يقال إن الروح هي حالة التحول والانتقال في الإنسان، وإن الإنسان في أطوار عمره يعود بالضرورة إلى حالة التصلب والتحجر التي كان فيها قبل أن ينفخ الله فيه الروح والاستعداد النفسي والذهني والمعرفي للإنسان قد يحدّد قدرته الفطرية على استعادة وعي التحول فيه من عدمه فقد يظل ثابتاً في حالة التصلب والتحجر، وقد يتحول إذَا كان واعياً لمساره الفطري ومدركاً للحالة التي وصل إليها وتبعاً لذلك الاستعداد قد يحدث الانتقال أَو لا يحدث ومن هنا يمكننا القول إن الانتقال حالةٌ نفسيةٌ ومعرفية واستعدادٌ فطري إذَا تحقّق في الرمز الديني والسياسي والثقافي شاع في غيره كاستجابة فطرية لا يلبث الممانع إلا أن يستجيب لها بعد أن يعيشَ جدلاً في وجدانه لا يطول أمده؛ لأَنَّ الضرورة الفطرية سرعان ما تستجيب لدوافعها الذات.
والذين يتحدثون عن الانتقال كقيمةٍ فاعلة في البُنى العامة ويغفلون الحديثَ عنه كقيمةٍ ثقافيةٍ وقناعةٍ فكريةٍ، إنما يتحدثون عن عبثٍ وفوضى وعن شكل زخرفي لا قيمة له ولا معنى ولا مضمون.
فالقولُ بالانتقال لا بد له من إدراكٍ واعٍ ومن خطوات صائبة تتجاوزُ لحظتِها لتصنعَ واقعاً جديدًا أكثرَ تطلعاً وانسجاماً مع الغد وعلى الكل أن يدركَ مثل تلك الحقائق حتى لا تحدثَ الانتكاسة الوطنية.
ولعل مفهومَ الثورة قد تجاوز الماضي، إذ أن المفهوم القديم للثورة فَقَدَ وهجَه ودلَّ على اجترار الماضي والتماهي معه ولم تملك الثورةُ أسساً قيميةً ونظرية للبدائل في الماضي، وهو الأمر الذي يضعُنا أمام جدليةِ المفاهيم للأجيال المختلفة، فالجيلُ القديمُ لا يزال يسقط المفهوم الماضوي للثورات، مثل الاستبداد، والاستحواذ، والعنف، والتضييق، والاستهداف، والهيمنة، على اللحظة الجديدة التي بضرورتها الثقافية قد تجاوزت تلك المفاهيم إلى أبعادٍ أكثر اتساعاً، فالثورة في فكر الجيل الجديد ليست هدماً وتدميراً وتفكيكاً لمنظومة اجتماعية وثقافية قديمة، ولكنها عملية انتقالية تحديثية للتراكم، وتأسيسٌ قيمي للانتقال يتوافق والمبادئ المدنية القائمة على السلام والحوار وقبول الآخر والتعايش واحترام الحريات، فنزعةُ الانتقام ونزعةُ التفرد لا مكانَ لهما في عالمٍ يعُجُّ بالمتناقضات وينفتح على كونه المعرفي المتعدد والمتدفق، وما نسمعُه من تصريحات ومناشدات وحركة تأييد لقرار التصنيف الأمريكي بحق اليمن على وجهِ العمومِ وبحق أنصار الله على وجهِ الخصوصِ، وهي مناشداتٌ ومقالاتٌ تحملُ عباراتِ الإقصاء والنفي ليست إلا إعادة لإنتاج الماضي بكل صوره وتقاليده وقيمه في أبشع وأنكد صورة يمكن أن تؤولَ إليها أيةُ ثورة تفقد ضوابطَها عند محطة معينة.
في ظني أن مشكلةَ اليمن هي مع المستقبل.. هي مع التأسيس ومع الانتقال القيمي.. مع الحركة والديناميكية الحياتية النامية والمتطورة ولا خصومة له مع الماضي الذي سيظل حاضراً في وجدانه من خلال محطاته الإشراقية ورموزه الذين أحدثوا تحولات جذرية في مسار التاريخ الوطني.
وعلى كُـلّ الفاعلين السياسيين أن يدركوا أن هدفَ الانتقال من أهدافِ العملية الثورية، إذ لا يمكن الانتقال إلَّا بقدرات وطاقات ذات خصوصية مشتركة وقضايا مشتركة ومتناغمة في مفاهيمها وكل قيادات الأحزاب ورموزه الذين وقفوا بصف العدوان وصلوا إلى حالة من الثبات وحالة من التباس المفهوم الثوري وقد دلت الأحداث أنهم يهدرون الفرص ولا يؤسسون للمستقبل الآمن والمستقر.
إن الضرورةَ الوطنية الملحة تطالبُ كُـلَّ الطيف السياسي العتيق المساند للعدوان على اليمن بالتنحي والخروج من العملية السياسية.
دعوا الأجيالَ الجديدةَ تصنعُ تاريخَها وفقَ مفهومها ومناخات زمنها.. وننصح القوى التي ساندت العدوانَ أن ينتبذوا أمكنةً يكتبون فيها مذاكراتِهم، فهم لم يصنعوا شيئاً لليمن سوى تمكين الدول العشر-دول الوصاية على المبادرة الخليجية- والعالم المستعمر من اليمن ومن ثرواته ومنافذه البحرية ولم يكن لهم من فضلٍ على استقرار اليمن ولا على وَحدة أراضيه وسلامتها، بل كانوا معولاً هداماً وحرباً ضروساً على اليمن وأهله، وفي ذلك بلاء عظيم لن تغفرَه الأجيالُ الجديدة لهم، ولن يغفر لهم التاريخ ما أقدموا عليه من تفكيك وتدمير ومن حرب وحصار وعمالة وارتهان.