ما الذي يحدث اليوم في العالم العربي والإسلامي ؟
الذي يحدث كما هو ظاهر للعيان هو تفكيك الهويات الثقافية للعرب والمسلمين من أجل سهولة فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على الإنسان حتى يشعر بفقدان قيمته وهويته، بدأ هذا الصراع مع نمو تيار العولمة وانصهار الثقافات بسبب وجود شبكة النت العنكبوتية وتطور شبكة التواصل الاجتماعي، ولذلك سارعت الكثير من الدول إلى وضع الاستراتيجيات الثقافية، وأطلقت روسيا فكرة الأمن القومي الثقافي، في حين خضع العرب والمسلمون للواقع بعد أن قام العدو بتنمية الصراعات، وهو ينتظر نتائج الصراع وقد قال أحدهم : “إن الصراع الموجود حالياً في معظم أنحاء العالم الإسلامي عبارة عن حرب للأفكار، وسوف تحدد نتائج هذه الحروب التوجهات المستقبلية للعالم الإسلامي “.
فالأمن الثقافي من ضرورات المرحلة التي نحن فيها اليوم في ظل هذا الهجوم الشرس على الأمتين العربية والإسلامية، فالقضية تتجاوز ما كان معهودا إلى التركيز على بنية المجتمعات الثقافية ومحاولة النيل من المفاهيم ومن الرموز الدينية, والرموز الثقافية، ومن القيمة ومن المعنى، فكل الذي يحدث في شتى بقاع الأرض ليس عبثا خاصة تلك القضايا المثارة التي تنال من الرمزيات, وخاصة تلك التي تنال من الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام, أو تنال من القرآن ككتاب مقدس، أو تلك التي تنال من اللغة باعتبارها الحامل الحقيقي للرسالة, ومواجهة مثل هذه القضايا ليس بالمظاهرات ولا بالاحتجاجات بل بوضع الاستراتيجيات الثقافية التي تحد من الأهداف التي يسعى عدو الأمة إلى الوصول إليها، وإن كانت المظاهرات والاحتجاجات مهمة للتعبير عن الرفض لكن من المعيب أن نكتفي بها دون الإسراع في تمتين البنى الثقافية حتى تكون عصية على العدو مهما بذل من جهود للوصول إلى أهدافه المعلنة وغير المعلنة .
وقبل الشروع في تعريف الأمن الثقافي يحسن بنا تعريف الثقافة حتى نتمكن من تحديد ملامح الصورة التي يجب أن تكون لا التي نتخيل نحن، فالثقافة كما يذهب إلى ذلك الكاتب بركات محمد مراد هي : ” المخزون المعرفي, والخبرة المنهجية اللذان يسمحان للمفكر بان يُحسن استخدام معلوماته المنسية، وينظم المبعثر والمختلط والمضطرب فيها، ويستغل أدوات المعرفة الحديثة، من أجل تكوين فكرة واضحة، والوصول إلى نتائج منطقية، في موضوع من المواضيع التي تعرض له.
إن الثقافة ثروة معرفية نظرية وعملية، عقلية وروحية، في مختلف جوانب الحياة البشرية، ظاهرة وباطنة، ملموسة ومحسوسة، تتركز في وعي المثاقفة، وتراكم الخبرة واستخلاص الدروس على مر العصور، وفى الأمكنة المختلفة… ويشكل الوعي سلاحا حقيقيا قادرا على توظيف المعرفة والجهد البشري توظيفا حيويا، وعلى إعادة إنتاج المعرفة أيضا لأمة ما.
والثقافة التي نتحدث عنها في هذا المجال هي الثقافة بالمعنى الحقيقي والواسع، التي تشمل مجمل الأفكار في الفلسفة والآداب والفنون والعقائد، والتربية والتعليم بمراحلهما، والإعلام وشرائح الثقافة التخصصية، والقيم والمثل العليا، والمعتقدات والانحيازات والخرافات التي تشكل الإطار العام لحركة المجتمع.
فالثقافة كلُّ جامع لا يمكن قياسه بما هو عليه أي مكون سياسي، فهي حركة اجتماعية شاملة تتجزأ لكنها تكون الكل العام للشعوب ولذلك ينبغي تجاوز مفهومنا الجزئي حتى نتمكن من التعاطي مع الواقع الذي نعيشه بكل مستوياته المعرفية والحضارية, فالثقافة مكون من مكونات القوة الوطنية أو أنها نظام فرعي داخل النظام الأساسي, ويأتي الأمن الثقافي بمعنى أمن جزء من مجموع بناء الكل ويعرف بأنه الحفاظ على الموروث الثقافي الوطني وتنميته والاعتزاز به مع التفاعل مع المستويات الحضارية دون الاستغراق في عملية التأثر بالآخر إلى درجة طمس الهويات الجزئية أو الكلية في أطار المجتمع الواحد .
— يقول الكاتب وهيب أبو سعدية :
“يعدّ الأمن الثقافي أهم جوانب الأمن القومي لأنه يمثل الحفاظ على الذاتية والهوية في مواجهة محاولات الاحتواء، وبالتالي هو ضرورة استراتيجية ملحة لبقاء الدول، بواسطته تتمايز الثقافات وتتباين المجتمعات، وتأخذ كلّ منها طابعها الخاص الذي يميّز هويتها الثقافية عن غيرها.
لكن يتعرض الأمن الثقافي مؤخرا لتهديدات عديدة تهدف إلى عزله عن ثقافته الأصيلة، على رأسها ظاهرة العولمة خاصة في جانبها الثقافي، أضف إلى ذلك ظاهرة الهجرة والنزاعات الإثنية، كلّ هذا أدى إلى أشكال مختلفة من التغييرات في الحياة الفكرية، وانحسار الثقافات الداخلية ما يهدد باختصار أمنها الثقافي ” .
ويبدو أننا في اليمن بحاجة إلى التنبه للأمن الثقافي حتى لا نجد أنفسنا وقد تلاشينا وجوديا، وثمة نماذج تحيط بنا، ولعل سياحة قصيرة في التطبيقات الاجتماعية قد تكشف لنا التهديدات التي لم ندرك خطورتها بالأمس في مجتمعنا العربي فكانت النتائج كارثية، ويمكن قراءة المجتمع العراقي الذي سقط في وحل الانحدار كمجتمع مستهدف بالضياع والشتات وسيكون غيره مثله إن لم نتدارك الأمر قبل الغد .
– يقول الكاتب محمد احمد جبر :
” في ظل التطورات السريعة في الأحداث العامة التي تحيط بالوطن العربي والمجتمعات العربية، والانهيار الذي طال الكثير من الدول العربية، وفي ظل التهديدات الدائمة والمستمرة والمتزايدة سواء من الدول الكبرى التي لها مصلحة في استعمار مواردنا الطبيعية والإنسانية وحلم الصهيونية الكبير أو الاستعمار التكنولوجي الجديد والمسمى بالعولمة، يظل الأمن الثقافي العربي هو صمام الأمان لتحقيق حلم الشعوب العربية بالتكاتف والتلاحم كالحزمة الواحدة في كافة أوجه الحياة للوصول إلى الأمن الذي نرتجيه لأوطاننا العربية على كافة المستويات ” .
ما نخلص إليه هو القول : إنه من الضرورة الاهتمام بالجبهة الثقافية بقدر الاهتمام ذاته الذي نوليه للجبهات العسكرية, ما لم ننتبه لذلك فبالضرورة نجد المجتمع غدا غارقاً في مستنقع الرذيلة دون انتماء أو هوية وبدون كيان وطني جامع .