بدأ العدوان دون مقدمات وها هو يلملم أشلاءه بدون مقدمات , يتكالب العالم كله على تدمير اليمن , وها هو يهرب من أي تبعات أو مسؤوليات , فجأة تنطفئ حمرة العدوان , وفجأة ينحسر موج العدوان , ومعسكرات بكل عتادها تغادر, وقوى تتلاشى من مسرح العمليات كأن لم تكن , وطيران يصر على إعلان وجوده في سماء تهامة , وطائرات تسلم لفصائل دون غيرها، وكان العدوان قد رفض طلبا لمن يسمون أنفسهم شرعية بتسليم الطائرات التي يحتجزها العدوان وهي تابعة لسلاح الجو اليمني .
فجأة أمريكا تتخذ قرارا بمغادرة أفغانستان بعد عقدين من الزمان في احتلالها، بدعوى محاربة القاعدة والتنظيمات الإرهابية وفجأة تصحو التنظيمات الإرهابية في كابول وغيرها كي تعيث في الأرض فسادا, وفجأة تتوهج التنظيمات الإرهابية في العراق وفي سوريا, وفجأة تنطفئ.
ما الذي يحدث بالضبط ؟
في مصر يحدث ضجيج بشأن مهرجان «الجونة» السينمائي، وتخرج الأصوات التي تندد بالاحتشام وتدعو إلى الانحلال الأخلاقي والعري, وقد رأينا من يرى الفن ابتذالا وجسدا عاريا يعلو صوته , ومن يرى الفن رسالة وقيمة فنية عالية يتوارى ويصبح منبوذا .
في السعودية تعالت الأصوات في مهرجان جدة، وكثر الضجيج حول الملابس الفاضحة, والاختلاط, وجواز اتخاذ الأخدان في المراقص وأماكن السباحة ,وقال الكثير عن التحرش الجنسي في الرياض ووصلت أرقام البلاغات إلى مستويات عالية وغير مسبوقة، وفق التداول الإعلامي .
في الإمارات ضجيج فارغ سموه صولة, وتطاول مجنون في البنيان , وسوق للدعارة , ومراكز عالمية للرذيلة, وحرب طائشة على الفضيلة ومحاسن الأخلاق , وأموال تنفق على إشاعة الفوضى والفساد بين المسلمين .
في وسائل التواصل الاجتماعي هرج ومرج وبوح غير لائق, فتيان يخرجون من أقبيتهم في بث مباشر مع فتيان متحولين جنسيا ويناقشون قضايا جنسية , ويخوضون في فكرة الحريات الشخصية , وفتيان يبوحون بمشاعرهم الحيوانية مع فتيات, وفتيات يطرحن قضايا يخجل الحياء بالبوح بها، وفتيان يتباهون بالتشبه بالنساء, وشركات تروج للتفاهات والرذائل, ويتسع نطاق القشور والهامشي والتفاهات والقبائح بتمويل، في حين تنزوي الفضائل خلف جدران ولا ترويج لها, وليس لها من ظهير من شركات تمولها أو تهتم بها .
نجد مشاهد مختارة من الأفلام العربية والعالمية ومن الدراما والمسرحيات في غالبها بل جلها تختص بالجنس, ونجد ناشطين في السوشيال ميديا يروجون للأكلات الشعبية بل كاد الكثير من مشاهير الإعلام أن يتحولوا إلى أبواق تروج للمطاعم والمشارب في الشارع, ولا تجد إلا القليل من الأسماء التي تحترم عقول الناس ولا تساهم في تسطيح وعي المجتمع وتأطيره في الشهوات, كشهوة البطن وشهوة الفرج .
أمريكا والصهيونية العالمية منذ ضحى الربيع الذي ماج واضطرب في العواصم العربية إلى يومنا المشهود، تسير وفق خطى واضحة المعالم ووفق استراتيجيات واضحة الأهداف, بدأوا في سعي حثيث في تفكيك النظام العام والطبيعي عن طريق موجة الاضطرابات وسقوط الأنظمة, ثم القلاقل والحروب الأهلية والتفجيرات في الأماكن العامة, وحركة النيل من الرموز الإسلامية, وحركة تدمير الهويات الحضارية والثقافية والعقدية, وهم اليوم يسعون جاهدين في تدمير البنية الأخلاقية للمجتمعات والشعوب الإسلامية عن طريق الإعلانات الممولة للمحتويات التدميرية التي قد تصل الأفراد الذين يتعاملون مع التطبيقات والبرامج في الهواتف المحمولة دون قيد أو شرط أو رغبة, فقد أضحى الفرد في المجتمعات الإسلامية يحمل قنابل قابلة للانفجار في بيته وبين أنامله, في حين تظل الحكومات والسياسات العامة للبلدان المسلمة ثابتة وجامدة دون وعي بحركة الاستهداف فتسارع إلى إنتاج محتويات ذات مضامين ثقافية وتوعوية وفكرية وتقوم بالترويج لها عن طريق الإعلانات الممولة في السوشيال ميديا، فالشركات في النظام الرأسمالي لا تسعى إلا إلى الربح وتحقيق مستويات عالية في سوق الأسهم .
عواصم الربيع العربي غير مستقرة منذ أن شاعت فيها الفوضى العارمة ومثل ذلك يشير إلى أن الربيع لم يكن ربيعا عربيا بل ربيعا صهيونيا وأمريكيا بامتياز , فاليوم عواصم الربيع تشهد هدوءاً نسبيا وحذرا وقلقا وبدأت أصوات الرصاص تتوارى , وكاد أزيز الطائرات أن يتوارى , ولم نعد نشهد كثيرا الجثث الملقاة في الشوارع ولا نشهد دما يترقرق في الساحات والأماكن العامة، كما كنا نشهد ذلك وبشكل مكثف خلال سوالف الأيام , فالمجنزرات تغادر التباب والهضاب والمعسكرات, والجنود يتركون المعسكرات والجبهات , وتذهب الآليات إلى الموانئ قافلة إلى بلدانها، كما نرى ذلك في عدن وشبوة اليوم كمثال يشيع في غيره لكننا في مقابل ذلك نشهد جنونا في السوشيال ميديا وحربا ضروسا على الهويات والرموز والقيم والأخلاق والمبادئ وعلى الفكر والوعي العام العربي والإسلامي , وفي خلال هذه الأيام بدأت الحرب تتجه إلى الأديان وهي حرب تقودها المخابرات وقد بدأت اليوم من أمريكا وأبرز رموزها البطريق زكريا بطرس، وهو مسيحي مصري يعيش في أمريكا، يظهر في السوشيال ميديا وفي القنوات الفضائية ويزرع سمومه على القرآن وعلى رسول الإسلام الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام .
نستطيع أن نقول إن تفكيك الهويات الثقافية والحضارية والتاريخية والهويات العقائدية غاية صهيونية أمريكية، تهدف من ورائها إلى دوام فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المجتمعات العربية والإسلامية، ولا بد من يقظة الشعوب حتى تنتصر في حربها مع طغاة الأرض وسياسات الهيمنة والاستكبار العالمي .