أثارت تصريحات ابن سلمان الأخيرة جدلا في شبكة التواصل الاجتماعي بين ساخر منها ,وبين مؤيد ,وبين منكسر , فالمرتزق اليمني لم ير فيها إلا خذلانا له , ومثل ذلك أمر طبيعي فقد مَرَّ في التاريخ ما يشبه حاله اليوم , لكن عمه الطغيان لم يهدهم إلا إلى الضلال , ومن الغريب أن يتصدر المشهد في التصريحات أحد رموز التيار الناصري في اليمن ممن حاربوا حركة الرجعية العربية بكل شدة وحزم ,وما تزال رائحة البارود في أنوفهم , وما تزال الرصاصة الأخيرة في جيوبهم .
ذباب ابن سلمان الإلكتروني كطبيعتهم يرون تصريحات ابن سلمان جنوحا إلى السلم ,بل ويرون ذلك مكرمة منه على اليمنيين ,وكأن الحرب التي تدور رحاها في اليمن منذ أكثر من ست سنوات لم تعلن على لسان السفير السعودي بواشنطن قبل أن يعلم بها المعتوه هادي باعترافه هو, بعد أن نجحت المخابرات في تهريبه من اليمن .
نحن في اليمن منذ بدأ العدوان علينا لا نرى ما يحدث إلا حربا كونية تحالفت فيها السعودية مع دول العالم لفرض ثنائية الخضوع والهيمنة علينا ,وقد أبت أخلاقنا الخضوع والذلة , وخضنا حربنا بإيمان ,وكان يقيننا الثقة بوعد الله للمظلومين , ونحمد الله الذي لم يخذلنا , وقد أرانا من آياته عجبا طوال زمن العدوان الذي نشهد تهاوي معاقله ,وتقهقره وهوانه اليوم , في كل المستويات السياسية ,والإنسانية والأخلاقية ,والعسكرية ,وفي ذلك بيان لقوم يؤمنون , ولا نرى تصريحات ابن سلمان إلا مكرا سياسيا أراد به أن يرمم ما تصدع في الصورة النمطية التي ترتسم في أذهان الناس عن السعودية بعد أن فشلت الأموال وشركات العلاقات الدولية في تحسينها , ولذلك ظل نشاطنا العسكري مستمرا ,لأننا نعرف عدونا من يكون ؟وما هي صفاته التي تحدث القرآن عنها ,وأخبرنا بها ؟ولذلك فلسان حال أحرار اليمن يقول اليوم : ” الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين “.
لسنا ضد السلام العادل ,ولسنا دعاة حرب, ولكنا في المقابل لسنا عبيدا, ولن نكون, وقد قالها قائد الثورة مرارا وتكرارا : نحن مع السلام ولسنا مع الاستسلام .. والفرق بين اللفظين واضح عند من يريد أن يفهم الفروق بين مفردات اللغة , ولذلك فالحوار بيننا وبين السعودية هو المدخل الحقيقي للسلام ,لأننا لا نرى مرتزقتها إلا أدوات ينتهي دورهم متى تغير التوجه في قصر اليمامة بالرياض في التعامل مع اليمن وفق نتائج ميادين الشرف والبطولة, لا وفق مخيلة وأحلام مرتزقة قصر اليمامة الذين لم يكن حظهم إلا حظ العملاء في كل حقب التاريخ وهو الذل والهوان وها هي الأيام تقول لهم لكنهم قوم لا يفقهون.
اليوم السعودية تعيش أسوأ حالاتها ونحن ندرك ذلك , وندرك حجم الضغوط التي فرضها الميدان عليها , وخوفها من انهيار النظام العام والطبيعي ,ولذلك وجدنا في شبكة التواصل الاجتماعي من أفراد الأسرة الحاكمة السعودية من يدعو إلى تجسيد بطولات من يسمونهم الأجداد في الحد الجنوبي في الدراما بدل حالة الاسفاف والمحتوى المكرر والممل كما يقولون في الدراما , هذه الدعوة تشكل معادلا موضوعيا لحالة الشعور بالانكسار والهزيمة ,وهو شعور علينا تنميته بما يعزز من حضورنا ومن قوتنا ويضاعف من حجم انتصاراتنا في نفوس سكان نجد وهم من هم عداء وحقدا لليمن ,وأهل اليمن منذ فجر التاريخ إلى اليوم .
