احتفل شعبنا اليمني العظيم في الأسبوع الماضي بالذكرى الـ 52 لطرد وترحيل آخر جندي بريطاني من أرض اليمن الطاهرة، وبالذات من مدينة عدن في الـ 30 من تشرين الثاني/نوفمبر1967م. هذه المدينة التي رزحت بالأمس تحت الاحتلال البريطاني قرابة 128عاماً (19 كانون الثاني/يناير 1839- 30 تشرين الثاني/ نوفمبر1967م).
كانت الاحتفالات في هذا العام مميزة وجميلة وزاهية في المحافظات الحرة التي لم تطأها أقدام الغُزاة، مصحوبة بنصر من عند الله تمثّل في الكثير من إنجازات قواتنا المسلحة واللجان الشعبية في العمق السعودي، وإسقاط طائراته الأباتشي والطائرات المسيّرة التجسّسية، وفي مشاهد الانتصارات العسكرية تحت العنوان البارز (نصرٌ من الله) وجميع الانتصارات على مختلف الجبهات العسكرية في أكثر من 45 جبهة مواجهة عسكرية مفتوحة مع العدو وعملائه ومرتزقته.
أما احتفالهم في عدن المحتلة وعدد من عواصم المحافظات، فكانت عبارة عن ملهاة. ظهرت احتفالاتهم بائسة وهزيلة وخجولة لأنهم يحتفلون بنقيض فكرة الاستقلال والحريّة بنسبة 100%، لأن العملاء والعبيد يأخذون الإذن المسبق من الضابط السعودي الإماراتي المُحتل لأي احتفال وأي نشاط يودّون القيام به. كيف لا؟ والمواطن اليمني يشاهد بحسرة وجود الأعلام الأجنبية ترفرف عالياً على جزء غالٍ وثمين من وطنه، مصحوبة تارة بالعلم الوطني اليمني على نحو خجول، وطوراً بالعلم الشطري لدولة التشطير الشمولي (التوتاليتاري) الظاهر بدون حياء ولا خجل.
والغريب أنّ بعض احتفالاتهم التي تباهوا بها خلت تماماً من أي مظاهر وطنية يمنية بالمطلق، مثال على ذلك مناسبة إعادة فتح مطار الريان بمدينة المكلا، التي ظهر فيها عدد من (المسؤولين) اليمنيين الحضارم وإحدى الشخصيات من مشيخة الإمارات مع جمع من الأطفال الذين يحملون أعلاماً وصوراً وشعارات دول العدوان السعودي والإماراتي، كيف يستقيم أمر كهذا؟ وفي حالة مأساوية أخرى تشاهد (مسؤولين يمنيين!!!) يَصلون إلى مطار عدن الدولي بطائرة سعودية ويكون في استقبالهم ضباط سعوديون مع كلابهم البوليسية المدربة جيداً على الحماية والمباغتة، ويليهم في الاستقبال (مسؤولون يمنيون) من جميع المستويات، أي أن ترتيبهم يأتي بعد الكلاب البوليسية السعودية. كيف يرتضي هؤلاء (المسؤولون) ذلك الأمر؟ وكيف شاهد المواطن اليمني البسيط ذلك المشهد المتناقض مع روح وفكرة الحرية والكرامة والشرف والاستقلال، الذي حققه اليمنيون يوم الاستقلال الوطني عام 1967م؟
كيف سيقرأ المثقف الوطني المرهَف الإحساس، والمؤرّخ الجادّ الموثوق به في كتاباته، والعالم الجليل، والإعلامي الحر الصادق ذلك التناقض الصارخ بين واقع حال ما شاهدوه وما يعايشونه في أيامنا هذه، وما كتبه وما ردّده قادة الحركة الوطنية اليمنية الجنوبية والشمالية وما سجلوه من إرث وتراث ثقافي وسياسي وطني سُجلت في إضبارات وكتب وصحف ومجلات وتقارير محفوظة بأمانة في رفوف التاريخ، الذي لا يمكن نسيانه لمجرد إثارة الغبار حوله ورشّ العملات الصعبة (لدواشن الإعلام)، لأن المواقف والكتابات الوطنية إرث ثمين للأجيال اليمنية المتعاقبة.
