تعاملت الإمارات مع الجماعات السلفية الجهادية.. فيما تعاملت السعودية مع القاعدة وداعش وأنصار الشريعة ما أدى إلى توغل هذه الجماعات في بعض المحافظات والمدن الرئيسية
باتت الإمارات تتحكم بحركة الملاحة في المضيق البحري مع حلفائها الدوليين والإقليميين بما فيهم إسرائيل
قوى العدوان وجدت في القيادات العميلة وبعض المكونات الجنوبية المتضررة من حرب 94م غطاء سياسياً وحاضناً محلياً للغزاة والمحتلين
التفكيك الممنهج للجيش في عهد الفار هادي ومحسن أتاح للعدوان استهداف القواعد الجوية والمعسكرات دون اعتراض
“21 سبتمبر” نجحت في منع تحول الفراغ السياسي إلى فراغ أمني وحشدت طاقات المجتمع لمواجهة العدوان
الجهود الإبداعية للإعلام الحربي والإعلام العام استطاعت كسر الحصار الإعلامي الذي حاول العدوان فرضه منذ اليوم الأول للعدوان
على أعتاب العام السادس من العدوان السعودي الإماراتي الأميركي على اليمن حصدت دول العدوان ومرتزقتها خيبات وهزائم استراتيجية كبيرة ومتواصلة خلال السنوات الخمس الماضية ، بفضل صمود شعبنا اليمني والقوى الوطنية التي تقاوم العدوان دفاعاُ عن السيادة والاستقلال.
وفي العام الخامس للعدوان تمكّن شعبنا الصامد من تطوير قدراته القتالية جوا وبحرا وبرا ، الأمر الذي أمكن قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية من توجيه ضربات نوعية وموجعة لأهداف عسكرية واقتصادية في العمق السعودي ، وتحقيق انتصارات عسكرية ميدانية جبارة تمثلت في تدمير ألوية ومعدات قتالية متطورة ، واغتنام أسلحة ودبابات وآليات نوعية في جبهات الساحل الغربي وصعدة والضالع والبيضاء وصولاً إلى تحرير الجوف ومحاصرة مدينة مارب.
لم يكن أسلوب قوى العدوان متجانساً في الاستعانة بالجماعات الارهابية في المحافظات المحتلة تحت مُسمّى (المقاومة الشعبية) ، فقد اتجهت الامارات إلى التعامل مع الجماعات السلفية الجهادبة ، فيما تعاملت السعودية مع (القاعدة وداعش وأنصار الشريعة) ، ما أدّى إلى توغل هذه الجماعات في بعض المدن والمحافظات الرئيسية وخاصة مارب وعدن وحضرموت وأبين وتعز.
كان واضحا أن المستفيد الأكبر من العدوان على اليمن هو الجماعات الإرهابية ، ولم يُخفِ وزراء خارجية بعض الدول الكبرى وبعض وكالات الأنباء الغربية والصحف الأميركية التعبيرعن مشاعر القلق لانتشار وتنامي نفوذ الجماعات الارهابية تحت مظلة العمليات العسكرية للقوات السعودية والاماراتية المعتدية على اليمن.
كشف تحالف العدوان غير المقدّس على اليمن تناقضات الطبيعة البدوية التناحرية للمالك العائلية الوراثية التي أضفت عليها الثروة النفطية قبل 80 عاما بعض القشور الحداثية الشكلية والمظهرية التي تُخفي تحتها ندوباَ من الثأرات البدوية القديمة والأطماع التوسعية ، تعود جذورها الى عهود الغزوات الداخلية بين قبائل وعشائر نجد وصحراء وسواحل الخليج بهدف السيطرة على المراعي ومصادر المياه وطرق القوافل التجارية قبل أن يأتي الإسلام ليدفع بهذه العشائر البدوية المتنازعة إلى فضاء الفتوحات والغزوات الخارجية ، ثم عادت ًوبصورة حلزونية إلى التنازع مجددا على ملكية الأراضي وقطع الطرق ونهب القوافل والمراكب التجارية ، بعد أفول عصر اقتصاد الخراج وظهور الاستعمار الذي أخضع مشائخ العشائر البدوية لاتفاقيات الحماية ودفع الرواتب ، مقابل الطاعة والولاء والخضوع والتبعية للمتروبول الاستعماري.
