لماذا تربع أبو بكر على الخلافة بعد أن سمع المسلمون ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير وما سمعوه قبل ذلك وبعده؟ سمعوا عليًا، وسمعوا محمدًا (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسمعوا كل شيء، لكن [وأبو بكر لا بأس المهم واحد]!، حالة اللامبالاة.
من هنا بدأ التفريط، فتربع أبو بكر على الخلافة، ولولا أبو بكر لما كان عمر كما قال عبد الله بن حمزة [ولولا عمر لما كان عثمان، ولولا عثمان لما كان معاوية، ولولا معاوية لما كان يزيد]. لولا تفريط أولئك لما كان أبو بكر من البداية، ولولا تفريط أهل العراق يوم كانوا يسمعون عليًا يتحدث، ومن أبلغ من علي بعد القرآن وبعد الرسول! ومن أبلغ من منطقه، وأعظم أثرًا – إن كان هناك ما يمكن أن يترك أثرًا – بعد القرآن وبعد كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من مثل كلام علي؟!
ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم؛ لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟
هم فرطوا، وعندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهمًا مغلوطًا، ممن لا يعرفون عواقب الأمور، أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل، ومن يحاول أن يضع لكل قضية حدًا معينًا، يظن أنها لا تتجاوزه. ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة؛ يمكن أن يُصفى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية!
بعد أن قُتل الحسين؛ (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات، والكوارث تتابع على أهل العراق جيلًا بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم.
ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثلًا واضحًا على هذا؛ أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا، أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعبًا من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات، وأكثر مآسيَ من شعب العراق نفسه؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع عليًا أكثر من أي شعب آخر.
علي خرج أيامًا معدودة إلى اليمن، وبقي أيامًا معدودة في المدينة بعد خلافته، وكان في المدينة لا يتفوه بكلمة في ظل الخلفاء الثلاثة، لا يريدون أن يتفوه بكلمة، لكن معارفه وتوجيهاته وحكمته انصبت في الكوفة على آذان ومسامع أهل العراق ففرطوا؛ ففرطوا فكانت عواقبهم أسوء من عواقب أهل الشام أنفسهم.
وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع. أهل العراق ندموا بعد، وتاب الكثير من تفريطهم في الإمام الحسين إذ لم ينصروه وخرجوا ثائرين، وقتلوا مَنْ قتلوا الحسين (عليه السلام) وثاروا، ثأروا لقتله لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية عظيمة كالحسين.
لو كانت تلك التضحية، لو كان ذلك الصمود، لو كان ذلك التفاني، لو كان ذلك الاهتمام، لو كان ذلك الوعي في وقته، يوم كان الحسين متوجهًا إلى الكوفة لاستطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ بأكمله، وليس فقط وجه العراق، لاستطاعوا أن يعيدوا الأمة إلى ما كان يريد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون عليه.
قتلوا الآلاف، وقُتل منهم الآلاف لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية كالإمام الحسين. وأعظم ما تتعرض له الأمة أو من أعظم نكبات الأمة أن تفقد عظماء كالحسين وعلي وزيد والحسن وأمثالهم من أعلام الهدى، خسارة عظيمة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
دروس من وحي عاشوراء
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 10/1/1423 ه الموافق: 23/3/2002م
اليمن – صعدة
*نقلا عن : موقع أنصار الله