عندما تكونُ في حضرة البدر فَــإنَّك تفقِدُ القُدرةَ على الكتابة.
وعندما تتفاجأُ -وبدون طلبٍ منك أَو تنسيقٍ مسبَقٍ- أنك قد صرتَ وجهاً لوجه مع القائد وفي ضيافته، فَــإنَّك تشعُرُ بأن فصاحتَك قد تحوَّلت إلى تمتمة، وأن قدرتك على الكلام قد اضمحلت وتلاشت.
وعندما تسمعُ حفاوةَ الترحيب وإطراء القائد لك من دون معرفة سابقة بك غير ما يقرأه لكتاباتك المتواضعة وأحاديثك التلفزيونية، فَــإنَّك لا تملك القدرة حتى على رد التحية بمثلها.. فما بالُك بأحسنِ منها؟! كُـلُّ ذلك؛ لأَنَّ دموعك قد تساقطت على خدَّيك من دون تكلُّف ولا تصنع؛ لأَنَّك لم تفعلها من قبلُ؛ ولأن حجمَ التواضع والبهاء والنور وكرم الضيافة وهيبة اللحظة التي لم تفارقها الابتسامةُ الصادقة على محياه.. كانت هي السبب.
طبعاً لن يصدقني أحدٌ إلا من يعرف القائد، وكان إلى جواره.. أن الرجلَ قام يسكُبُ القهوةَ وهو جاثٍ على ركبتيه.. رغم أن الثلاجة والفنجان بالقرب مني، قلت له يا أبا جبريل: هذا كثيرٌ علَيَّ. ولكنه أصر وقال: هكذا كان أبي يفعلُها وعلَّمنا إياها، وهو واجبُنا في إكرام الضيف.
الأمر الذي زاد عندي صعوبةً فيما كنت أهِمَّ الحديث به.. يا الله أيةُ مدرسة نهل منها هؤلاء؟!
طبعاً الموتورون وأصحابُ النفوس المريضة والمرتزِقة والذباب الإلكتروني لن يعجبَهم هذا الكلام وسيصابون بالصدمة؛ لأَنَّ لدينا قائدًا شابًّا يحملُ هذه الروحية وهذه القيم التي ليست في قواميس القادة، وحتى منهم أصغرُ منهم.
يشهد اللهُ إنني لم أستوعب ما جرى حتى الساعة.. هناك ما يشبه الصدمة؛ لأَنَّني تفاجأتُ باللقاء وتفاجأت حين قال لي: كيف تزور صعدة وتريد أن تغادرَها بدون أن نلقاك ونقومَ بواجب الضيافة؟
يا سيدي من أنا حتى تهتمَّ بيْ؟
ماذا قدَّمتُ للبلد مقابلَ ما قدَّمه الآلافُ؟
لستُ من المشايخ ولا من المسؤولين.
فأبي كان مزارعًا بسيطًا.. وأنا صحفي (مغمور) وكاتبٌ أقلُّ بكثير ممن هم أفصح مني!
هكذا كنتُ أتساءل في نفسي، وهو يسألني عن أهلي ويطلب مني أن أحدِّثَه عن بلادي وادي “بَنَا” وعن أحوال الناس وعن الزراعة في مناطقنا وعن تربية المواشي.
كنت أريدُ أن أكتُبَ لكم عن كُـلِّ لحظة عشتُها في هذا المقام الذي لم يخطر لي على بال، وكيف أن هذا الرجلَ -الذي كانت جُلُّ سنوات عمره في الحرب والقتال وفي التنقل بين الجبال والرمال- بهذا البهاء والنقاء والنظافة والعِلم والبيان وفصاحة اللسان.
أعْذِروني أيها المحبون والمبغِضون إن أطلت عليكم فقد كتبتُ بعضاً مما ادَّخِرُه لنفسي؛ لأَنَّ الموقفَ كان مَهيباً.
فأن أحظى بأكثرَ من ساعتَينِ وخمسٍ وأربعين دقيقةً في لقاء مباشر مع قائد الثورة وفي الظروف الصعبة، فَــإنَّ ذلك يعني أنَّ اللهَ يُحِبُّني، وأنَّ أمي تدعو لي.
في لقاء القائد"2"