عدت من المدرسة مساءً، وجدت شاحنة كبيرة تقف أمام بيت كنت أحسبه لنا، تسمرت في مكاني، أراقب ما حولي مشدوهاً، جاء والدي ورفعني بـيديه عالياً، أجلسني على قمة الأثاث المتراكم، وقال لي:
انتبه!
احذر أن يسقط أي شيء.
تحركت الشاحنة وأنا عليها، سار أبي وأمي وأخوتي على الأقدام، انتهت رحلتنا القصيرة في حي قريب من حينا السابق، أفرغنا عدتنا في جوف بيت قديم، يومها سمعت السمسار يقول لأبي:
هذا بيت بإيجار منخفض، خذ المفتاح وإليّ بعمولتي يا أبا مالك.
بعد عامين عدت من المدرسة ظهراً، وجدت شاحنة تقف أمام بيتنا، وتنقل متاعنا إلى مكان جديد، أبعد بكثير، لكنه بإيجار أقل!
تمر الشهور والسنوات، ينمو جسدي، وتستطيل قامتي، أصعد على متن الشاحنة بنفسي، أحرس أثاثنا الذي صار يتناقص شيئاً فشيئاً، مرة بعد مرة.
أهيم بوجهي في الشوارع مودعاً، ألملم ذكرياتي مشفقاً، ثم أنثرها على طرقات المدينة، وأرصفتها.. فهاهنا ولدت، وهناك ترعرعت، وخلف هذه البيوت رسوم مضحكة ابتدعتها أنا وصديق أثق بأنه لم يعد يتذكرني، واشتريت من هذا الدكان حلوى لفتاة أحببتها.
وهذا طريق مدرستي هنا تعثثثثرت…
ت
ح
ط
م
قلبي.
بكيت، انهمرت الدموع على وجهي ساخنة، والشاحنة لا تمل المسير، تنفث
في غلٍ دخانها الأسود، ليخنق في داخلي حلمي.
* نقلا عن :الثورة نت