العامة في اليمن، كما أن غياب المفهوم للمصطلحات السياسية كان تيهاً ظل الوطن يتخبط في أدغاله ردحاً من الزمن.
لقد أصبح الاشتغال على فكرة المجتمع ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية واصبح الاعتراف بالدور الريادي للمثقف والمفكر وتفجير الطاقات الذهنية والفكرية والإبداعية وتحقيق حضوره الاجتماعي والسياسي من متطلبات المرحلة بعد أن ظل هذا الدور مغيباً ردحاً من الزمن وهو المقدمة التي كانت نتائجها حالة الدمار الشامل الذي وصل إليه اليمن.
لقد أثرت سؤالاً في هذه المقاربة، وهو السؤال الذي يطرق في نافذة الحاضر وباب المستقبل، وهذه القطرة التي سحّت في لحظة فارقة ستصبح سيلاً بتظافرها مع القطرات الأخرى لتروي ظمأ اليمن الحضاري والثقافي والوجودي.
والله من وراء القصد..