لم تكن كذبةُ الصواريخ الإيرانية في اليمن والتي أطلقتها أمريكا هي الكذبة الأولى في تأريخ أمريكا المليء بالكذب والخداع، فمن كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، إلى كذبة الأسلحة الكيماوية في سوريا، إلى الكذبة الجديدة حول الصواريخ الإيرانية في اليمن، وبينها كذبات كثيرة، والهدفُ من كُلّ ذلك تحقيق أهداف أمريكا في العالم وخَاصَّة منطقة الشرق الأوسط.
نعرف جَميعًا أن الكذبة الأمريكية حول العراق أفضت إلى احتلاله وتدميره وإدخاله في نفق مظلم يصعب الخروج منه، كما أن الكذبة الجديدة حول اليمن تهدفُ من خلالها أمريكا إلى التغطية على فشل العدوان والجرائم التي ارتكبتها دول العدوان في حق الشعب اليمني بمباركة أمريكية، وكذا فإن هذه الكذبة الغرضُ منها أْيْضاً هو لفتُ أنظار الشعوب العربية والإسْلَامية عن القدس والقرار الأهوج الذي اتخذته إدارةُ ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإشغال الناس عن الالتفاف حول قضية القدس وفلسطين إلى خطر إيران على العرب والمسلمين، وبالتواطؤ مع الأنظمة العربية والإسْلَامية المنبطحة والتي تسير في فلك أمريكا، وفي المقدمة منها أنظمة الخليج والتي حوّلت بوصلة العداء من العدو الحقيقي للأمة العربية والإسْلَامية، وهو إسرائيل، إلى إيران التي نعرف أنها من أوائل الدول التي تقفُ في خندق الدفاع عن فلسطين، وهذا ما يغيض هذه الأنظمة التي ارتمت في أحضان العمالة لأمريكا وإسرائيل، وخانت القضية الأُمّ، وهي القضية الفلسطينية، ولا تريد أن ترى أي نظام أَوْ شعب يقفُ في مواجهة المشاريع الصهيونية الأمريكية في المنطقة.
مما لا شك فيه أن أمريكا تعرفُ حقَّ المعرفة أن هذه الصواريخ روسية وكورية الصنع من مخزون الجيش اليمني وتم تطويرُها بخبرات يمنية مائة بالمائة، لتصل إلى مديات أبعد وتصبح ذات قوة تدميرية أعلى، وهذا الأمر لا يخفى على المخابرات الأمريكية، ولو فرضنا جدلاً أن أمريكا لا تعرفُ حقيقَة أن الصواريخ روسية وكورية تم تطويرُها في اليمن فإن هذا يشكل عجزاً كَبيراً في نظامها الاستخباراتي الذي يوصف بأنه الأول على مستوى العالم، وعليها أن تعترفَ بهذا العجز إذَا كانت هذه المعلومات حقيقيةً، لكنها تعرف تَمَاماً أن هذه الصواريخ ليست إيرانية، وأن هذه الكذبة لأغراض أهمها كما قلت إشغال الناس عن فلسطين والقدس، إضَافَة إلى أنها تأتي في إطار الحملة الأمريكية الإسرائيلية على إيران لتخويف الأنظمة الخليجية من إيران وتحويلها إلى بُعبُع لاستنزاف تلك الدول بصفقات أسلحة مليارية واستلام ثمن ما يسمى بحماية هذه الأنظمة من وَهْم الخطر الإيراني.
أعتقد أن أمريكا ومعها دولُ الخليج مجتمعة لا تريد أن يكونَ هناك صوتٌ عربي وإسْلَامي مقاوِمٌ لإسرائيل، وخافت كثيراً من ردود الأفعال الشعبية، سواء من الفلسطينيين أنفسهم أَوْ من الشعوب العربية الحرة والتي أعلنت رفضَها لبيع القضية الفلسطينية، وبدأت تعي حجم المؤامرة التي تُحيكُها أمريكا وإسرائيل وهذه الأنظمة العميلة من أجل ذلك البيع، كما أن ردود الأفعال فضحت هذا التآمر الخليجي الأمريكي على الأُمَّـة العربية والإسْلَامية وفي المقدمة القضية المركزية وهي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وبالتالي فلا بد من اختراع كذبة جديدة تشغلنا عن ذلك وتساعدها الآلة الإعلامية الضخمة والكبيرة التي تمتلكُها أمريكا وأنظمة الخليج والتي تعمل ليلَ نهارَ ودون كلل أَوْ ملل لتزييف الحقائق وتضليل الشعوب وتغييب الوعي العربي والإسْلَامي عن قضاياه الأساسية والاتجاه به بعيدًا جِـدًّا إلى قضايا هامشية؛ كي تتسنى لها مواصلة السيطرة على المنطقة وثرواتها.
أمريكا ودولُ الخليج التي تقودُ العدوانَ على اليمن كما تريد لفْتَ الأنظار عما يجري في فلسطين فإنها أْيْضاً تريدُ تغييبَ مظلومية الشعب اليمني وما يتعرض له من حرب إبَادَة وقتل وتدمير لكل مقدراته، كما أنها لا تريد أن تعترفَ بفشلها في العدوان على اليمن وتريدُ شماعةً تعلق عليها هذا الفشل، وبالتالي فاختراعُ وَهْمِ إيران وتدخلها في اليمن وابتكار الكذب والدجل، وبالتأكيد فإن هذه الكذبة ستنكشف كما انكشفت سابقاتُها، وربما لن تعجزَ أمريكا في اختراعِ كذبةٍ جديدةٍ لتحقيق مصالحها وابتزاز أنظمة الخليج وإفراغ خزائنها.