تعيش بلادنا أوضاعا معيشية وإنسانية كارثية جراء اشتداد أزمة المشتقات النفطية التي باتت تهدد بتوقف الأعمال والمصالح والمؤسسات وبالذات الخدمية التي تتعلق بالحياة اليومية للشعب اليمني ، ويوم أمس أعلنت وزارة الصحة انهيارا وشيكا للمنظومة الصحية في البلاد جراء انعدام الوقود الذي يهدد بتوقف القطاعات الخدمية كلية عن العمل بعد نفاد المخزون من الديزل والبنزين في محطات وخزانات شركة النفط ، بفعل ممارسات دول تحالف العدوان في قرصنة السفن واحتجازها عرض البحر ، ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة منذ أكثر من شهرين ، الحصار الإجرامي الذي بات يهدد بكارثة إنسانية وشيكة هو وجهٌ آخر للعدوان الأمريكي ، وهو التجسيد الحقيقي للحروب الأمريكية القذرة التي تمارسها على كل شعوب الأرض دون استثناء.
وتعد الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني وحرب التجويع بكل تمظهراتها الفاحشة سلاح أمريكا الأقذر في الحرب التحالفية التي تشن على اليمن ، فقد تولت أمريكا إدارة الحرب على الشعب اليمني بهذه الأدوات القذرة ، وقد أفصح عنها سفيرها السيئ الذكر علانية وهدد بها بكل وقاحة، من الحصار على واردات الغذاء والوقود والدواء ، إلى الحرب الشعواء على العملة الوطنية، إلى تعطيل عمليات البنك المركزي ، إلى توقيف المرتبات عن الموظفين ، إلى قرصنة التحويلات المالية إلى اليمن ، إلى توقيف المساعدات ، إلى ما لا يمكن حصره من أوجه وأشكال التجويع ، يواجه الشعب اليمني حربا أمريكية قذرة ، تعكس حال الإدارة الأمريكية بما فيها من انسلاخ عن الأخلاق والقيم الإنسانية ، وتُميط اللثام عن الوجه الحقيقي لأمريكا التي لم تتوقف منذ وجدت عن ممارسة الإرهاب ضد الشعوب وتجويعها وترويعها وارتكبت ملايين الجرائم المسجلة في طول العالم وعرضه.
ويصنف الحصار الإجرامي المفروض على اليمن ، على أنه انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني ، وجريمة أقل ما يمكن وصفها بـ”الإبادة الجماعية” ، لما تمثله من تهديد حقيقي لحياة الملايين من البشر ، وإذا كان العالم يتحدث عن فظائع وجرائم مشهودة ارتكبها حلف العدوان والخطيئة خلال سنوات حربه الخمس مستهدفا المدنيين في منازلهم وأسواقهم وطرقاتهم ومزارعهم ومصانعهم ومقرات أعمالهم ، وفي مساجدهم وأتراحهم وأفراحهم ، في صحوهم ونومهم على اختلاف مناطقهم وأنسابهم ولهجاتهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية ، فإن القرصنة التي تتعرض لها السفن المحملة بالوقود والغذاء وجه آخر لما هو مشهود من وحشية جرائم القتل والاستهداف التي تعرض لها الشعب اليمني ، وهي الوجه الأقذر لدول العدوان التحالفي الذي تقوده أمريكا بمشاركة بريطانية وتنفيذ سعودي إماراتي غاية في التهتك والانسلاخ.
الحصار الإجرامي والقرصنة المعلنة التي تمارسها منظومة العدوان على اليمن بقيادة أمريكا ، هي بكل الاعتبارات جريمة إبادة جماعية موصوفة ، تأتي لتعبر عن الانفلات الأخلاقي الذي يلازم تحالف الخطيئة والعار ، وإلا فأي توصيف يمكننا إطلاقه على ما تتعرض له السفن من قرصنة واحتجاز وتوقيف متكرر عرض البحر ، إذ تقوم البارجات الأمريكية والسعودية بتوقيف السفن وسحبها واحتجازها في موانئ جيبوتي وجدة وجيزان لأشهر عديدة ، وتعريض شعب بالملايين للموت نتيجة الأزمات المتفاقمة في المشتقات النفطية والأدوية والأغذية والضروريات اللازمة لاستمرار الحياة!
لعل الأمم المتحدة قد دخلت حالة من الموت لضميرها الإنساني بعد قرار غوتريش الذي منح النظام السعودي صك غفران لجرائمه المشهودة في سفك دماء أطفالنا المذبوحين بالذخائر والقنابل الموجهة والذكية من طائرات “إف 15″، و”إف 16” ، ولا شك أن مبعوثها “مارتن غريفيث” وصل إلى مرحلة يشعر بأن التنديد بالحصار الإجرامي “ترفٌ” ، فما هو واضح أنه في حالة شغور أخلاقي وتهتك في القيم التي ادعاها بداية مهمته ، ففي حين بدأ مهمته بالوعود الكثيفة لإعادة صرف المرتبات والسعي لرفع الحصار واتخاذ التدابير الإنسانية العاجلة وصولا إلى إنجاز تسوية سياسية شاملة ، انتهى به المطاف إلى التمالؤ والتواطؤ مع دول العدوان والحصار علانية، وهي حالة تحول شبيهة بحياة “الاستقراط” التي ابتدأت بدعوات صيانة القيم والأخلاق وإعلاء الحريات ، ثم انتهت بإباحة كل شيء تحت مسمى التحضر ، وفي المواقف الأخيرة للمبعوث التي عمد فيها إلى تلبيس الحقائق وتبديلها بالدعايات ، بل وإسقاطها ، ما يؤكد ذلك.