في هذا السياق كشفت العمليات العسكرية لقوى العدوان عدم تطابق المصالح الإماراتية مع الأهداف السعودية التي تريد ضمان حدودها الجنوبية ، واستعادة أطماعها التاريخية في مد شبكة أنابيب لنقل النفط من شرق ووسط المملكة السعودية والربع الخالي إلى المحيط الهندي عبر محافظة المهرة اليمنية.
تأسيساً على ذلك وفّر العدوان على اليمن فرصة غير مسبوقة ساعدت حكام السعودية والإمارات في الوصول الى حدود سلطنة عُمان وميناء صلالة ، والسيطرة الكاملة على كافة موانئ خليج عدن والبحر الأحمر والبحر العربي التي تنافس موانئ دول العدوان ، باستثناء ميناء الحديدة الذي فشلت قوى العدوان في السيطرة العسكرية عليه!!
لا ريب في أن ميناء عدن يُعد من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وقد تم تصنيفه في الخمسينيات من القرن الماضي كثاني ميناء في العالم لتزويد السفن بالوقود بعد ميناء نيويورك، ويقع ميناء عدن على الخط الملاحي الدولي رابطاً بين الشرق والغرب ، ولا تحتاج السفن فيه لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء.
ولأهمية هذا الميناء الاستراتيجي يرى حكام الإمارات أن ميناء عدن يشكل أبرز التهديدات والتحديات بحيث يمكن أن يقضي على الأهمية الاستراتيجية لمدينة دبي، ولهذا فقد سعت باكراً لتعطيل الميناء المطل على مضيق باب المندب غربي محافظة تعز اليمنية، بما يحمله من أهمية استراتيجية كممر للتجارة العالمية، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية على مدينة عدن عبر تواجدها الميداني الذي أتاحه لها العدوان على اليمن ، واستكمال سيطرتها عبر حلفائها في بعض فصائل الحراك الجنوبي والحركات السلفية والجماعات الارهابية التي ارتضت لنفسها أن تتحول إلى أدوات طيّعة قي خدمة قوى الاحتلال.
مما له دلالة أن الإمارات عززت قبضتها الأمنية عن طريق تشكيل ما يُسمى قوات الحزام الأمني والنخب العسكرية في عدن وشبوة وحضرموت والمهرة التي تتبعها مباشرة, وأوكلت مهمة إدارة “الحزام الأمني” و”النخب المناطقية” إلى فصائل سلفية وحراكية وإرهابية موالية لها.. ومن خلال هذا الحزام تتحكم قوات العدوان والاحتلال بالداخلين والخارجين إلى مدينة عدن، ويكون تعاملها مع المواطنين في الغالب وفقاً للهوية، إذ سُجِّلت مضايقات تعرض لها أبناء المحافظات الشمالية خاصة الوافدون من تعز، ومنعهم من دخول عدن.
وباتت الإمارات، بالسيطرة على المضيق البحري، تتحكم في حركة السفن التجارية مع حلفائها الدوليين والإقليميين بما فيهم اسرائيل، ما مكّنها أيضاً من التوجه شمالاً نحو باب المندب وميناء المخا والسيطرة عليهما لاستكمال هدفها المتمثل في السيطرة على الموانئ اليمنية في السواحل اليمنية الغربية التي تُطل على البحر الأحمر وعلى رأسها ميناء الحديدة وميناء ميدي.
