على عكس ما كانت تقوله وتتوعد به المعتدين على حقوق الإنسان في السعودية ومختلف أنحاء العالم أثناء الحملة الدعائية في الانتخابات الرئاسية، جاءت لهجة ووعيد إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن برداً وسلاماً على النظام السعودي باعتباره أكبر نظام ديكتاتوري في العصر الحديث، وإليه تنسب أعظم الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللإنسانية جمعاء سواء على مستوى البطش والتنكيل بمعارضيه ومنتقدي سياسته القمعية في الداخل أو في اليمن وغيرها من بلدان المنطقة، حيث يفعل السلاح والمال السعودي الأباطيل في أرواح البشر وأمن واستقرار الدول والمجتمعات.
– اتخذت حملة بايدن الانتخابية – من انتهاكات السعودية وجرائمها في اليمن وكذلك من جريمة اغتيال الصحفي السعودي الأمريكي الجنسية جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة – مواضيع ساخنة وورقة رابحة لكسب الأصوات بعد أن اتهمت إدارة المعتوه دونالد ترامب بمنح ” شيك مفتوح” للسعودية لفعل ما تشاء دون رقيب، وأنها غضت الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل السعودي وإطالة أمد الحرب الكارثية في اليمن والتي قتلت بسلاح أمريكي عشرات الآلاف من المدنيين، وبمحاولة مواراة سوءة بن سلمان وتورطه المباشر والواضح في جريمة تصفية الصحفي خاشقجي وتقطيع جثته إربا، وكل ذلك الانحدار لما يسمونه القيم الأمريكية السامية كان فقط لأجل المال ووعدت الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بإعادة ضبط كامل للعلاقات الأمريكية السعودية بحيث تتماشى مع القيم الأمريكية التي يحتل فيها ملف حقوق الإنسان مكانة بارزة كما يزعمون.
– يوم الجمعة الماضي صدر تقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل الصحفي خاشقجي، ليأتي خجولا باردا وبدا جليا بأنه قد تمت مراجعته بعناية لعشرات وربما مئات المرات قبل أن يعطى الضوء الأخضر بظهوره للعلن، وإذا به يتحدث عن تقديرات واعتقادات إنشائية بموافقة بن سلمان على عملية إسطنبول الشهيرة لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وراح يقدم التبريرات والتفسيرات التي أدت لذلك الاعتقاد انطلاقاً من حقيقة سيطرة ولي العهد على صنع القرار في المملكة، وأنه من غير المرجح أن يقوم المسؤولون السعوديون بعملية من هذا النوع دون إذن منه شخصياً، وبالتالي أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوباتها على الضحية أحمد العسيري وفريقه كتصديق ومباركة على الرواية السعودية للجريمة ومعاقبة الجناة غير الحقيقيين .
– سبق إعلان التقرير الاستخباراتي الأمريكي المنتظر عن الجريمة – التي أخذت بعدا عالميا خلال السنوات الماضية – اتصال الرئيس بايدن بالملك سلمان والذي جدد فيه التزام واشنطن بالدفاع عن السعودية وبالشراكة المستدامة والتاريخية بين البلدين الحليفين، دون أن ينسى سيد البيت الأبيض الجديد الإشادة والترحيب بما قام به النظام السعودي مؤخراً بالإفراج عن عدد من النشطاء الأمريكيين-السعوديين وعن الناشطة لجين الهذلول التي تقبع تحت الإقامة الجبرية، وكأنه أراد أن يقول ضمنياً بأن مملكة القمع والاستبداد قد باشرت في تحسين سجلها في ما يتعلق بحقوق الإنسان، أما ما يتعلق بوقف مبيعات السلاح للسعودية ودعم حربها العدوانية على اليمن فإنها مقتصرة فقط بحسب مسؤولي الإدارة الأمريكية على العمليات الهجومية في اليمن وتظل سارية المفعول في الجوانب الدفاعية وفقا لمزاعمهم، لكن على الأرض لا يزال فعليا الخبراء الأمريكيون من يديرون العدوان، وهكذا تتجلى” القيم” الأمريكية التي أصم بها بايدن وفريقه آذان العالم في أوضح صورها في محاكاة للمثل العربي القديم “تولَّد الجبل فولد فأراً”.