قرار دونالد ترامب بشأن القدس الشريف إهانة مخزية للقادة العرب والمسلمين. ظَهَر سيد البيت الأبيض يوم الأربعاء، الموافق 06 ديسمبر 2017م، مزهوّاً بصلاحياته السياسية والإدارية من داخل البيت الأبيض هو ونائبه السيد مايك بينيس، ليلقي على العالم بضع كلمات مسمومة اعتاد أن يرددها بهوس على جمهوره وأتباعه في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى مجتمع النخبة السياسية في عالمينا العربي والإسلامي للأسف.
قال إنه جاء إلى البيت الأبيض ليصحح مسار قرارٍ اتخذه الكونجرس الأمريكي بتاريخ 23 أكتوبر 1995م، بشأن نقل سفارته من تل أبيب، العاصمة السياسية للكيان الصهيوني، إلى مدينة القدس الشريف، التي اعتبرها ترامب عاصمةً فعلية واقعية للكيان الإسرائيلي. وردد أكثر من مرة نقده اللاذع للرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه، ولم يستطيعوا تنفيذ القرار منذ ذلك الحين وحتى اليوم، في حين أنه – أي ترامب – هو الرئيس الشجاع الذي نفّذ ذلك القرار سيء السمعة والأثر، ليس على مستوى أهلنا في فلسطين وحدهم، وإنما على مستوى العالم.
إن القرار المُتّخذ من أكبر راعٍ و داعم للدولة الصهيونية في العالم و«وسيط للسلام» (!) ينطبق عليه القول إنه «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، مثله مثل وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، في العام 1917م، تماماً، مع اختلاف الأزمنة والظروف والحلفاء والفرقاء وغيرها. ذلك القرار أجمع ساسة العالم على نقده وإدانته وعدم الاعتراف به، بمن فيهم حتى القادة العرب والمسلمون الذين احتضنتهم مدينة الرياض تحت سقف واحد مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مايو 2017م، وهم القادة الذين احتفوا به وأكرموه إكرام الباذخ السخي في عطائه، وعاد إلى واشنطن عبر تل أبيب ومعه صفقة القرن التي أُعلن عنها يومذاك بأنها تجاوزت الـ600 مليار دولار، هي عبارة عن عقود لشراء الأسلحة وأمور أخرى.
لكن السؤال الأبرز الذي رَدّدهُ مواطنو العالمين العربي والإسلامي: مقابل ماذا يتم الدفع بسخاء «حاتمي» لرجلٍ مهووس أتى من شريحة ناخبة أمريكية شعبوية عنصرية تكره وتحتقر المُخالف لها لوناً وديناً وسلوكاً، وعلى رأس من تكره المسلمون بكل أطيافهم؟! أم أنهم دفعوا له حفاظاً على عروشهم؟ أو من أجل صفقة القرن، كما يرددون، وهي تصفية القضية المركزية للشعوب الإسلامية كافة، وهي قضية فلسطين العزيزة؟
السيد دونالد ترامب رجل أعمال ناجح جداً، ويكفي أنه من شريحة المليارديرات في أميركا، والمتابع لسيرته غير العطرة يجده إنساناً مغامراً تناسبه الصفقات التجارية، وحياته مليئة بالمجون والترف الفاضح، ومنتجعاته الفارهة تؤوي لياليه الحمراء، وهذا حال الأثرياء في العالم إلّا فيما ندر. لكن أن يجمع كل زعماء المسلمين تقريباً تحت خيمة واحدة، ويكافئهم بصفعة مدوية في وجوههم، بالقرار الذي أصدره يوم الأربعاء الأسود حول قدسنا الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسولنا الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا شيء مُختلف عن كل الصفعات الماضية وعن كل الإهانات التي وجهها إليهم سابقاً، وهي إهانة لا سابق لها يوجّهها لهم أمام شعوبهم أولاً، وأمام شعوب العالم قاطبةً… إنها «إهانة القرن»، بكل تفاصيل المشهد.
