الدرسُ البليغُ الذي لقنه اليمنيون ممثلين في جيشهم ولجانهم الشعبية خلال العامين الماضيين للدول الاستعمارية وأدواتها في المنطقة من أعراب السعودية والخليج يكاد يكون كافياً ليفيقَ العربُ من سُباتهم العميق ويتحرّروا من العبودية والوصاية التي تفرضُها عليهم الإدَارَة الأَمريكية وربيبتها إسْرَائيْل.. لكن مع الأسف فالعالم العربي يعيش في غيبوبة ابدية جعلته يفقد توازنه وينسى نفسه رغم الصدمات الكبيرة والعنيفة التي يتعرض لها يومياً.. ومع ذلك لم يتسن له أن يفوق من غيبوبته ليدرك ما يحاك له من مؤامرات للقضاء على مقدراته تماماً وسلبه حقوقه، كما سُلبت فلسطين وأجزاء من دول عربية أُخرى.
فمنذ أن تحولت الخلافة الراشدة إلى ملك عَضُوض عقب وفاة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بثلاثين عاماً نشأت العقلية التسلطية عند العرب وأَصْبَـح لا يهمهم إلا الحكم والاستمرار فيه بأي ثمن.. بينما كان للعنصر الإسْلَامي غير العربي الدور الأكبر في الدفاع عن الدولة الإسْلَامية التي كانت تسقط بسبب تقاتل العرب مع بعضهم على الحكم وتعود من جديد بفضل هؤلاء الذين حرّروا بيت المقدس مرتين من الاحتلال الصليبي حتى انتهت وتلاشت في بداية العشرينيات من القرن الماضي ليتفرد بعدها العرب بمسك زمام أمورهم، فحوّلوا رقعة الجغرافيا العربية إلى أَكْثَر من عشرين دولة وإمارة، وأضاعوا فلسطين بالكامل. ومع بداية القرن الحادي والعشرين ركب بعض العرب موجة ما أسموه التحرر من الديكتاتوريات مستعينين بأَعْدَاء الأُمَّـة بحجة تحقيق النظام الديمقراطي الذي سيكفل الحرية والمساواة لكل المواطنين ويجعل الشعوب شريكة في صنع القرار.. لكن ما أحدثه هؤلاء الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأَمريكية وهم يبشّرون بعهد جديد يكفل لكل المواطنين حقوقهم من تغيير لا يفرق كثيراً عما حقّقه من جاءوا إلى الحكم على ظهور صناديق الانتخابات بدليل ما حدث في مصر خلال عام واحد من حكم جماعة الإخوان المسلمين ومع ذلك لم يصدقوا أنهم خرجوا من الحكم بإرادة شعبية كما وصلوا إليه بنفس الإرادة.. والسبب أن كلا الفريقين عندما يصل أحدهما أَوْ كلاهما إلى السلطة لا يلبث أن تعود إليهم طبيعة العربي المنتقم من أخيه ومن ابنه وتتغلب السياسة التي لا توجد بها أخلاق على تصرفاتهم لتفسد رونق تلك الشعارات الرنانة التي طالما تغنّوا بها وروجوا لها وكانت وعودهم للشعوب العربية عسلية.
صحيح أن ضعف العلاقات العربية – العربية لم يأت من فراغ وإنما هو محصّلة لتفاعل مجموعة من المتغيرات والعوامل في البيئة العربية نفسها التي تتواجد في إطارها الدول العربية، وهي تفاعلات تعكس آثارها السلبية على كافة الأطراف الداخلة في عملية التفاعل وإن كان لذلك جذور ممتدة في عمق الماضي، كما أن لها جوانبها السياسية والاقتصادية المرتبطة بهذا النظام الدولي أَوْ ذاك والذي في كُلّ الأحوال يفرض وصايته عليها بحجج ومبررات واهية لا يستسيغها عقل ولا منطق.
ومع أن الدروس والعِبَرَ كثيرة التي مرّت بها الأُمَّـة العربية ممثلة في حكامها وشعوبها لكنها لم تستفد منها لتخرج من عنق الزجاجة التي حشرت نفسها فيها بقدر ما أظهرتها أمام الأُمَـم الأُخْــرَى بأنها أمة عاجزة عن التفكير ولا تستطيع الدفاع عن قضاياها في وقت يستأسد فيه كُلّ نظام عربي على الآخر كما يحدث اليوم من عدوان على اليمن وسورية والعراق؛ وهذا مالا نتمناه أن يستمر لاسيما أن الضعف قد أصاب العرب جميعاً ولا يجب أن نحمّله للغير من الدول الكبرى سواءً كانت الولايات المتحدة الأَمريكية أم غيرها وذلك لسبب بسيط وهو أن مبعث هذا الضعف والهوان سببه الحكام ومواقف الشعوب السلبية لأنهم لم يدركوا حقيقة ما يجري وليس عندهم بعد نظر لما سيأتي، وأناس هكذا حالهم لا يستحقون أن يكونوا حكاماً أَوْ أن يشكلوا شعوباً.