يتجلّى الصراع المحموم على سلطة مركز القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية بين كتلتي الجمهوريين ويقودها الرئيس الأميركي/ دونالد ترامب والديمقراطيين وتقودها السيّدة/ نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي ذي الأغلبية الديمقراطية في عدد من محاور الصراع السياسي العسكري على مستوى العالم كله تقريباً، حيث يبدأ ذلك الصراع من كوريا الديمقراطية شرقاً مروراً بالشرق الأوسط القديم الجديد وهي الجغرافيا الأكثر ازدحاماً بالتحديات والمشاريع على مستوى العالم ، وصولاً إلى قارة أميركا اللاتينية الخاصرة الرخوة للإدارات الأميركية المتعاقبة غرباً، هذه المساحات المتناثرة من جغرافية العالم هي مادةً انتخابية دسمة للحزبين العريقين سياسياً في الولايات المتحدة الأميركية، وهما مختلفان في كل شيء تقريباً في برامجهما الانتخابية عدى ما يمسّ أمن واستقرار الكيان الصهيوني الإسرائيلي، ومصالح أميركا الاقتصادية، والخوف من المنافس التاريخي القادم من الشرق وتحديداً من (روسيا والصين).
لكن ما يهمنا نحن في اليمن من كل هذا الصخب الإعلامي المنافق والترهيب العسكري والبلطجة السياسية العابرة للقارات التي تقوم بها الإدارة الأميركية الحالية تجاه العالم بأسره بمَن فيهم الحلفاء والأصدقاء لها و حتى توابعها، كل ذلك لا يعنينا في شيء سوى في حدود التماس مع مصلحة شعبنا ووطننا العزيز اليمن.
مع إدراكنا المسبق بقواعد اللعبة الديمقراطية في داخل الولايات المتحدة الأميركية وصراع الحزبين المتصارعين (برنامجياً) للاستيلاء على مركز القرار السياسي لإدارة دفّة الحكم هناك ، وبالذات (بالبيت الأبيض) سيّئ الصيت والسمعة عالمياً، وهنا أودّ التذكير بأن سيّد البيت الأبيض قد استخدم نفوذه وصلاحياته بتفعيل قرار (الفيتو) الرئاسي بتاريخ 17 نيسان/ أبريل 2019م لإبطال قرار الكونغرس الأميركي القاضي بإلزام إدارته بوقف مشاركة الحكومة الأميركية في إسناد ودعم المملكة العربية السعودية في حربها العدوانية على الجمهورية اليمنية بالسلاح والذخائر والأقمار الصناعية التجسسية وجميع التسهيلات اللوجستية، وقد تعرّض قرار فيتو الرئيس/ دونالد ترامب لموجة شديدة من الانتقادات اللفظية من قِبَل سياسيين وتشريعيين وأكاديميين وإعلاميين وحقوقيين حول العالم، لكن لسان حال الشعب اليمني يقول ماذا أفادني كل هذا النقد والضجيج الإعلامي ؟.
خاصة إذا ما نظرنا إلى الواقع المُر والمُعاناة الإنسانية الرهيبة وتلك الأرقام المخيفة التي أظهرتها المنظمات الإنسانية العالمية العاملة في اليمن، التي تقول بأن هناك 250 الف مواطن يمني ماتوا حتى اللحظة ، ومع أننا نتحفظ كثيراً على رقم الضحايا، لأن بياناتنا تشير إلى أرقام أكثر من ذلك بكثير، لكننا سنورد الرقم للتدليل فحسب على هذه المأساة التي كان سببها المباشر الحرب الملعونة التي تشنّها المملكة العربية السعودية ومشيخة الإمارات العربية المتحدة وبدعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة الأميركية ضد الشعب اليمني، بالإضافة إلى ممارستها لحصار شبه كلّي على البر والبحر والجو، إضافة إلى تدنّي مستوى الخدمات الصحية والرعاية الأولية وتدمير شبه كلّي للمرافق الصحية والتعليمية وغيرها.
