هلت عشر المغفرة على الصائمين المحتسبين ولكن أيادي المجرمين الضالين تأبى إلا أن تحط في عامها الخامس بالقتل والدمار على رؤوس الأبرياء فتهدم بيوتا وتمزق أجسادا وتنهب أعمارا وتقضي على حلم طفلة وطفل، وأمل شاب وشابة، وطمأنينة أم وأب وهدأة مسن ومسنة، تأخذ كل ذلك بعنف صواريخها وتباغتهم كعادتها الغادرة في ضحى يوم من أيام الشهر الكريم الذي لم تصم فيه طائرات العدوان قط عن شرب دمائنا ولا صامت عن أكل لحومنا بل استمرأت المجاهرة بإفطارها بأسرة كاملة أبادتها في أول عشر المغفرة من خامس رمضان تتعمد الإفطار فيه بنا. وليست هذه أول جريمة إبادة جماعية لأسر كاملة تأتي الطائرة نافثة كل حقدها صواريخا وقنابل فتمحو من خارطة الحياة وجود عائلة لم تشكل أي خطر على نفط الخليج ولا حلمت بالاستيلاء عليه وربما لم تغادر حيها الصغير ولم تعرف بصفقة القرن ولا بخارطة أطماع تقودها في الظاهر دويلات النفط وتسيرها في الحقيقة وفي العمق أيادي الصهاينة والأمريكان.
كم جسد غض صغير ربما لم ينطق بعد بكلماته الأولى جاءه الصاروخ لينطق بآهته الأخيرة ويودع العالم وأطماعه ومؤامراته دون أن يدري عنها شيئا، ومع ذلك تقول قنوات المكر والبهتان إنها قضت على قيادي من الصف الأول، علما أن الصغير القتيل لم تكن سنواته القليلة قد هيأته لدخول الصف الأول الابتدائي حتى، وبعضهم كان يفترض أن يدخل المدرسة ولكن جبروت المعتدين حرمه من الصف الأول وقتله باسمه.
كم أم طايرت أشلاءها القنابل بعد أن طحنتها المعاناة وكدر عيشها هم إطعام صغارها بعد أن سرق المعتدون لقمة عيشها وقتلوا عائلها وحاربوا كل أسرة يمنية في اللقمة والمأوى ونجحوا بخبث في جر عائلات كانت مستورة إلى تقاريرهم عن المجاعة والفقر ليضعوها مجردة من الوجود الحي في خانة الأرقام الجامدة البليدة التي تتحدث عن أسوأ كارثة إنسانية في الوقت الراهن تعيشها الأسر اليمنية ويتباكى عليها العالم دونما حلول حقييقة لوقف كل هذا البؤس والعذاب الذي صنعه المعتدون وتاجروا به.
كم أب باغتته الغارة القاتلة وهو ما زال يحاول النوم الذي استعصى عليه وهو يفكر كيف يحمي صغاره ومن أين يجلب قوت يومهم وكيف يستر عريهم أو يوفر لهم أقل الاحتياجات التي صار الضروري منها في زمن العدوان ترفا لا يطيق الآباء الوصول اليه كما كانوا يفعلون قبل عاصفة الغدر والحقد التي أتت على كل فسحة أمل فقصفتها، وعلى كل مساحة حياة فأحرقتها.
كم أخوة وأخوات صغار كانوا يتقافزون فرحا رغم كل ما حولهم وينسون أهاليهم قسوة العدوان ويمدونهم بأمل العيش وبتجاوز الموت والفاقة أخرست الغارة المميتة ضحكاتهم وبددت أفراحهم وأنهت دونما سبب يفهمونه تلك الحياة التي لم يرق للمعتدين أن يروضها هؤلاء الأطفال وأن يلونوها بلون مغاير للون الدم الذي أراد المعتدين ألا يكون سواه لونا للحياة في اليمن.
لكن اليمن وإن لم يفهم المعتدي الغبي أكبر منه وأجل وأبقى، وكل جريمة هي اكتمال ايمان لنا وتعاظم خطايا تنذر بمسيره إلى النقصان والزوال.
بعد أعوام خمسة جرب فيها العدو كل ما لديه من ترهيب وتقتيل وتدمير فاق فيها الشياطين أنفسهم وسجل تفوقا في خرق كل القيم والدوس على كل الشرائع والقوانين يعد هذا كله لم يحقق العدو تقدما على الأرض ولم ينتصر في أي جبهة إلا جبهة القتل والتخريب والحصار والتجويع أي أنه تفوق في جبهة الخزي والعار والخروج من الإنسانية تماما.
وانتصر اليمن لنفسه وبنفسه فسجل اليمنيون بطولاتهم الاستثنائية وتماسكهم المنقطع النظير و بينوا قدرتهم الفذة على المواجهة والرد والردع وصبرهم الفولاذي على التجويع والحصار حتى جوعوا الجوع وحاصروا الحصار وكسروا كل إرادة للعدو وأفشلوا كل مؤامرة وردوا العاصفة عليه أعاصير وزلازلا وبراكين ومسيّرات تشفي صدور المؤمنين وتردي القتلة المعتدين.
إن جريمة الحادي عشر من رمضان لن تهز إيماننا بل سنسجلها في قائمة الثأر من العدو وستكون حافزا لذوي الضحايا ولكل أفراد الشعب في المضي في مواجهة شعارها الإيمان والحرية والكرامة والسيادة لعدو شعاره الشرك والقتل والتركيع والتجويع، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويأبى اليمنيون إلا أن يتبعوا النور الإلهي وينصروا الدين الحق كما نصروه أول مرة.
#د.ابتسام_المتوكل
#في_حضرة_وطن
#جريمة_شارع_الرقاص