وتواصل الإمارات اليوم مساعيها للسيطرة على ميناء الحديدة من خلال مراهنتها على مواصلة معركة الساحل الغربي التي أعلن عنها عام 2016، وهو الميناء الذي تبنّى المبعوث الأممي السابق ولد الشيخ مشروعا تسعى قوى العدوان من خلاله الى تحقيق نصر بلا حرب ، من حلال المطالبة بتسليمه لطرف ثالث ، وهو ما رفضته بحزم القوى الوطنية المناهضة للعدوان وعلى رأسها أنصار الله.
لقد وجدت قوى العدوان والاحتلال في بعض القوى الجنوبية التي تضررت من حرب 1994 الظالمة غطاء سياسيا وحاضنا محليا للعدوان والاحتلال مقابل مخصصات مالية لبعض القادة ورواتب شهرية لحراساتهم ، على نحو ما كان يتعامل به الاستعمار البريطاني مع عملائه المحليين الذين قضت عليهم ثورة 14 اكتوبر الخالدة.
وبتأثير التهافت على الارتماء في أحضان دول العدوان والاحتلال وداعميهم الدوليين تم توظيف شعارات المقاومة والتحرير التي رفعها عملاء الاحتلال للتنصل من التزامات دول الغزو والاحتلال تجاه الجنوب المحتل بموجب قواعد القانون الدولي التي تنظم الاحتلال.
ومما له دلالة أن شعبنا اليمني واجه خلال السنوات الخمس الماضية عدوانا مزدوجا استخدم فيه العدو أكثر الأسلحة المتطورة والمحرمة دوليا في ارتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب وجرائم معادية للإنسانية لا تسقط بالتقادم ، بالإضافة الى إستخدام ترسانة ضخمة ومتطورة من المنابر الإعلامية والجيوش الإلكترونية التي شنّت حربا نفسية وتضليلات سوداء ، الأمر الذي جعل للعدوان على اليمن أرضا وشعبا مشهدين مترابطين الأول عسكري والثاني إعلامي.
لا يمكن فصل المشهد الإعلامي في ظل العدوان السعودي على اليمن ووسائله وأدواته عن الخطوط والظلال المتداخلة مع مشاهد العمليات العسكرية والحروب الإعلامية والنفسية والاقتصادية التي تستهدف تحقيق الأهداف الإستراتيجية للعدوان ، وفي مقدمتها إخضاع قدرات وسيادة بلادنا للهيمنة السعودية ، ومصادرة قرارها الوطني المستقل.
بمعنى أن رصد وسائل وأدوات المشهد الإعلامي الراهن في ظل العدوان يرتبط بضرورة مقاربة مفاعيل المشهد السياسي والإعلامي للفترة التي سبقت العدوان خلال السنوات الأربع الماضية.
شهدت البلاد في ظل نظام المبادرة الخليجية وسلطة أحزاب السفارات تحت قيادة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور ميولا خطيرة للاستحواذ على السلطة وتمديد البقاء فيها ، وانتهاج سياسات قائمة على التسلّط والاقصاء وأخونة الدولة والجيش والأمن ، والعبث بالوظيفة العامة وتوغل الارهاب والفساد والاغتيالات ، ونهب المال العام وتفكيك القوات المسلحة وفي مقدمتها القوى الجوية.
الثابت أن العدوان العسكري استهدف منذ الضربة الأولى القواعد الجوية والمعسكرات ومخازن الأسلحة والبنية التحتية للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، حيث اتضح عدم وجود اعتراض تلقائي من منظومات الدفاع الصاروخي بسبب تعرضها للتفكيك الممنهج من قبل ما تُسمّى لجنة إعادة الهيكلة المكونة من ضباط أميركيين وخليجيين وأردنيين بإشراف الرئيس الفار عبدربه منصور والجنرال العجوز علي محسن الأحمر ، تحت مُسمّى “إعادة الهيكلة”.
استخدم العدوان السعودي الغاشم ترسانة متطورة من الطائرات والبوارج الحربية والآليات والمعدات القتالية المتطورة والأسلحة المحرّمة دولياً ، مدعومة من الماكينات الإعلامية عابرة الحدود، والخزائن المالية الضخمة والشركات العالمية المتخصصة بتوريد جيوش الظلام والمرتزقة الأجانب.
