الانتصارات التي تحققت مؤخراً في عملية (البنيان المرصوص)، وما قبلها في عملية (نصرٌ من الله)، والانتصارات الكثيرة التي رأيناها في كثيرٍ من الجبهات، والتماسك الكبير، ونحن في أواخر العام الخامس منذ بداية هذا العدوان، كل هذا يلفت نظرنا وينبهنا إلى ما تعنيه الهوية الإيمانية والانتماء الإيماني لنا، هي ملاذنا، هي أساس قوتنا، هي معتمدنا الذي ننطلق من خلاله في مواجهة كل هذه التحديات، ولذلك نحن معنيون جميعاً أن نعي إيجابية وقيمة وأهمية الهوية الإيمانية، وأن نسعى لترسيخها في واقع حياتنا، وأن نسعى للاحتماء بها من كل التأثيرات السلبية التي تأتي إلينا بكل أشكالها: عبر الحملة والغزو الهائل من جانب أعدائنا وعملائهم ذات الطابع الإعلامي، أو ذات الطابع الثقافي والفكري، التي تسعى لتضليلنا وإفسادنا.
على المستوى الاقتصادي: علينا أن ندرك أهمية ما يعنيه الانتماء الإيماني في هذا الجانب؛ لأننا كأمةٍ مؤمنةٍ مسلمةٍ معنيون أن نسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ولذلك فأصحاب رؤوس الأموال من أبناء شعبنا معنيون ويتحملون المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- في أن يسهموا وأن يتجهوا هم في تشغيل رؤوس أموالهم في الإنتاج الداخلي، وفي تحقيق الاكتفاء الذاتي، هذا سيفيدهم هم على المستوى الاقتصادي، ويوفر عليهم الكثير من الكلفة والأتعاب، وفي نفس الوقت يخدم شعبهم، ويخدم أمتهم، ويساعد كثيراً كثيراً في قوة هذا البلد، وفي تماسك هذا البلد.
كثير من الحلول لمشاكلنا الاقتصادية تدخل في إطار هذا المفهوم الإيماني الحضاري، الذي يتجه إلى البناء الداخلي، الذي يتجه إلى عوامل القوة بكل أشكالها وأنواعها: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، أولئك الآخرون الذين كانوا يحاولون أن يرسِّخوا مفاهيم سلبية في ذهنية أبناء شعبنا العزيز، فيرى في نفسه شعباً عاجزاً لا يمكنه أن يربي دجاجةً، ولا أن يوفر أي شيءٍ من متطلبات الحياة ومستلزمات الحياة، وأنه بحاجة إلى أن يستورد كل شيءٍ من الخارج، ويجعلون هذا البلد رهينةً للاعتماد في كل شيءٍ على الخارج، هم ظلموا هذا الشعب، وعلى هذا الشعب أن يتحرر من كل تأثيراتهم السلبية، من كل مفاهيمهم الظلامية، وأن يدرك أن جزءاً أساسياً من انتمائه الإيماني والديني هو يتعلق بالموضوع الاقتصادي، بالنهضة الاقتصادية، بالعمل على توفير كل عوامل القوة من الداخل، بالعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهنا تأتي المسؤولية على الجميع: على الحكومة والمسؤولين، على أبناء الشعب كذلك، الجميع معنيون في أن يكون هذا توجهاً عاماً، كثيرٌ من البرامج والخطط، وكثيرٌ من السياسات التي اعتمدت في الرؤية الوطنية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي بحاجة إلى تعاون فعلي بين الحكومة والشعب، بين المسؤولين وبين أصحاب رؤوس المال والأعمال، بين أبناء الشعب بشكلٍ عام، النهضة الاقتصادية هي ذات علاقة بالنسبة لنا بإيماننا، بل هي من أهم ما يحتل موقعاً متميزاً وأساسياً في المنظومة الإيمانية، ولذلك نحن معنيون بالاهتمام بهذا الجانب.
عندما نأتي إلى ما يتعلق بالاستمرار في التصدي للخطر العسكري، والهجمة المعادية التي تستهدفنا كشعبٍ يمني، هذا العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الإسرائيلي علينا أيضاً أن نتحرك بكل جد، بكل استشعارٍ للمسؤولية في التصدي لهذا العدوان طالما بقي مستمراً.
طبعاً نحن ننصح النظام السعودي والنظام الإماراتي أن يوقفوا هذا العدوان، أن يتركوا هذا البلد وشأنه، هذا البلد لا بدَّ له أن يكون بلداً مستقلاً مهما كان حجم التضحيات؛ لأن كل تضحيةٍ نقدِّمها في سبيل الله -سبحانه وتعالى- لنكون أحراراً وأعزاء، ولنكون بلداً مستقلاً لا يخضع بالتبعية للأجنبي، هي أقل بكثير من الخسارة الرهيبة والفادحة لو قبلنا بالاستسلام والخنوع والتبعية لأعدائنا، حينها كنا سنخسر كل شيء.
فلذلك من أهم ما يقدِّمه الإيمان هو- كما قلنا- العزة، وهو أيضاً الاستشعار العالي للمسؤولية، وهو الروح المعطاءة، وهو الموقف القوي والثابت والمبدئي والمتماسك أمام هجمة الأعداء، أمام عدوانهم، أمام بغيهم، الموقف الذي ينطلق من إيمانٍ بالله -سبحانه وتعالى- وثقةٍ بالله، وتوكلٍ على الله -سبحانه وتعالى- ومن استشعارٍ للمسؤولية، ومن عزةٍ في النفس تأبى القبول بالذل، وتأبى الاستسلام، وتأبى الخنوع والخضوع للأعداء، ومن إيمانٍ بعدالة القضية، ومن استشعارٍ للمظلومية، ومن إدراكٍ لقيمة الموقف، ومن ثقةٍ بوعد الله بالنصر، هذا يساعد كثيراً على مواجهة هذه التحديات، ويتجه بنا إلى تحقيق الانتصار، وصولاً إلى تحقيق الهدف الكبير بتحقيق الاستقلال التام لبلدنا، هذا ما يجب أن نسعى له، وما يجب أن نرسِّخه وأن نستفيده من خلال مدلول الانتماء الإيماني وترسيخ الهوية الإيمانية، ومن هذا المنطلق ننطلق في كل مواقفنا؛ لأن الإيمان مواقف، الإيمان في النهاية مواقف، التزام عملي حتى في المواقف تجاه مختلف المشاكل والقضايا التي تعنينا.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة جمعة رجب 1441هـ