منذ بداية العدوان على بلادنا قبل سبع سنوات، بدأت ملامح صراع يشبه وميض النار تحت الرماد بين عاصمتي العدوان، الرياض، وأبوظبي.
في العاصمتين قيادتان شابتان وصلتا إلى السلطة بعوامل الوراثة المُطلقة، وليس بمعايير القدرة أو الكفاءة، أو التسلسل المنطقي لتراكم الخبرة والمعرفة.. قيادتان يتملَّكَهُما الكبر والغرور، أكثر من التروي والعقلانية، وتقودهما شهوة السلطة والمال، ونشوة الشباب التي خلقتها لديهما مراكز أبحاث غربية متخصصة في إدارة وتوجيه الرأي العام وتزيين صور الحكام مقابل أجور ومبالغ مالية مُبالغ فيها بشكل كبير.
قيادتان انطلقت إحداهما لتتحدث عن ”نيوم” ومدن المستقبل والطاقة والسيطرة الاقتصادية، وانطلقت الثانية – في رد فعل مباشر، وسباق محموم- بمسبار سمَّته ”الأمل” ذاهبةً إلى الفضاء لاستكشاف المريخ، حمل المسبار اسمها وانطلق من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان.
وبين ” نيوم ” و”مسبار الأمل”، انتقلت المماحكات من سباق الهجن والخيول، إلى برج جدة الذي قيل أنه سيتجاوز ارتفاعه برج خليفة، وإلى مشاريع طيران وسكك حديد وموانئ عملاقة تتسابق وتتصارع فيما بينها، ويحركها محرك الدمى في مسرح العرائس، لتقطع الطريق أمام مشروع ”الحزام والطريق الصيني”.. كرة ضخمة من النار تتدحرج، وتكبر شيئاً فشيئاً لتقف في وجه التنين الصيني القادم.. كما يخطط ويعمل كاتب السيناريو الغربي (الأمريكي – البريطاني) تحديداً.
لا يعرف المواطن الخليجي كيف ولماذا بدأت الأزمة السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية بين كلاً من الرياض وأبوظبي والمنامة من جانب، وبين الدوحة من جانب آخر؟ ولا يعرف المواطن الخليجي كيف ولماذا انتهت فجأة؟ وكيف انتهت مع الرياض ولا تزال قائمة نسبياً مع أبوظبي؟ ولا يعرف المواطن الخليجي ما هي العلاقة بين نشاط حركة الإخوان المسلمين – التي تدعمها وترعاها الدوحة، بينما تُنَاصِبها أبوظبي والرياض العداء – وبين أصحاب المواشي ورعاة الإبل القطريين الذين أُجبروا على مغادرة المراعي السعودية باتجاه الحدود البرية القطرية في إطار اجراءاتها العقابية تجاه قطر.. ولا ما إذا كان الخلاف يتعلق بقضايا اقتصادية، وصراع إقليمي على حركة النفط والغاز والطيران والملاحة البحرية.. ولا ما إذا كان يتعلق بالتطبيع المتسارع مع إسرائيل، ولا ما إذا كان يتعلق بكأس العالم 2022 المقرر إقامتها في الدوحة، ولا ما إذا كان يتعلق بحرب اليمن والدور الإيراني في المنطقة.. ولا ما إذا كان الخلاف مجرد تباين في الرأي بين ثلاثة أمراء يملكون ويحكمون، ولا يتحكَّمُون في قراراتهم الاستراتيجية والمصيرية.
ومع أن المواطن الخليجي لم يكن يعرف، ولا يبدو أنه كان مهتماً ليعرف.. يبدو للمحلل والمراقب السياسي أن كل هذه الأسباب والدوافع كانت كلها حاضرة في الأزمة بنسب متفاوتة.
ماذا تريد دول الخليج من ليبيا ؟ وإلى ماذا تسعى في سوريا؟ ومع من تقف في أزمة سد النهضة الأثيوبي؟، وكيف ستتمكن من الخروج من مستنقع الحرب في اليمن؟، وكيف تنظر إلى القرن الأفريقي؟ وما مصلحتها في إثارة الخلافات والتباينات في الأنظمة السياسية القائمة في تونس والجزائر؟ وكيف تُعادي إيران وهي تحتكر أكبر ميزان تبادل تجاري معها؟.. والكثير الكثير من الأسئلة التي تجعل من الصعب التمييز بين من (يحكم) ومن (يتحكَّم).
