والتسبيح هو الذي أخذ المساحة الواسعة في التعبُّد داخل الملائكة، وداخل المخلوقات كلها، الله قال عن ملائكته {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20) وقال لنا، يخبرنا عن أنهم يسبحونه، ثم قال لك: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (الإسراء: من الآية44).. لتفهم ماذا؟ أنها قضية كبيرة، جريمة كبيرة، قبح عظيم أن تنسب إليه ما لا يليق به، ما يتنافى مع جلاله، مع قدسيته، مع كبريائه، مع عظمته، الأمر الذي لا يهز في الكثير منا شعرة واحدة، ولا ينطلق يتفاعل إذا ما سمع بأن هناك من ينشر عقائد باطلة.
يقولون: أن الله كذا وكذا، ويقولون أن رسول الله يشفع لأهل الكبائر، ويقولون بأنه يجب طاعة الظالمين، ويقولون كذا، فيقول: والله مجرمين. وانتهى الأمر، لا يغضب، لا يعرف أن هذه قضية غير عادية، أنها إساءة بالغة إلى الله سبحانه وتعالى. ولتفهم أن القضية مهمة جدًا تدفعك إلى أن تغضب لله، وإلى أن تبذل نفسك وتبذل مالك لتنصر الله سبحانه وتعالى فتقول لأولئك: لا. تنطلق في الحديث مع الناس عن تنزيه الله، وأن ما يقال بأنه كذا وكذا، وأنه شرع كذا وكذا، هذا باطل لا يجوز أن ينسب إلى الله. تنطلق في نصر الله كما قال لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (الصف: من الآية14).
ارجع إلى القرآن الكريم عندما يقول لك بأن كل من في السموات والأرض يسبحون له، والملائكة عملهم الدائم التسبيح له {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} هل لأن الله سبحانه وتعالى يعجبه أن يسمع ترديد التسبيح ليستمتع به؟ هو سبحانه وتعالى من هو منزه عن هذا، وإنما ليقول لنا: أن قضية أن نحافظ في أنفسنا على الإيمان بكماله المطلق الذي يدفعنا إلى أن ننزهه عن كل ما لا يليق به، وأن نسبة شيء إليه لا تليق به هي قضية كبيرة جدًا، وعلى من؟ هل سيصل ضرها إلى الله أو علينا نحن؟ علينا نحن.
لاحظوا عقائد من هذه أين جاء ضرها؟ هي قبح أن تنسب إلى الله سبحانه وتعالى، لكن أين حصل الضر؟ على الأمة، على البشرية نفسها؛ لأنه متى ما جوزنا على الله سبحانه وتعالى أن يكون في تشريعه طاعة للمجرمين استسغنا نحن البشر أن يحكمنا الطواغيت، وإذا حكمنا الطواغيت ما الذي يحصل في حياتنا؟ تضيع كرامتنا، تضيع عزتنا، نستذل، تصبح حياتنا ومعيشتنا ضنكة، نُضَام، نُقهر، يسود فينا الفساد، تغيب عنا وعن أوساطنا القِيَم المثلى والفضائل. وما السبب؟ قالوا لنا بأنه يجوز، وأن الله شرع هذا.
انظر كيف وصلت بالأمة هذه العقيدة وحدها، عندما قلنا في المحاضرة في القاعة يوم الخميس: أن أولئك الذين انطلقوا فوق منابر المسلمين ليدجّنوا الأمة للظالمين.. ألم يعلموا ما جنت أيديهم! كيف أصبح هؤلاء يدجّنون الأمة لليهود، وكيف أصبحنا في واقعنا الاقتصادي لا نستطيع أن نعيش شهرًا واحدًا – كما عاش أسلافنا قبل ألف سنة – معتمدين على أنفسنا!
أتحدى أن يستطيع اليمنيون أن يعيشوا شهرًا واحدًا معتمدين على أنفسهم وقوتهم من داخل بلدهم كما كان أسلافنا قبل ألف سنة، أولئك الذين نقول عنهم أنهم متخلفون، ومن أصحاب العصور المظلمة، ما الذي جعل البشر يصلون إلى هذا المستوى؟ هي هذه العقائد الباطلة. من أين استسغناها؟ من يوم ما آمنا وجوزنا بأنه يصح أن تنسب إلى الله فتكون جزءًا من دينه، وتكون مما شرعه لعباده، ونسينا ما كان بالإمكان أن يعمله التسبيح في نفوسنا لو رجعنا إليه.. عندما نجد الله يستنفر كل من في السموات ومن في الأرض ليسبحوه، وعندما يقول عن ملائكته أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
لكن هكذا عندما يصبح القرآن على ألسنتنا مجرد لَقْلَقَة باللسان، ويهمنا تجويد حروفه نحافظ على [الغُنَّة] وعلى [المد] و على[القلقلة] ونحوها.. وننصرف عن ما تريد منا هذه الآيات: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} حتى تتساءل لماذا التسبيح هو الذي أخذ المساحة الواسعة في التعبد؟ في صلاتنا تسبيح، في الركوع في السجود في القيام.. أليس كذلك؟ والتسبيح يُشَرع كذكر من أذكار الله المهمة: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).
عندما نسينا أو جهلنا، أو ابتعدنا عن هذه الآيات فلم ندعها تترك في نفوسنا الأثر المهم لها، هو أن نلمس أن القضية مهمة جدًا وخطيرة جدًا أن ننسب إلى الله ما لا يليق به في تشريعه، عندما نسينا هذا استسغنا عندما قالوا: هذا من دين الله، ورواه فلان عن فلان قال حدثني فلان أخبرني فلان قال قال رسول الله كذا كذا .. إلى آخره.. صدق رسول الله. واعتقدناها ومشينا عليها. يُكذب على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ويُفترى على الله سبحانه وتعالى.
فينبغي علينا أن نعود إلى هذه الآيات العظيمة نستلهم منها ما يحول بيننا وبين الوقوع في هذا الضلال الشديد {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (الروم: 17-19)
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن تملأ قلوبهم مشاعر عظمته، ممن ينطلقون في تنزيهه وتسبيحه وتقديسه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله – عظمة الله – الدرس الثامن
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 26/1/2002م
اليمن – صعدة
*نقلا عن : موقع أنصار الله