حين تهرب النفوس إلى الماضي وتستدعيه كما هو الحال عند أرباب تلك الدعوات التي ترى في بطولات الأجداد ملاذا يعصمها من مرارة الهزيمة فاعلم أن الهزيمة النفسية والأخلاقية والعسكرية والسياسية قد بلغت مبلغا كبيرا وآتت أكلها , وهنا يصبح الاستثمار لها بما يعزز من قيمة مشروع التحرر ويفيد تيار المقاومة للمشروع الصهيوأمريكي هو الخيار الأمثل .
ولا ندري ماهي تلك البطولات التي يتحدثون بها ويريدون تخليدها في أذهان الناس في الدراما ؟ كل الذي نعلمه أن صحراء نجد تضمر العداوات لسكان عرب السعيدة من قبل ومن بعد ولا تزال أجيال نجد ترث العداوات كابرا عن كابر وهي لا تخفي ذلك اليوم , فالكثير من أبناء نجد يظهر مثل ذلك في شبكات التواصل حتى سكان المخلاف السليماني (عسير ونجران وجيزان ) الذين تحتلهم السعودية منذ عام 1934م إلى اليوم ينالهم الحظ الأوفر من العداوات ومن التناول الجارح , ولم يشفع لهم خضوعهم للاحتلال النجدي السعودي في الحصول على حقوق المواطنة المتساوية بل كاد سكان نجد أن يرونهم مواطنين من الدرجة العاشرة .
كل الذي نعرفه من تاريخ النجديين لا يتجاوز الحوادث العابرة الدالة على اللؤم والخساسة ومساوئ الأخلاق من عند حادثة الشاعر اليمني عبد يغوث الحارثي إلى زمن العدوان , مرورا بحادثة الحجاج اليمنيين “بتنومة ” , أما حرب 1934م فقد كانت حربا بريطانية بامتياز لم يكن حظ أهل نجد منها إلا القطع الذهبية التي أنفقها المستعمر البريطاني عليهم , وكانت القيادة لآل سعود كعملاء مرتزقة ليس أكثر , أما الجنود فقد كانوا من كل الصحراء من قطاع الطرق , ولم تدون الذاكرة الشعبية ولا الرسمية ولا الذاكرة التاريخية بطولات ذات قيمة حتى يذهب اليوم من يرى في يقظتها معادلا موضوعيا يقيه شرور الشعور بالهزيمة , بل بالعكس لقد اجترح اليمنيون من البطولات ما اجترحوه اليوم وأكثر فمعركة ذات السلالم لها ما يماثلها في التاريخ , وعبارة ” سلم نفسك يا سعودي أنت محاصر ” لها ما يماثلها وأكثر في حربنا مع أدوات المستعمر البريطاني من آل سعود , ولذلك نقول ليس في تاريخ نجد في صراعها مع اليمن بطولات مطلقا حتى يمكن الهروب إلى تلك البطولات بل هناك مصفوفة متكاملة من الهزائم النفسية ,والأخلاقية ,والثقافية ,والعسكرية ,والاجتماعية , إذا عدنا نحن في اليمن إليها لرأى آل سعود عجبا , ووجدوا في أنفسهم ذلا وهوانا ما عرفوه من قبل .
لقد لحقنا من آل سعود أذى كثير منذ بدء تأسيس دولتهم إلى اليوم ,ومن قبل ,ومن بعد , ولذلك لا يمكن لليمن أن تستقر دون أن ينال هذا النظام الضعف والهوان , فهم جزء من المشروع التدميري الذي يستهدف الأمة ويعمل بحركة دؤوبة على عرقلة مشاريع التنمية والنهوض في اليمن , ولا بد لنا من التفكير بجدية للخروج من هذه الشرنقة لا العودة إليها وقد شارفنا على الخروج ولله المنة من قبل ومن بعد والحمد الله رب العالمين .