تتفاقم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم بفعل استمرار العدوان والحصار المطبق ومنع حركة الصادرات والواردات من “المواد والسلع” وتصعيد دول العدوان لحرب التجويع والإماتة الجماعية على اليمنيين ، وقد كان من الممكن أن تكون النكبة أقل سوءاً بكثير في حال استمر دفع المرتبات للموظفين الذين يزيد عددهم على المليون موظف ، وما قد تؤدي إليه من تحسين القدرة الشرائية لدى الأسر ، مروراً بإنعاش الدورة الاقتصادية في البلاد ، وصولا إلى انعكاساتها في جعل الغذاء في متناول الجميع.
غير أن ما تعرض له البنك المركزي من مؤامرات عدوانية كانت الأكثر تأثيراً في حرب الإفقار والتجويع التي تعرض لها اليمنيون ، وقد جاء قرار نقل وظائف البنك المركزي في صنعاء وقرصنتها ليحرم ما يزيد عن مليون موظف من رواتبهم لأكثر من ثلاثة أعوام ، وكل الأموال والموارد ترسل كحوالات ومنح وهبات ومكافآت وعمولات يتموّل منها مرتزقة العدوان في فنادق الرياض وأبو ظبي وتجمعات القاهرة وتركيا ، وحسب المعلومات فإن أقل شخص يعيش في الرياض أو غيرها من المرتزقة يحصل على أربعة آلاف دولار شهريا!
كان اليمن يعاني من الفقر وسوء التغذية والمياه غير الآمنة وسوء الصرف الصحي قبل شن الحرب العدوانية الغاشمة عليه عام 2015م، تفاقمت لديه هذه المشاكل بعد العدوان وبشكل حاد ، وبحلول نهاية عام 2018، قدّرت “منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة” أن 20.1 مليون يمني (69.5٪) كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و9.8 مليون (33٪) من الانعدام الشديد – أي أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم من العام الذي سبق العدوان على اليمن.
في سبتمبر/ أيلول 2016، أصدر الفار “هادي” قراراً بنقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن ، على إثر القرار الكارثة توقف دفع الرواتب نهائيا ، الأمر الذي شكّل تحديات ومخاطر فاقمت الأزمة الإنسانية والمعيشية لليمنيين ، فيما قبل هذا التاريخ استمر البنك المركزي في صنعاء بإرسال الرواتب إلى كل الموظفين في أنحاء الجمهورية اليمنية بما فيهم مرافقو وحراسات هادي وعلي محسن وكبار المرتزقة ، وحتى شهر سبتمبر 2016م ، واصل البنك المركزي في صنعاء القيام بوظائفه في دفع الدين العام ، وضبط أسعار العملات الأجنبية بين 215 ريالاً ، و250 ريالاً ، ودعم الواردات الأساسية ، حتى مع حجب ونهب إيرادات النفط والغاز وموانئ ومطارات عدن وبقية المحافظات التي وقعت تحت قبضة المرتزقة كانت المرتبات ترسل لكل المحافظات من العاصمة صنعاء.
في ذلك الوقت كان البنك المركزي يحتفظ بقدرته على تغطية المرتبات شهريا بشكل منتظم ، غير أن الضغوط المتزايدة عليه من قبل سلطات الفار وسفراء الرباعية توّجت بتوجيه طلب رسمي إلى محافظ البنك المركزي باتخاذ قرار يقضي بوقف دفع الرواتب ، وحين رفض هذا الطلب جملة وتفصيلا تصاعدت حرب التجويع ، وانتهت بقرصنته ونقل وظائفه إلى عدن ، ومن ثم توقف دفع الرواتب ، وخدمة الدين العام وضبط أسعار العملات, وتُركت البلاد لفراغ متعمّد أرادوا من خلاله تجويع الناس وإخضاعهم بالجوع والحاجة والفقر والمرض.
