أي بشاعة تلك التي لم يعرفها تاريخ البشرية إلا في عصرنا!
كنا ومازلنا أمام كيان متجرد من أدنى القيم الإنسانية،
متسربل بوحشية لا تضاهيها وحشية،
وسفك دماء يُخجل حتى أعتى الطغاة على مر العصور.
كيان لا يقف عند حدود الجريمة،
بل يتفنن في إبداع صور الإبادة الجماعية،
وكأنه يعيد تعريف الوحشية بمقاييس جديدة.
أهو إجرام أم احتفال دموي؟
أهو احتلال أم عار لا ينمحي عن جبين الإنسانية؟
يقتل أصحاب الأرض ويقتلع جذورهم،
وكأن التاريخ يبدأ من حيث يقف هو،
وكأن وجود الآخرين خطيئة لا تغتفر.
يمنع الماء والطعام والدواء،
يستهدف النازحين الذين لجأوا إلى خيام ظنوا أنها حصن أخير،
ليحولها إلى رماد وأشلاء.
يقصف المستشفيات،
حيث ترقد جراح الأمل الأخيرة،
ليخنق أنفاس المرضى والجرحى،
وكأن الموت نفسه صار أداة في يده.
أي وحوش تلك التي نقارنها به؟ لا،
هذا الكيان لا ينافس الوحوش في وحشيتها؛
إنه يرفع سقفها إلى مستويات لا تطالها حتى خيالات أكثر الكوابيس فزعًا.
الوحوش،
على فظاعتها،
لا تعرف هذا القبح المتقن،
هذا الاستمتاع في تحويل الحياة إلى مقابر جماعية.
ثم أين العالم من هذا كله؟ آهٍ من عالم أصم أذنيه وأغمض عينيه،
عالم يغني أغاني "الحرية" و"العدالة"،
لكنه يخرس في حضرة القتل.
أما عن أبناء جلدة الضحايا أنفسهم،
فالخذلان بلغ فيهم حد أن صاروا شركاء في الصمت،
أو أسوأ،
في تبرير الجريمة،
خوفًا أو طمعًا أو ذلاً.
الصمت هنا ليس مجرد عار،
بل هو الجريمة العظمى.
فمن يختار السكوت أمام هذا الإجرام،
إنما يمنح القاتل تصريحًا جديدًا بالقتل،
شهادة تبرئة ممضاة بالصمت والخذلان.
أي حضارة هذه التي تتغنى بها البشرية،
إن كانت تترك هذه الجرائم تمر دون حساب؟ أي إنسانية؟ لا،
ليست الإنسانية هي من تلطخت هنا،
بل نحن من شوّهناها،
بل نحن من أعدناها إلى الوراء قرونًا،
حيث كان البقاء للأقوى، لا للأعدل.
#إتحاد_الشعراء_والمنشدين