أثار أهلُ اليمن ثورةً عارمةً في وسائل التواصل الاجتماعي على مضمون المسلسل السعوديّ الذي تبثه قناة “إم بي سي ” ويخدشُ حياءَ حرائر اليمن، وتضامن مع أهل اليمن ناشطون شرفاءُ من كُـلّ الدول، وخرج من المرتزِقة أبواقٌ تبرّر وتستهجن، على رأس أُولئك وزير ثقافة وإعلام حكومة الرياض، المدعو معمر الإرياني، وليس بمستغرَبٍ عليه وعلى مثله موقفُهم من المسلسل، فقد اعتادوا على مدى سبع سنوات من العدوان على اليمن ومِن ارتزاقهم الهوان؛ ولذلك من المستحيل أن يشعروا بالغيرة، فقد سَهُلَ الهوانُ عليهم فماتت غِيرتُهم وأصبحوا كالموتى لا يشعرون بشيء من الألم.
في الرياض قومٌ من أهل اليمن فقدوا شرفَهم ونخوتَهم وكرامتَهم وباعوا قيمَهم ومبادئَهم، فتحولوا إلى دُمًى، وربما إلى أحجار صلدة دون مَعَانٍ تتحَرّك، فقدوا شرفَهم وعُذريتَهم في تسجيل المواقف الكبيرة الدالة على النخوة، ولا عزاء لهم وقد باعوا ضمائرهم ونالهم من الذل والهوان ما نالهم، فقد رأينا السعوديّةَ تتخذُ إجراءاتٍ ضد المغتربين في المخلاف السليماني اليماني “نجران، جيزان، عسير” دون أن يسجل أُولئك النفرُ من الناس موقفاً مشرِّفاً يحفَظُ للمغترب حَقَّه وإنسانيتَه.
وقد دلت الوقائعُ والأحداثُ أن السعوديّة لا تريد خيراً لليمن مطلقاً، ولكنها تُضمِرُ الشرَّ كلَّه، ولولا الجيشُ واللجان الشعبيّة -وهم يسطِّرون الملاحمَ الكبرى ويرسُمون بدم أحمرَ قانٍ البطولاتِ على صخور الجبال، فبطولاتُهم تحولت إلى لوحاتٍ أذهلت شرفاءَ العالم، فوقفوا أمامَها بقدر كبيرٍ من الإجلال والدهشة والذهول، فصَغُرَ أمام هيبتهم وعلوِّ شأنهم بارجاتُ عدوِّهم وطائراتُه ومجنزراتُه– لكان للسعوديّة صولاتٌ وجولاتٌ على تراب اليمن لا يردعُها دينٌ ولا أخلاقٌ، ومَن يخامرُه الشَّكُّ عليه العودةُ إلى تأريخ اجتياحهم لتهامة حتى بلغوا الحديدةَ في عِقد الثلاثينيات من القرن العشرين، وهي فترة زمنية قريبة، فثَمَّ كتابٌ مخطوطٌ تحدث عن أخلاق آل سعود وأهل نجد مع أهل اليمن في تهامة، وما تزال الذاكرةُ تحتفظُ برواياتٍ وأحداثٍ يشيب لها الولدان، الكثير منها موثَّقٌ في نصوص شِعرية، ومثلُ تلك الأخلاق القديمة رأيناها في قصفِ الأسواق والصالات وفي النيل من عزة وكرامة أهل اليمن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مختلفِ وسائلِ الإعلام، ولم يحد من تلك الظواهر إلا تقهقُرُهم وتراجُعُهم في الجبهات، فقد أصبحت عبارةُ “سَلِّمْ نفسَك يا سعوديّ أنت محاصر” أيقونةً عالميةً يقولُها الأجنبيُّ قبل العربي، وأخص من العرب الأحرار فقط.
اليوم بعد سبع سنوات من العدوان رأينا من شعب السعوديّة في وسائل التواصل من يغرّد معتذراً عن بذاءة مسلسل “رشاش” في حق حرائر اليمن، وهن حرائرُ لم تتحدث كُتُبُ الأخبار كُلُّها بسوء عنهن، كما تحدثت عن غيرهن من نساء نجد والصحراء، بل لم يؤثَرْ أن تحدثت كُتُبُ التاريخ أنهن رفعن راياتٍ حمراءَ أمام خدورهن كما كُن يفعلن غيرهن، كما أن حرائرَ اليمن لم يأكلن بثدي كما كن يفعلن نساءُ نجد والصحراء، ومن الشائع المبدأ الحميري الذي يقول: “تموتُ الحُــرَّةُ ولا تأكل بثدييها”؛ ولذلك فعامِلُ التعويض كان حاضراً، إذ الثابتُ أن الذي يتحدث عن شيء فهو يفقده، فلو كانت نفوسُهم ملأى بالشرف ما نالوا من شرف غيرهم، وقد وجدوا فيه تبريراً عن نقصان شرفِهم.
لقد حُقَّ لأهل اليمن أن يفخروا اليومَ بقادتهم من العِترة المطهَّرة الذين يأبون الضيمَ والذلةَ، وشعارُهم عبرَ كُـلِّ حقب التاريخ “هيهاتَ منا الذلة”، وحُقَّ لهم أن يفخروا بجيشِهم ولجانِهم الشعبيّة الذين رفعوا من سِعر أسهُمِنا في بورصات الشرف والكرامة وبورصات القِيم والمبادئ والأخلاق والعزة.
ما يجبُ التفكيرُ به واستيعابُه هو أن هناك خُبَراءَ في العلوم الإنسانية المختلفة يحاربون إلى جانب جيوشِ دول تحالف العدوان على اليمن، فالحرب ليست عسكريةً كما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى، فهي حربٌ ثقافية وحربُ تهجين وتسطيح وتعويم وتفكيك وتشكيك، ولا بُـدَّ من تفعيلِ الجبهة الثقافية وتعزيزها بالرؤى والاستراتيجيات والإمْكَانات حتى تواجهَ عدوًّا لا يَتَّصِفُ بنزاهةِ الضمير ولا يَتَّصِفُ بشرفِ الخصومة.