عقب قرصنة وظائف البنك في صنعاء ، تعهد الفار هادي بدفع رواتب الموظفين في كل المحافظات في كلمة له أمام الأمم المتحدة ، لكن أيا من ذلك لم يحدث وحتى اللحظة, ومنذ نهاية العام 2016م أنقطت مرتبات اليمنيين وتحولت إلى مخصصات انتقائية وحزبية ، وأخرى تحولت إلى غنائم ومنهوبات يعبث بها قادة المرتزقة ، ويمولون مكتسباتهم ومصالحهم ، فاشتروا بها العقارات والاستثمارات الطائلة في عواصم دول عربية وإسلامية وأوربية ، غير مكترثين بحال المواطنين في اليمن شمالا وجنوبا.
يرفض المرتزقة حتى الآن تنفيذ اتفاق السويد في ما يخص المرتبات وتوريد إيرادات النفط والغاز إلى حساب مخصص في فرع البنك المركزي بالحديدة ، وقد نجحت مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى في الأشهر الماضية بتوجيه حكومة الإنقاذ فتح حساب المرتبات وتوجيه إيرادات ميناء الحديدة التي تصل إلى عشرة مليارات ريال شهريا كمتوسط إلى الحساب ، نجحت في صرف نصف راتب بعد ثلاثة أشهر ، وكان من المتوجب على المرتزقة تنفيذ اتفاق المرتبات وتوريد إيرادات النفط والغاز إلى هذا الحساب المتفق عليه ، لكننا أمام لصوصية فاحشة حيث تكشف الأرقام أن أكثر من 12 تريليون ريال هو إجمالي المنهوبات التي استحوذ عليها كبار المرتزقة من إيرادات النفط والغاز فقط ، ناهيك عن بقية الموارد المنهوبة.
وجه آخر للصوصية التي يمارسها هؤلاء كشفتها معلومات نشرتها وكالة الأناضول التركية الرسمية ، غير ما يتسرب في وسائل الإعلام من معلومات أكيدة وإن لم تكن رسمية تكشف الثراء الفاحش لكبار المرتزقة ، وحتى صغارهم الذين يحصلون في حد أدنى كما تؤكد المعلومات على ما يزيد عن 3 آلاف دولار شهريا ، وأشير هنا إلى هذه المعلومات التي أوردتها وكالة “الأناضول” التركية الرسمية قبل أيام ، حيث ورد في خبرها الآتي:
(كشفت بيانات رسمية تركية، إقبال اليمنيين بشكل كبير للاستثمار في تركيا، وبالأخص في مجال العقارات والتجارة ، وبحسب البيانات شهد عام 2017 تأسيس 44 شركة برؤوس مال يمنيين ، و79 شركة خلال عام 2018، وفي الأشهر السبع الأولى من العام الحالي بلغ عددها 41 شركة، ليؤسس اليمنيون 164 شركة في تركيا خلال آخر عامين ونصف العام ، وفي معرض تعليقه على الأمر، قال رئيس شركة العقارات الأمريكية “كولدويل بانكر” في تركيا، غوكهان طاش، إن “اهتمام اليمنيين بتركيا برز بشكل جلي في المجال الاقتصادي أيضا؛ حيث يتزايد عدد الشركات التي يؤسسها اليمنيون بتركيا كل يوم” ، وكشفت أرقام هيئة الإحصاء التركية، دخول اليمنيين قائمة الأجانب الأكثر شراء للعقارات في عموم تركيا، بل إنهم حلّوا ضمن الـ10 الأوائل في القائمة نفسها ، وبحسب المصدر ذاته، فإن قطاع شراء العقارات في البلاد، شهد إقبالاً غير مسبوق من قبل اليمنيين خلال العام الجاري، حيث أن عدد المنازل التي اشتراها يمنيون في تركيا ارتفع بنسبة 536 بالمئة خلال الشهور التسعة الأولى من 2019، مقارنة مع الفترة ذاتها من 2015 ، وازداد عدد المنازل التي اشتراها يمنيون في تركيا إلى 1082 منزلا في الفترة بين يناير/كانون الأول – سبتمبر/أيلول 2019، مقابل 170 منزلا فقط في الفترة المقابلة من 2015، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء التركية “الأناضول”، عن بيانات هيئة الإحصاء التركية ، وبلغت الزيادة في مبيعات المنازل لليمنيين، 5.5 أضعاف الزيادة في مبيعاتها للأجانب الآخرين، خلال الفترة المذكورة)