ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الأنعام:102) {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (لأعراف:158) {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة:129) {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود:14).
كم تتكرر هذه العبارة: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثم ينطلق ليتحدث عن أي شيء كما قال هنا: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (هود: من الآية14). أي: مسلِّمون أنفسكم له باعتبار أنه: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فليس هناك إله آخر يمكن أن تسلِّموا أنفسكم له، أو يدفعكم اعتصامكم بذلك الإله الآخر إلى أن لا تسلموا أنفسكم لله، لا إله إلا الله وحده فهو الذي يجب أن تسلموا له أنفسكم، وتعبدوا له أنفسكم.
{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (الرعد: من الآية30)، وهو القرآن {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (الرعد: من الآية30). هكذا يكون أنبياء الله، وهكذا يكون أولياء الله، يتوكلون على الله من منطلق إيمانهم القوي بالله، وثقتهم القوية بالله.
{هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ} (إبراهيم: من الآية52) القرآن الكريم بلاغ للناس {وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (إبراهيم: من الآية52)، لاحظ كيف التركيز على أن يجعل {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (ابراهيم: من الآية52) من أهم المقاصد القرآنية، هو رابع غاية من الغايات الأربع في هذه الآية، وهو الغاية الكبرى داخل هذه الغايات الأربع {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} نعلم في قرارة أنفسنا ما هو مجرد خبر نسمعه يطرق آذاننا فقط، بل نعلم في قرارة أنفسنا أنما هو إله واحد، هو الله، فلنعبِّد أنفسنا له، ولنلتجئ إليه، ونتوكل عليه، ونثق به، {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل:2)، موضوع هذا الدرس هو حول فهم ألوهية الله سبحانه وتعالى، تترسخ في أذهاننا مسألة ألوهية الله، ماذا تعني؟ متى ما آمنا بأنه هو وحده إلهنا – إيمانًا واعيًا وليس فقط مجرد كلام – سنتقيه، سنسلِّم أنفسنا له، سنثق به، سنتوكل عليه، نلتجئ إليه، نرغب فيه، نخاف منه.
{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} (النحل:22) {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (النحل:51)، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110)، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (طـه:8) {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (طـه:98).
ولأهمية الإيمان بألوهية الله على هذا النحو، تصبح كلمة الإقرار، هذه الكلمة في الوحدانية هي بطاقة الدخول في الإسلام، وهي الذكر الذي يجب أن يردده الناس جميعا، وهي الذكر الذي يجب أن يتردد في الأذان، وهم يؤذنون وينادون للصلاة، كلمة: [لا إله إلا الله] وداخًل الصلاة [أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله] هي الشهادة التي تدخلك في الإسلام، وهي الشهادة التي تشهد بها وأنت في اللحظات الأخيرة من عمرك، فأنت تشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
الشهادة بوحدانية الله سبحانه وتعالى لأهميتها هي التي تجعلك تكفر بكل من يبرز لك إلها في هذه الدنيا غير الله، وإن كان هوى نفسك، قد يبرز الهوى إلها لك، ويبرز الخوف إلها لك، ويبرز الطواغيت آلهة لك، وتبرز الدنيا إلها لك، وتبرز المطامع كلها آلهة لك، فعندما تكون مقررًا في نفسك ألوهية الله وحده، فسوف تقهر كل من يبرز في هذه الدنيا إلهًا آخر غير الله لك.
ألم يقل الله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (الجاثـية: من الآية23) أنت أيها الإنسان يمكن أن تتخذ هواك تجعله إلهًا لك، كذلك من تطيعه من دون الله فأنت قد عبَّدت نفسك له، من تطيعه في معصية الله تصبح قد عبدت نفسك له، فكأنك اتخذته إلها. ألم يقل الله لبني آدم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (يّـس:60) سمَّا طاعتهم للشيطان عبادة؛ لأنهم أطاعوه في معصية الله وكل من يوجب عليك أن تطيعه في معصية الله فقد جعل نفسه إلها لك، فإذا أطعته فكأنك عبدته، وكأنك جعلته إلها.
والإمام الناصر في [البساط] أكد هذه المسألة بشكل كبير، فيما يتعلق بتفصيل العبادة أنه جعل من ضمنها الطاعة، فمتى ما أطعت غير الله أصبحت مشركًا، جعله شركًا، تطيعه في معصية الله.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25) {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (الأنبياء:108). {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص:70) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (فاطر:3) من الذي يرزقكم؟ من الذي صوركم في الأرحام كيف يشاء؟ من الذي سخر هذا العالم لكم؟ هو الله، هو الله، الذي لا إله إلا هو.
أليس هذا يعني: أنه متجه إلى ترسيخ الانشداد القوي به؟ واتصالك القوي به؟ وثقتك العظيمة به؟ {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} إذًا فعندما ترجع إليه، وتتوكل عليه، وتثق به هو من يملك رزقك، هو من يملك أن يرزقك، هو من يملك السموات والأرض، التي فيها ومنها رزقك.
{هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) لا إله إلا هو فارجعوا إليه وادعوه مخلصين له دينكم، مخلصين له في الدعاء. الدعاء كما ورد بأنه مخ العبادة، لكن الدعاء إذا ما ترافق معه عمل، الدعاء الذي لم يترافق مع تقصير، وإنما مع عمل.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (فصلت:6-7). {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (محمد: من الآية19)، ألم يقل الله لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (محمد: من الآية19)؟ ألم يكن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عالمًا بهذا؟ هو رسوله وقد اصطفاه، هو الذي يبلغ رسالة الإله الذي لا إله إلا هو، فما معنى هذه العبارة: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (محمد: من الآية19)؟
يتقرر في نفسك دائمًا بشكل واع، وهو مجال واسع جدًا، ودرجات متفاوتة جدًا ترسخ العلم بأنه لا إله إلا الله.
ألسنا جميعًا نقول: [لا إله إلا هو]؟ لكن هل علمنا بأنه لا إله إلا هو كعلم الإمام علي (عليه السلام)؟ لا. هل علمنا بأنه لا إله إلا الله كعلم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لو كنا نعلم أنه لا إله إلا هو لانطلقنا في هذه الدنيا صواريخ لا أحد يوقفنا أبدًا، ولا أحد يخيفنا أبدًا، ولا أحد يخدعنا أبدًا، ولا أحد يستطيع أن يضلنا أبدًا، ولا أحد يستطيع أن يقهرنا أبدًا. لكنا نلاحظ بأن درجة علمنا بأنه لا إله إلا هو هابطة جدًا، كلمة تصرفك عمن هو لا إله إلا هو وعن طريقه، ما هذا يدل على أنك تفقد العلم بكله، أو متدني جدًا في علمك به؟ أليس عندما ينقدح في نفسك خوف من غير الله فتتراجع يدل على أنك ضعيف في علمك بأنه لا إله إلا هو.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معنى لا إله إلا الله- الدرس الأول
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 18/1/2002م
اليمن – صعدة
*نقلا عن : موقع أنصار الله