وزاد من خطورة هذا العدوان حصوله على دعم لوجيستي علني من الجيشين الأميركي والبريطاني والمخابرات الاسرائيلية ، بالاضافة إلى اعتماده على غطاء محلي من القيادات الحكومية السابقة والأحزاب السياسية العميلة التي أعلنت تأييدها للعدوان ومنحته صكا (شرعيا) مزوّرا ، في ظل فراغ سياسي سعت قيادة وحكومة المبادرة الخليجية إلى أيجاده بهدف اسقاط البلاد في أتون ما تسمى (الفوضى الخلاّقة) ، وتمرير مخطط التفكيك والتقسيم.. لكن الانتفاضة الشعبية الثورية التي أسقطت الأوليغارشيات الحاكمة يوم 21 سبتمبر ، نجحت في منع تحول الفراغ السياسي إلى فراغ أمني ، وتعبئة طاقات المجتمع ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والمالية لمواجهة العدوان.
قامت القوات المعتدية خلال الساعات الأولى من العدوان بشن آلاف الغارات الجوية والبحرية على المعسكرات ومنظومات الدفاع الجوي التي تم تفكيكها في ظل نظام حكم الرئيس الفارعبدربه منصور وأحزاب السفارات، وشملت الغارات الجوية تدمير الموانئ والمطارات والطرقات والجسور ومصانع الأغذية ومحطات توليد الكهرباء وإنتاج المياه والمدارس والجامعات والمجمعات التجارية والملاعب الرياضية والأسواق الشعبية ومزارع تربية الدواجن والمواشي ومزارع إنتاج الخضار والفواكه ، وزوارق صيد الأسماك وصالات الأعراس النسائية وصوامع الغلال ومخازن الحبوب والأدوية والأغذية وناقلات ومحطات المشتقات النفطية والغاز وشبكات الاتصالات ووسائل الإعلام والآثار التاريخية.
وتم خلال المرحلة الأولى من العدوان إنزال الأسلحة والمتفجرات والأموال للمرتزقة المحليين والجماعات الإرهابية ، بهدف خلق بؤر متحركة للحروب الداخلية بغطاء جوي ، فيما استخدمت أسلحة محرمة دوليا لقتل عشرات الآلاف من المدنيين وإحراق الجبال والأشجار ، وهدم المساكن على رؤوس ساكنيها من الرجال والشيوخ والنساء والأطفال ، وارتكاب مجازر إبادة بشرية جماعية تندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم المعادية للإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي العام والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي الإنساني ، ولا تسقط بالتقادم.
كما فرض العدوان حصارا خانقا على كل أبناء الشعب اليمني بهدف منع وصول المواد الغذائية والمشتقات النفطية وكل مستلزمات الحياة في صورة من صور حرب الإبادة الشاملة على اليمن أرضا وشعباً.
ولذلك يجب الوقوف أمام مسار الحرب الإعلامية والنفسية التي رافقت العدوان العسكري الشامل بمختلف صوره البشعة وأدواته الخبيثة وأهدافه القذرة ، وصولاً الى مقاربة الخبرات الإبداعية للعاملين في جبهة الاعلام الحربي والاعلام العام ، ودورها في التصدي لنشاط الترسانة الإعلامية الضخمة للعدو ، وكسر الحصار الإعلامي الذي سعى العدو لفرضه منذ اليوم الأول للعدوان ، من خلال قصف وتدمير شبكات الاعلام المرئي في العاصمة صنعاء ، وإنتاج واستنساخ وسائل إعلامية و قنوات فضائية مزوّرة ، و حجب القنوات الفضائية الوطنية عن بعض الأقمار الصناعية الوسيطة والتشويش عليها ، وشراء ذمم بعض مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية ، ودفع أموال ضخمة وخيالية لفرض تعتيم إعلامي شامل على جرائم الحرب في اليمن.