ويبدو أن مُحرك الدمى في مسرح العرائس هو الذي أشعلها، وهو الذي استمر يصب قطرات الزيت عليها ليبقي أوارها، وهو الذي قرر فجأة إخمادها وجَعْلها كامنة تحت الرماد إلى حين.
فمحرك الدمى (دول الغرب والشرق ذات المصالح الاستراتيجية الكبرى في العالم) لن تسمح لأحد أن يمر مُتقاطعاً مع مصالحها، ولن تتوقف عن الصراع فيما بينها، ولن تتخلى عن أذرعها الإقليمية التي تسمح لها بأكل الثوم بفم هذه الأذرع، وتُبقِيهَا بعيدةً عن الانعكاسات اللا إنسانية واللا أخلاقية التي تنتجها الصراعات والحروب.
وإيران من جانبها لا ولن تترك شاردة ولا واردة تمر بالمنطقة، أو تمر المنطقة بها، إلا وتستثمرها وتستغلها في معالجة قضاياها الاستراتيجية، من الملف النووي، إلى صراعات الدول المنتجة للنفط (الأوبك)، إلى حرب اليمن، إلى محددات علاقاتها مع الشرق (روسيا والصين) ومع الغرب (أمريكا وبريطانيا).
والرياض وأبو ظبي، قد يطول صراعهما، وقد يتطور إلى مواجهات سياسية ودبلوماسية، وحتى عسكرية وأمنية، وقد ينحسر، إذا رأى محرك الدمى أن ذلك يتوافق مع مصالحه.
غير أن العاصمتين (الرياض وأبوظبي) لن تختلفا بصوت مسموع حول ملف اليمن والحرب في اليمن، ليس حباً في اليمنيين، ولا حرصاً على وحدة واستقرار وأمن اليمن، ولا مُراعاةً لروابط الدم والدين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، فهذه كلها قد ذهبت أدراج الرياح مع تَحوُّلات القرن الحادي والعشرين، ومتغيرات موازين القوى الدولية، وبرامج هيئة الترفيه وتوجهات التطبيع.
لن تختلف الرياض وأبوظبي حول اليمن وحرب اليمن.. لأن كليهما يقضم بأسنانه جزءاً من الجغرافيا اليمنية، ويعتبرها امتداداً حيوياً لمصالحة الاستراتيجية وطموحاته التي أملتها عليه مراكز الأبحاث الغربية التي تقول له كيف يُحسِّن صورته أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وكيف يمتد ويتمدد عبر الإقليم كله.
وعمليات (القضم) واضحة تُرى بالعين المجردة في أجزاء كثيرة من اليمن الكبير، وما حدث ويحدث في جُزر سقطرى وميُّون أكبر دليل على ذلك.
هل ننتظر أن يرجع المجتمع الدولي عن سقوطه الأخلاقي والدبلوماسي في السياسة الدولية، ويسلم زمام الأمور لدول العالم الثالث لتقرر مصيرها ومصائر شعوبها بعيداً عن الوصاية والهيمنة الدولية للقوى الكبرى والشركات العابرة للقارات والحروب السيبرانية وعسكرة الفضاء، ويتوقف عن تحريك الدمى في مسرح العرائس بهذه الطريقة التراجيدية المدمرة!؟
أم هل ننتظر أن تتوقف الأذرع والدمى الإقليمية عن حركتها اللاإرادية، وتتحرر، وتقرر السير في خطوات متوازنة ومستقلة تحفظ لها كرامتها، وتحقق لها الأمن والاستقرار والرفاه والتنمية الاقتصادية في ظل علاقات متكافئة مع الآخرين!؟
أم أنه يجب علينا نحن- اليمنيين – أن نعيد حساباتنا، ونراجع مواقفنا، وندرك بعد سبع سنوات من الحرب، أننا كنا ضحية صراع دامٍ ومدمر، جار علينا فيه الجار، وشقَّ علينا فيه الشقيق، وخاننا فيه الرفيق، وسقط فيه الصديق، وأنه قد آن الأوان لنفكر كيف نخرج من عباءة الآخر، ونتفق على ما يجب أن يكون، وأي اتفاق سياسي، أو توافق، سيوقف نزيف الدم اليمني سيكون مقبولاً، وسنكون مأجورين عليه من الله، ومشكورين من الأجيال اليمنية القادمة.
فهل تَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ !!؟
نائب رئيس الوزراء لشئون الأمن والدفاع
صنعاء
* المصدر : رأي اليوم