طال أمد العدوان وقد بلغ زمنا ما كان في حسبانه أن يبلغه وكلما طال الأمد تناقص في الوجدان زخمه وراجع من كان مؤيداً نفسه وسقط أربابه وقادته في وحل الرذيلة .. وفي براثن الهزيمة النفسية والأخلاقية والثقافية, وفي الجهة المقابلة بالضرورة سيعمل على يقظة المشاعر الوطنية ويعزز من تماسك الجبهة الوطنية الداخلية، وسيفقد أدواته التي كانت تعمل لصالحه، والأهم من كل ذلك أن القانون الطبيعي سيعود إلى نسقه الطبيعي, وسيعمل العدوان على ترتيب البناءات الحضارية والثقافية ويقوم بتحديد المفهوم الذي ظل ملتبسا في أذهان الكثير منذ القول بسقوط الايديولوجيا في عام 2011م.
ولا نظن عرب الصحراء يدركون حركة الواقع ولا حتى تموجه فهم قد وهبوا أنفسهم للمشروع الصهيوني وأصبحوا أدوات في يده تحركها المصالح والاستراتيجيات في ظل حالة غير مدركة لحجم الكارثة التي تنتظر الأعراب قبل غيرهم في منطقة الجزيرة العربية، فالأعراب في الخليج العربي لا مصلحة لهم في هذا العدوان الذي تشنه طائراتهم وبوارجهم، والمصلحة الحقيقية هي لإسرائيل والدول الاستعمارية ومن الغباء أن يصل العالم المستعمر من حولنا إلى مصالحه بأموال العرب وبدمائهم وهم هناك يشربون نخب الانتصار الذي نهديه إليهم دون أن ينفقوا سنتاً واحداً بل تحركت عجلة الاقتصاد في بلدانهم وتجاوزوا أزماتهم المالية من خلال النشاط المحموم للأعراب في شراء الأسلحة المتنوعة، ولذلك منذ بدأت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط مطلع عام 2011م وحتى اليوم لم نعد نسمع بركود الاقتصاد العالمي ولا بشكله الجزئي أو الكلي ولا بتردي الأوضاع في المجتمعات التي تسعى إلى فرض هيمنتها ووصايتها على مقدرات العالم من حولها وتديره وفق قاعدة المصلحة العائدة إليها لا وفق مصالح الشعوب وهي بمثل ذلك تستبد الشعوب الضعيفة وتعمل على تحديد مساراتها حتى تضمن استمرار تدفق المصالح والمنافع في حين يذهب الأعراب إلى تبديد أموال الأمة وتبديد الثروات الوطنية والقومية في الصراعات البينية وفي تنمية الذات المستبدة والطاغية وفي تمجيد من لا مجد له ولا قيمة ولا معنى في عالم حضاري متموج وغير مستقر تتنازعه قوتان لا ثالث لهما هما خيرية بوذا- اقصد الصين – أو شرية يهوذا – اسرائيل ومن شايعها – في حين يظل العالم الإسلامي خارج النسق الحضاري وخارج المنظومة الكونية بسبب غياب المشروع السياسي الذي يحقق الخيرية النفعية في البعدين المادي والروحي ولذلك ظل الاشتغال الصهيوني يركز على تفكيك المشروع الإسلامي في بعديه الإنساني والعقائدي وبالتالي تعطيل المشروع ليكون المشروع الصهيوني هو الأمثل والأقدر، وقد نجح إلى حد كبير في الوصول إلى مقاصده وغايته, فالفكرة الدينية والصراع الطائفي ديدن العرب الذين يدعون الإسلام وقد غفلوا عن مشروعهم الإنساني الكبير وضاعفوا من اشتغالهم على التدمير والقتل والدمار وهدم المقومات الحضارية والتاريخية وتفكيك الهويات بغبائهم وبأموالهم، وخرج علينا أعراب الخليج وهم يتفاخرون بما أحدثوه من دمار وقتل في اليمن وفي سوريا وفي العراق وفي كل البلدان التي شكلت نواة يمكن التعويل عليها والانطلاق منها لمد جسور التواصل الثقافي مع المشكاة الإسلامية لكي ترسل ضوءها الحضاري للإنسانية.
ولم يدرك أولئك الأعراب أن صحراويتهم وبداوتهم لم تتجاوز بول الإبل ومعاطنها والمزابل وما سوى ذلك لم يشهد العالم من حولنا – رغم الثراء والإمكانات- أي ظاهرة حضارية أو يشهد قبساً يسهم في النفعية الإنسانية، فالحداثة عند الأعراب لم تكن إلا تطاولاً في البنيان وترهلاً في الأجساد وغباءً في الأذهان، وركونا إلى ما عند الغير، وخمولاً يمنح العقل إجازات إضافية، ولذلك أمعنوا في عدوانهم على اليمن وزاد عنادهم في تجذير هزائمهم الأخلاقية والعقائدية والثقافية بل وقد وصل التيه بهم إلى الضياع.
لا نظن أن أثر العدوان على اليمن سيكون في مصالح دول الخليج بل سيكون وبالاً عليهم وسيكون الأثر على السعودية أكثر بحكم الجوار وربما القت الآثار نفسها على القانون الطبيعي والبناءات الاجتماعية فتصبح المملكة بعدها خبراً في كتب التاريخ وطللاً تبكيه الأحفاد ودماءً قد يطيل آل سعود البكاء عليها وهم يتسكعون في أرصفة المدن الأوروبية كما تسكع من قبلهم آل الرشيد الذين نالهم الكثير من القتل والتشريد على يد ملوك آل سعود وكذلك هي سنن التاريخ والأيام دول .. ولا معنى للمملكة بعد أن وصلت إلى التيه والضياع وفساد الأخلاق والقيم إلا النهايات التاريخية التي وعظهم القرآن بها من خلال قصصه فلم تلامس أذهانهم بل تمادوا في غيهم وبهتانهم وأمعنوا في التيه والضياع .