من الأسباب التي قد توصل الإنسان إلى النفاق: البعض من المعاصي، والبعض من الذنوب: جرائم معينة، أو معاصي معينة خطيرة على الإنسان، يُخذل بسببها الإنسان؛ فيتحول إلى منافق.
الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” ذكر لنا في القرآن الكريم ذلك، فقال عن بعضهم: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَد َاللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [التوبة الآية: 75-77].
لاحظوا، هذه معصية من المعاصي، البعض منهم، وهناك نموذج لهذا البعض: واحد منهم (ثعلبة) الذي اشتهرت قصته في السير، وفي التفاسير، وفي التاريخ، الذي كان يذهب إلى النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” ويطلب من النبي أن يدعو الله له بالسعة في الرزق، والغنى، والثروة، يريد أن يكون مرتاحاً؛ فكان النبي يقول له: (يا ثعلبة، قليلٌ يكفيك، خيرٌ من كثير يطغيك)، أو كما ورد في النصوص، يعني: أنه من مصلحتك؛ لأن البعض من الناس- فعلاً يعني- يبطره الغنى والثروة، لا يصلح له الغنى والثروة (يبطر)، ولكنه يلح، وكان يقول: أن هدفه أن يكون ميسور الحال، لكي يتصدق، ولكي ينفق، ولكي يعطي، وعاهد الله على ذلك {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَد َاللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} عاهد الله على ذلك، ولكنه بعد أن أصبح ميسور الحال، وأعطاه الله الكثير من المواشي، أصبح لديه غنم ومواشي كثيرة، حتى خرج خارج المدينة المنورة، فيما بعد أمتنع حتى عن أداء الزكاة، وقال: [يريد منا جزية] عندما أتى إليه جامع الصدقات، ولم يعُد يهتم لا بصدقة ولا حتى بالزكاة، دعك من الصدقة النافلة، حتى الزكاة، ولا الإنفاق، ولا أي شيء، ولا {لَنَصَّدَّقَنَّ} ولا {وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}، فأخلف الله ما وعده، يعني: أخلف ما بينه وبين الله من التزام، وكذب في التزامه، وحنث في عهده، وأخلف في وعده؛ فكانت النتيجة أن عوقب بخذلان شديد {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}، أُعقب بهذا خذلاناً؛ يتحول بسببه إلى منافق، ويستمر في حالة النفاق حتى يلقى الله منافقاً؛ ولذلك يجب الحذر من الكثير من الذنوب والمعاصي، باعتبار أن بعضها قد تجر إلى النفاق، أو يخذل الإنسان بسببها؛ فيتحول إلى منافق، هذه بعض من الأسباب.
يبقى لنا أن نقول: أن المنافقين فئات متعددة، وأن النفاق- أيضاً- مستويات متفاوتة، يعني: ليس كل المنافقين على مستوى واحد، وفي درجة واحدة. |لا| هناك منافقون خطيرون جدًّا في نفاقهم إلى درجة أن الله قال للنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة الآية: 101]، وصلوا إلى درجة رهيبة يعني: من الخبرة النفاقية، حتى كانوا يستترون عن النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” فلا يعرف بهم، وهناك- أيضاً- منافقون لدرجة فظيعة جدًّا: عندهم حالة ارتياب، عندهم سوء ظن بالله، عندهم شك كبير، وهناك- أيضاً- منافقون يصلون إلى درجة في الواقع الفعلي وفي المواقف إلى درجة القتال أن يقاتل الأمة، والقرآن الكريم تحدث عن هذه الفئات، ونأتي إلى الحديث- أيضاً- باختصار.
البعض من المنافقين قد يصلون إلى درجة العداء القتالي، يعني: يقاتل الأمة، يذهب ويفتح حرباً على الأمة، هؤلاء قال الله عنهم في القرآن الكريم، وهو يعطي الإذن لمواجهتهم والتصدي لهم: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} [النساء الآية: 91]، هذه الفئة المحاربة من المنافقين، المعتدية، غير المسالمة: فئة تحارب، تعتدي، تستهدف الأمة عسكرياً أو أمنيا، هذه الفئة يجب التصدي لها بالقتال {فَخُذُوهُمْ} البعض مثلاً: قد يكون بالاعتقال مثلاً، والبعض بالقتال {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً}، الحالة التي يمكن فيها المعالجة بالاعتقال {فَخُذُوهُمْ}، والحالة التي يمكن بالقتال {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ}.
البعض منهم، |لا| درجة أدنى من النفاق، هذه الفئة التي لم تصل بعد إلى أنشطة مضرة، إنما تريد مثلاً أن تأمن من الطرفين: تأمن من جانب المؤمنين، من جانب أبناء الأمة، وتأمن من جانب الأعداء؛ فتحاول أن تعمل لها بعض التنسيق مع الأعداء والروابط البسيطة التي لم تصل بعد إلى أنشطة عدائية، فلاهم في صف الأمة، يقفون مع الأمة وفي مواجهة أعدائها، ولا هم وصلوا إلى درجة النشاط العدائي ضد الأمة، ولكن يحرصون أن يكون لهم روابط سرية، غير معروفة، مع العدو، في بداية تنسيق، هذه الفئة مادامت في هذا المستوى {فَإِن ِاعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء الآية: 90]، هذه فئة مسالمة، ولا تمارس أي أنشطة عدائية ضد الأمة، ولكنها تخذّل الأمة، يسمون أنفسهم حياديين مثلاً، أو شبه حياديين، يحاولون أن يتنصلوا عن المسئولية، هؤلاء هم في هذا المستوى: متخاذلين وصامتين، على حسب تسميتهم لأنفسهم (محايدين)، هذه الفئة من المنافقين في مستوى الاعتزال، لا تقاتل، ملقية بالسلم، يعني: لا تمارس أي أنشطة عدائية {فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} أتركوهم.
اللـــه أكـــبــــر
المــوت لأمريكــا
المـوت لإســرائيل
اللعنة على اليهود
النصــر للإســـلام
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية (لعلكم تتقون)
المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة: الأربعاء 26 رمضان 1438هـ 21 يونيو 2017م.
* نقلا عن :موقع أنصار الله