كما يتابع العالم بأسره اليوم واضعاً يده على قلبه من ذلك التحضير المحموم لشنّ معركة عسكرية أميركية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، من خلال تحريك حاملات الطائرات الأميركية إبراهام لنكولن وغيرها وهي تمر عبر قناة السويس باتجاه بحر العرب والخليج ، وهبوط أسراب من طائرات بي 52 العملاقة في القاعدة الأميركية في منطقة العُديد في قطر وتحريك المزيد من القطع البحرية باتجاه مضيق باب المندب للمواجهة مع ايران، كما ويتابع العالم بأسره كذلك تلك الإجراءات العقابية المتهوّرة التي تمارسها الإدارة الأميركية بجناح صقورها الإجرامي (بولتن — بومبيو — بنس ) ضد الشعب الإيراني الشقيق بهدف خنقها اقتصادياً ومحاسبتها على كل ما قدّمته وتقدّمه من دعم وإسناد لمحور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط المتمثل في (المقاومة الفلسطينية بجميع فروعها ضد الاحتلال الإسرائيلي، الحكومة الشرعية في الجمهورية العربية السورية، المقاومة اللبنانية بجميع عناصرها، جميع الأحرار بالعراق، المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية).
الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم تدفع ثمن الصراع الانتخابي بين الحزبين الأميركيين الديمقراطي والجمهوري، وحينما وقّع الرئيس باراك أوباما (الديمقراطي) على الاتفاقية النووية مع إيران في ما يعرف باتفاقية (خمسه + واحد) مع إيران و تمّ التصديق عليها من مجلس الأمن الدولي، علماً بأن جميع دول العالم قد باركت هذه الاتفاقية باستثناء اعتراض وتوجّس قيادة المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني الإسرائيلي فحسب!!!، وحينما تمّ انتخاب الرئيس دونالد ترامب (الجمهوري) قام بإلغاء مشاركة أميركا في التوقيع على الاتفاقية النووية مع أنها قد أصبحت (وثيقة) اتفاقية أممية مُلزمه لجميع دول العالم، لكن ولأن العالم اليوم محكوم بقانون الغاب وبلطجة رُعاة البقر فقد ألغى وبجرّة قلم سيّد البيت الأبيض بنود الاتفاقية في استعراض بهلواني سخر منه الرأي العام العالمي من حركته وتصرّفه لكن لم يستطع أن يغيّر من الأمر شيئاً!!!. وواصل هو وإدارته المتطرّفة إجراءاته العقابية الاقتصادية ضد الشعب الإيراني.
الخلاصة :
تشير أكثر القراءات الاستراتيجية الواقعية في الشأن السياسي، إلى أنه في حال نشوب حرب جديدة في الخليج تقودها أميركا مرة ثالثة، فإن تداعياتها ونتائجها ستكون كارثية على المنطقة برمّتها ، وستكون جميع البلدان المطلّة على الخليج (العربي) خاسِرة تماماً ، لكن الدول الأكثر تضرّراً ستكون دول مجلس التعاون الخليجي والكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، وقد تنشأ كنتيجة طبيعية لما بعد الحرب كيانات و دويلات جديده بدلاً من الدول القائمة الحالية، وفي حال إطالة أمد الحرب قد تتوسّع مساحتها الجغرافية لتشمل مناطق جديدة، وقد تشترك قوى عُظْمَى جديدة في معادلة الحرب وستصبح حرباً شبه عالمية، ولأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم قد أصبحت قوّة عسكرية إقليمية كبيرة وتمتلك مع وحلفائها أذرع صاروخية طويله مُدمّرة ستصل من دون شك إلى أكثر الأمكنة حساسية أمنية واقتصادية لدى خصومها، فإن تفوّقها أصبح في حُكم المؤكّد.
أية معركة عسكرية مع الشعب الإيراني اليوم هي عبارة عن محاولة استفزاز وأسر فيل ضخم هائج يتجوّل في متجر أنيق محشو بالبورسلان النقي غالي القيمة والثمن، والله أعلم منا جميعاً.