لا شك أن العرضَ العسكري المهيب قد حمل عدداً من الرسائل المهمة للإقليم ولأمريكا وللصهيونية العالمية، ولعل من أهم الرسائل التي أوحي بها وكانت ضمنيةً أن الحقَّ ينمو ويعلو شأنه ولو كان ضعيفاً، وأن الباطل مزهوق ولو كان قوياً أَو موهوماً بالقوة، فالفطرة والقوانين الإلهية منذ آدم إلى اليوم تسير بذات النظم، حَيثُ يبدأ الحق صغيراً ضعيفاً، ثم يصبح قوة عظمى تحمل مقومات الانتقال والتحول، حدث ذلك مع الأنبياء وفق أوثق المصادر وهي القرآن، فالأنبياء -كُـلّ الأنبياء- بدأوا مستضعفين، وأنتهى بهم الأمر إلى قوة تقود متغيراً ثقافيًّا وحضارياً واجتماعياً، وهذا هو قانون الله في كونه، وقد قال العرض العسكري بمناسبة العيد التاسع لثورة 21 سبتمبر هذه الحقيقة التي هي حقيقة ثابتة في قانون الله، لكن عمه الطغيان يوصل الأمم إلى المهالك.
يفترض بدول العدوان قراءة رسائل العرض العسكري المهيب قراءة واعية دون القفز على قوانين الله في كونه حتى لا يصل بهم الحال إلى دوائر الهلاك، كما حدث مع الأمم السابقة الذين سرد القرآن قصصهم، وقد كان القرآن الكريم حاضراَ في العرض كمنهج وكرؤية واضحة الدلالة لمن أراد أن يعود إلى منهج الله.
ذلك التنامي في القوة مع وجود الحصار وحركة التدمير الشامل لكل شيء في الحياة والعزلة الدولية، ومع وجود كُـلّ ذلك الترصد والمراقبة عبر أحدث التقنيات، ومع الشعور الطاغي بتدمير القدرات العسكرية لليمن إلى درجة عدم قدرة اليمن على التهديد أَو القيام بأي نشاط عسكري يكون له تأثير، جاء العرض ليقول لدول العدوان ولأمريكا والصهيونية: إن المارد اليمني الذي رأيتم بأسه الشديد -كما وصفه الله في القرآن- ما يزال صاحب قدرة وبأس شديد، وقد قالت المعارك على مدى ثمانية أعوام: إن القوة الحقيقية هي في الإيمَـان؛ ولذلك تهاوت أحدث المعدات العسكرية، وتساقطت المدرعات والمجنزرات من على رؤوس الجبال خوفاً ورعباً من قوة إيمان المجاهد الذي يطأ العتاد العسكري للعدو بقدمَينِ حافيتين.
تزامن هذا العرض مع مشاورات السلام بالوساطة العمانية ولعل المراوغة في سلام عادل ومشرف يحفظ لليمن عزته وكرامته وسيادته وتضحيات ثمانية أعوام سيجعل النتائج كارثية بعد أن تبدلت معايير القوة اليوم، وربما تتلاشى كُـلّ الأحلام، وفي التاريخ عبر لمن أراد أن يعتبر، وكلّ محاولات الالتفاف على خيارات السلام المشرف سوف تبوء بالفشل الذريع؛ لأَنَّ اليمن التي خاضت معركتها الوجودية بقدمين حافيتين وببندق كلاشنكوف، بعد أن دمّـر العدوّ كُـلّ شيء من مقدراتها واستخدم كُـلّ أنواع الأسلحة للدمار الشامل والقنابل الصوتية والفراغية -وبعض الأسلحة تم تجريبها في اليمن لأول مرة- كُـلّ ذلك وغيره مما تحتفظ به الذاكرة العسكرية ولا نحسن سرد تفاصيله قد كان، وتبدل في العرض العسكري الحال من ضعف إلى قوة رادعة قادرة على تغيير المعادلة في المنطقة كلها، وهي قوة مادية تؤازرها قوة إيمَـانية صنعت كُـلّ هذا البهاء والألق في جبين أهل اليمن.
وكما أكّـد الرئيس في خطابه عشية العيد التاسع أن اليمن مع خيارات السلام، وهي لا تهدّد أية دولة، ولكنها لن تقف مكتوفة اليدين إذَا تعرضت لأي استهداف، فالدفاع حق مشروع وتصبح الخيارات مفتوحة فقد لقينا من الصلف ما لقينا وصبرنا ولن نستهدف إلَّا من يريد بنا شرًّا أَو يضمر شِرًّا.
وعلى دول العدوان أن تدرك أن البلد الذي ظنوّه سهل المنال، وأن مهمتهم العسكرية لن تستمر أكثر من أسبوع فيه حتى يصبح مرتعاً خصباً لذئاب الشر من الأمريكان ومن بني صهيون ومن عرب الصحراء الذين لم تسعهم الصحراء في بداية العدوان وهم يفخرون ويرقصون في معبد الشمس في مأرب، ها هو ذلك البلد رغم العدوان والتدمير والحصار ينتفض كمارد كي يعيد ترتيب الأشياء في هذه الجغرافيا العربية التي تلوثت بدعاة التطبيع وبعبيد الأمريكان وتلوثت بقيم العمالة والارتهان والخضوع والفساد الأخلاقي والقيمي، لقد بعث العرضُ العسكري رسائلً واضحة الدلالة يقول مضمونها: لا يمكن لبلد يمتد عميقاً في التاريخ أن يفنى ولكنه يخرج من بين ركام الأحجار أكثر قوة وصلابة، وعلى مثل ذلك تحدث قانون التاريخ، لكن الكثير من عرب الصحراء لا يفقهون، ولو كانوا يفقهون ما أصبحوا أدَاة بغي وتدمير لأمتهم وشعوب المسلمين في عموم الجغرافيا العربية.