فلنتذكر معاً خطابات ومحاضرات وكتابات القادة اليمنيين أمثال المفكر عبدالله عبدالرزاق باذيب، وعلي عبدالرزاق باذيب، وأبو بكر عبدالرزاق باذيب، وعبدالفتاح إسماعيل علي الجوفي، وفيصل عبداللطيف الشعبي، ومحمد عبدالعليم بانافع، والرئيس علي ناصر محمد (أبو جمال)، والمفكر أنيس حسن يحيى (أبو باسل)، والحاج صالح باقيس، ومحمد صالح عولقي، وعلي أحمد السلامي والدكتور سالم عمر بكير، والمفكر علي صالح عُبَّاد (مقبل)، وخالد محمد عبدالعزيز، ويحيى الشامي، والدكتور حسن أحمد السلامي، والشاعر أحمد محمد بامعبد، ومحمد سعيد عبد الله (محسن) وخطابات ومواقف الرئيس قحطان محمد الشعبي، والرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، وعلي أحمد ناصر (عنتر)، والشاعر أحمد مساعد حسين، والأستاذ أحمد محمد النعمان، والدكتور محمد علي الشهاري وصالح مصلح قاسم (المهدي) وفضل محسن عبدالله اليافعي، ومحمد علي هيثم، وعلي سالم لعور، وسالم صالح محمد اليافعي، وهادي أحمد ناصر العولقي وفاروق علي أحمد، ومحمد صالح مطيع، وعبدالله صالح البار، والدكتور سيف صائل خالد، والشاعر راشد محمد ثابت، ومحمد أحمد غالب الضالعي، وعبد الغني عبدالقادر، والسفير عبدالوكيل إسماعيل السروري، وخالد أبو بكر باراس، وأحمد ناصر الحماطي.
خلاصة محاضرات وكتابات وخطابات ومواقف جميع من سلف ذكرهم من القادة المناضلين تمحورت حول الآتي:
أولاً: التركيز على قيم الثورة والحرية والعدالة الإنسانية للمواطن اليمني.
ثانياً: التركيز على قيمة ومبادئ الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً.
ثالثاً: الدفاع عن حياض الوطن وكرامة الإنسان اليمني من أي مستعمر قديم أو جديد.
رابعاً: التحذير من الارتماء في أحضان الدول الرجعية والاستعمارية المُعتدية.
خامساً: أهمية تحرير القرار السياسي لليمن الحر المستقل.
سادساً: بوصلة الاتجاه السياسي مصوّبة نحو تحرير فلسطين والقدس الشريف ومنع التطبيع مع العدو الإسرائيلي الصهيوني.
سابعاً: الانتصار لقيم العدالة الإنسانية على مستوى العالم كله.
وبعبارات إضافية فإن المؤسّسين الأوائل من الطبقة السياسية الجنوبية، أو من عاش بينهم في جنوب الوطن، رفضوا بالمطلق التدخل العربي والأجنبي في تحديد مسار بوصلة السياسة الداخلية والخارجية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهذا يتناقض كلياً مع ما يحدث اليوم في عدن، وما يرتكبه المحتل بحق جزء من شعبنا اليمني في المحافظات الواقعة تحت الاحتلال.
والكارثة السياسية الأخلاقية أنّ من يدّعون اليوم (الشرعية اليمنية) هم ذاتهم وبشخوصهم الفردية والجماعية ارتموا في حضن المستعمر الجديد السعودي الإماراتي، ويعيشون في فنادقه وقصوره ومنتجعاته في الرياض وأبو ظبي ودبي، والكارثة الكبرى أن هؤلاء العملاء لا يستطيعون الحضور إلى مدينة عدن أو أي محافظة يمنية يسمّونها (محرّرة) إلّا بإذن من المحتل، الذي يشترط إذلالهم عند السماح لهم بزيارة هذه المدينة أو تلك.
