أسوأ مافي هذه الحياة أن تباغتك الجغرافيا بجار نرجسي وجاهل يبيع كل يوم عشرة ملايين برميل نفط ، ويراك من داخل البرميل ،
تقييمك سيكون فادحا للغاية إذ لا تعود بالنسبة للبرميل سوى عبء وورطة ، لن يروق البرميل محاولتك الوجود كدولة ديمقراطية تمتلك جيشا وألفي سنة خبرة دولة ، أي محاولة تقدم ووجود لائق سيستفز نرجسيته النفطية ويعتبر ديمقراطيتك تعريضا بعبوديته وقد تخلى عن إنسانيته وحقه في أن يكون مواطنا يشبه مواطني العالم مقابل راتب جيد والكثير من الأرز والسيارات .
يدرك كل نظام سياسي ثري حاجته للتوازن الجغرافي والسياسي مع الدولة المجاورة ، منتهيا لتصنيف الحالة باعتبارها إفصاحا عن طبيعة الجغرافيا ومحددات الاقتصاد من موارد وإمكانات ، شأن الولايات المتحدة والمكسيك حيث يكون هناك تفسير منهجي للجوار المتباين وأسباب النزوح والبحث عن فرص ، يعالجونها بالمنطق والعلم ، بينما يحيل السعودي على الابتلاء والحظ كأي محدث نعمة لا هو سمح لك باكتشاف ثرواتك وتشييد دولتك ولا هو استخدم ثروته في تأهيلك اقتصاديا بل راح يشتري ولاء كل ما هو سيئ وخارج ومناهض لفكرة الدولة والمفتقر للانتماء ، يصرخ فحسب كأي جشع مدلل لم تمكنه بفقرك من تحقيق انتصاره الكلي المشروط بالإذلال والانسحاب كلية من مجال نعمته وعدم التدخل في تدخله الغبي الذي فوجئ أن الفقراء ليسوا متعاونين تماما ولا كرماء بما يكفي لمنحه انتصارا سهلا ،
هذا التشكي المدلل والنرجسية تجاه اليمن هو فقط ما يقتسمه السعوديون بعدالة ، بين الأمير والمواطن وأستاذ الجامعة والأمير القديم من آل ماقبل آل سعود ، الممثل والمغني والقرني والدوسري وهذا الجبرين .
هذه البلاد اقترعت وشاركت العالم الحر تجربته الديمقراطية ولو في حدودها الدنيا ، هذه البلاد اغتربت في بقاع العالم وقدمت تلك التجربة الإنسانية للفقير الذي منح المكان الذي هاجر إليه ثروة ، وحين اغترب لديكم بقي في مرايا نرجسيتكم ذلك العدو المعتد بنفسه وينبغي إذلاله ، الجالية الأقل جنوحا للجريمة والأكثر جهدا وتقبلا للمردود القليل ، مثلما يجنح أي مثابر طموح لإخفاء طموحه عن عين ثري حولته القبضة الفولاذية والقهر بذراع الملك وفتوى الواعظ لهذا الشكل من انمساخ اخلاقي ولجج متخلف ، يصرخ بوجهك ويذكرك كل صباح بكونه ولي النعم الذي منحك فرصة كسب شريف ولم تمنحه بالمقابل عرضك ،
هذه البلاد ” الجاهلة ” تعج بحشود ممن تعلموا ليختاروا حياة لائقة بتاريخهم وإنسانيتهم وليشبهوا مستقبل بلاد فخختموه بثروتكم الملعونة ، بينما التحقتم انتم بجامعات العالم لتشبهوا مستقبل عائلة تريد أن تبدو أفضل قليلا من تلك الصورة للبدوي الذي يبيع النفط ويشتري الجواري والأغنام وأورثكم كل هذه الجهالة المختالة ، سنكون جيرانا أفضل عندما تشبهوننا قليلا في نضال البحث عن حياة كريمة ننتزعها من كبد الصخر ، وستظلون هذه المعضلة التي ابتلي بها العالم وأنتم هكذا تتواجدون بشراء حياة الآخرين .