لم يتبقّ شيء يتجاوز حدود العقل والمنطق سوى القول إن الشمس تشرق من الغرب
صحيح أن هناك بوناً شاسعاً بين الشعوب الإسلامية العظيمة وتلك النخب السياسية الفاسدة التي تساقطت وتناثرت أمام «جبروت» رجل الكاوبوي الأمريكي وغطرسته عليهم في مدينة الرياض، والذي لم يقم لهم أدنى مراتب الاحترام حينما ودعهم بالجملة واتجه مباشرةً من مطار الرياض الدولي إلى مطار بن غوريون في تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني، ولسان حاله يقول أيها القادة العرب والمسلمون السُذَّج، إنني أهنتكم في أرض الحرمين الشريفين وأخذت ملياراتكم، وبينما درستم ابنتي الحلوة ماري إيفانكا ترامب شُرب القهوة العربية على يد أحد أمرائكم، علمتكم معنى الطاعة والإذعان للسيد الأمريكي، لكنني في الوقت ذاته لم ولن أغيّر قناعاتي كأمريكي متصهين تجاه حماية إسرائيل وشعبها المقدس.
اليوم، الرئيس دونالد ترامب يقول في تصريحه المقتضب قُبيل توقيعه على قرار نقل السفارة، إنني تشاورت يا مسلمي العالم مع «زعيمتكم» السعودية، وقد أعطت الضوء الأخضر لقرار نقل السفارة والبدء بتنفيذ فصول «صفقة القرن»، أي تصفية القضية الفلسطينية برُمّتها.
إذاً، ماذا بعد كل ما سُرد وما حُكي عن تلك المؤامرة القذرة التي حاكها عددٌ من شيوخ وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي ضد شعوبنا وأقطارنا العربية، الذين يرددون لنا في كل نشرة إخبارية من إمبراطوريات إعلامهم: بأن العدو الإسرائيلي لم يعد عدواً، وأن العدو قد أصبح إيران «الرافضية»، وأن العداء لم يعد عداءً بين المسلمين والفكر الصهيوني المغتصب لفلسطين، بل إن العداء قد تحوّل إلى عداءٍ بين مذهبي السنة والشيعة، وأن قتال العدو الإسرائيلي حرامٌ، لكن قتال «الروافض» – من شيعة لبنان والعراق وسوريا وزيود اليمن – حلالٌ أجازته كتب ومراجع الفرقة الوهابية المتطرفة، وأن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» أصبحت إرهابيةً، إلى آخر ذلك من تُرّهات وسفسطة علماء الفرقة الوهابية الإرهابية؟
إذاً، لم يتبقّ شيء يتجاوز حدود العقل والمنطق، سوى القول للأجيال إن الشمس تشرق من الغرب، ولا تصدقوا حركة ودوران الأرض! هذه هي المعجزات التي يطل بها علينا منظرو ومفكرو وساسة دول مجلس التعاون الخليجي ومرتزقتهم، التي كنا نردد ذات يوم في مدارسنا حينما كنا تلاميذ أنها دول رجعية متخلفة عميلة للاستعمار الغربي، أو أنها ذيل للولايات المتحدة الأمريكية. ألم يَكشف الأرشيف الأمريكي أن التآمر على المصالح العربية قد بدأ منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، أي منذ عهد مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، حينما كتب بخط يده بأنه يتنازل عن فلسطين لليهود المساكين؟ وتبعه نجله الملك فيصل بن عبد العزيز حينما وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، قبيل نكسة حزيران 1967م، يطالبه فيها بأن يساعد دولة الكيان الصهيوني على الانقضاض العسكري الخاطف على جمهورية مصر زمن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية اللبنانية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وأن تكون حرباً خاطفة لاحتلال أجزاء من كل هذه الأقطار، أي من دول الطوق؟
إذاً لماذا نستغرب ما حدث بالأمس من قبل المؤسسين الأوائل؟ ألا نتذكر معاً، وجمهور المتابعين للشأن العام وعبر القنوات الفضائية، بأن حركة التطبيع السريع قادها سمو الأمير تركي الفيصل آل سعود، رئيس جهاز الإستخبارات السعودي السابق وسفير المملكة لدى واشنطن سابقاً، وكذلك الجنرال أنور عشقي، المُكلّف بملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وربما هناك مساعدون آخرون من أمراء و رجال دين يقومون بهذه المهمة القذرة؟ هذه هي السيرة المعلنة للمملكة السعودية، وما خفي كان أعظم! إنه التاريخ الذي يوثّق ولا يرحم؛ والله أعلم منا جميعاً.
«وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ».
* رئيس حكومة الإنقاذ - صنعاء