وللتذكير فحسب، فإن مَن سافر وهرول من القادة السياسيين (اليمنيين) إلى مدينة الرياض راكباً صهوة طائرته أو سيارته أو حتى بغله وحماره، ليعقد هناك مؤتمراً خيانياً وهو ما سُمي مؤتمر الرياض عاصمة دولة العدوان، وهم من قادة الأحزاب اليمنية والشخصيات القبلية الاجتماعية ومن كانوا يمثلون السلطة (الشرعية)، ذهبوا إلى هناك منبطحين وطالبين الغوث من العدو ضد شعبهم ووطنهم- مع قبضهم الثمن المالي الرخيص – فهم في تلك اللحظة وما تلاها يمثلون قمة الخيانة والعار الأسود ضد شعبهم اليمني، والعمالة الدنيئة للعدو وهو شكل أخلاقي هابط للارتزاق والتزلف لطلب العون من رأس العدوان على اليمن.
هكذا سيسجل التاريخ لهؤلاء العملاء بأحرف من مداد العار والرذيلة تاريخهم الخياني الأسود، وسيسمّيهم ذلك السجل المحدد بالاسم والوظيفة والمنصب الحزبي والمناطقي والمذهبي وحتى الديانة والأعمار واللقب القبلي والعائلي، لأنهم ببساطة تاجروا وباعوا واشتروا بأرواح ودماء اليمنيين الآمنين في مدنهم وقراهم، ولعمري فإن ما أقدموا عليه هو فعل شائن لن يتهاون معه الشعب اليمني بالمطلق.
وللتذكير هنا فإنهم هللوا ورحبوا بمجيء الأعداء الأجانب من (سعوديين، إماراتيين، بحرانيين، سودانيين من الجنجويد، ومن شركات البلاك ووتر الأميركية والإسرائيلية)، الذين كانوا قد رحبوا بهم في شواطئ عدن وساحاتها في تموز/يوليو 2015م، ورفعوا الأعلام والشعارات والصور لقادة دول العدوان، فهم يتساوون في حجم الجريمة المُرتكبة في حق اليمن وشعبه الأبي، حتى وإن فرّقت بينهم المصالح المادية والجهوية والسلطوية، فالمواطن اليمني يعرف أن المرتزقة انقسموا إلى فريقين:
– الفريق الأول ذهب لخدمة المعتدي السعودي.
– الفريق الثاني فضّل الخدمة والارتزاق مع شيوخ الإمارات العربية المتحدة.
هذا الفريق الثاني يحتاج منا إلى مقالة أخرى لإغنائها بالوقائع والشواهد والأدلة التي بها فضّلوا الارتزاق والعمالة للعاصمة أبو ظبي. فإضافة إلى خيانتهم اليمن وعملهم مستأجَرين مع الخارج، فإن مشروعهم السياسي المُعلن عنه قائم على أساس الجهوية العنصرية المقيتة، والشللية المناطقية المريضة، ولتحقيق هدفهم الانفصالي المريض ذاك، برهنوا للعالم كله أنهم على استعداد تام للعمل في خدمة أي مشروع لأي محتل أجنبي أو عربي أو حتى صهيوني، بعيداً من مبادئ الشرف والكرامة والأخلاق، والأمر الأهمّ والرئيسيّ لديهم أن يحققوا انفصال جنوب اليمن عن شماله، وفقاً للقاعدة الميكيافيلية بأن الغاية تبرّرها الوسيلة.
الخلاصة:
في هذه الأثناء (أي في أثناء كتابة هذه الأسطر) يتقاتل الفريقان بشراسة الوحوش في مدن المحافظات الجنوبية المحتلة، وبالذات في محافظتي أبين وعدن، ليكرّروا جريمة معارك آب/ أغسطس الماضي، التي راح ضحيتها العشرات وربما المئات من المدنيين من أبناء عدن، وكذلك من الشباب المغرّر بهم من المحافظات الأخرى، وبالنتيجة هي من أجل السيطرة والاستحواذ للمستعمر الجديد، الذي يتفرغ لترتيب أوراقه وخططه ومشاريعه التقسيمية، ويستمر في مشاهدة بانوراما قتل اليمنيين البسطاء بعضهم لبعض، ويستمر أيضاً في طحن عظام بعضهم بعضاً لكي يُنهَك جميع الفرقاء، وفي النهاية سيتدخل المحتل لفضّ الاشتباك ليظهر كأنه المنقذ الوحيد لهم جميعاً، والله أعلم منا جميعاً.
(وفوق كُلّ ذيِ عِلمٍ عَلِيم)
*رئيس مجلس الوزراء