في خضمِّ ذكرى ولاية الإمَام عليّ (عليه السلام)، كان لا بُـدَّ من استذكارٍ لمنهجه الذي هو المنهج القويم الصالح للحياة، والمنهج المعبر عن القيم والمبادئ والمثل العليا الهادف إلى بلوغ العزة والتمكين والعيش الكريم والتقدم نحو الرخاء والنماء، والخلاص من التخلف واليأس والإحباط، إنهُ الحاجة الأَسَاسية التي يحتاجها عموم البشر؛ لكي يخرجوا من قوقعة الأزمات، إذ لو أن العالم سار على منهج الإمَام عليّ (ع)، (لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم ومِن تحتِ أرجُلِهِم رَغَداً) كما قال (عليه السلام) ولفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض.
لذلك، ولليوم الـ14 على التوالي؛ يطلُّ علينا السيدُ القائدُ العَلَمُ عبدُالملك بن بدرالدين الحوثي –يحفظهُ الله– والذي يمثِّلُ الامتدادَ الحقيقيَّ للمنهج العلوي المحمدي الإلهي القويم، الذي يحرصُ دائماً على أن يقدم لنا أقصى ما لديه من الهدى والنور الإلهي، محاولاً أن نستلهمَ العِبَرَ والدروس من وصية الإمَام عليّ لابنه الإمام الحسن (عليهما السلام)، والتي نحتاجها لتجسيدها في حياتنا ومعاملاتنا وليس لنستذكرها في هذه المناسبة أَو تلك، السيد القائد يحاول أن يجعلنا نتعرف أَو ندخل في مضامين هذه الشخصية العظيمة؛ قدر الإمْكَان، إذ لا يمكن أن نفعل ذلك دفعةً واحدة، فهي قضية صعبة جِـدًّا، فالإمَام عليّ (ع) محيط واسع بحجم الكون الواسع، إنما يحاولُ السيد العلم أن يسيرَ بنا على شاطئه؛ لنستلهمَ بعضَ الرؤى والبصائر ومقارنتها بالواقع؛ مِن أجل تغيير حياتنا واستنهاض واقعنا.
قبل سنوات كنّا مقصِّرين كَثيراً في إحياء منهج الإمَام عليّ (ع)، فلا محاضرات تُقدم ولا مؤتمرات تُعقد، ولا ندوات تُقام، حتى الكتب والمقالات والأبحاث والدراسات التي تتناول هذه الشخصية العظيمة قليلة جِـدًّا بالقياس إلى عظمته، غير أننا اليوم ما زلنا مقصرين أَيْـضاً، لذلك يُفترض أن يكون لنا عمل دؤوب ومتواصل لإحياء منهجية الإمَام عليّ (ع)، كإقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات وكذا المسابقات، ومعارض الكتب، والبرامج التوعوية التثقيفية والفنية في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد، على مدار العام وليس في المناسبات فقط.
الجانب الرسمي معنيٌ أَيْـضاً، إذ لا بُـدَّ أن يكون لهُ دور متميز في ذلك، وكذا العلماء والمثقفين والجانب الشعبي والجماهيري، لا بُـدَّ أن يكون هناك إحياء كامل لمنهج الإمَام عليّ (ع)، في كُـلّ منطقة وحيّ وبيت، لا بُـدَّ من أن تكون هناك حركة مُستمرّة في العلم والفكر والأدب حتى يصبح المجتمع اليمني ومن بعده العربي والإسلامي نابضاً بمنهج الإمَام عليّ (ع)؛ لأَنَّ هذا الأمر قليل في برامجنا وأنشطتنا، وهذا تقصير كبير سنُحاسَب عليه، إذ لدينا هذا المحيط العذب الواسع ولم ننهل من هذا الماء النقي الطاهر كي نغير حياتنا نحو الأفضل ونجدد أنفسنا.
منهجُ الإمَام عليّ (ع) يواجهُ المخاطرَ المستقبليةَ، من خلال هذه الرؤية بكل وضوح، وقادرٌ على استبعادها، من خلال المبدأ، فعندما يكون المبدأ صحيحاً تكونُ النهايةُ سليمةً، منهج الإمَام عليّ (ع) هو منهج لكل البشرية وفي كُـلّ الأزمنة، وليس لزمانٍ واحد، فهو منهج؛ مِن أجل بناء البشرية وتكاملها ونضجها العقلي، وكما قال السيد القائد: “هناك الكثير من الناس يريدون العيش المادي فقط، والعيش الجزئي، هؤلاء لا يفهمون بأن الحياة تحتاجُ إلى بناء ونهج استراتيجي شامل، يتناسَبُ مع النظام الإلهي”.
باعتقادي فَـإنَّ هذه الرؤية التي طرحها السيد القائد تحتاج إلى توعية مُستمرّة وإرشاد مُستمرّ، حتى تنضج في أذهان الناس، إذ لا يمكن فرضها فرضاً على الناس، وإنما هي عملية تربوية تعليمية، يتعلمها الناس حتى يلمسوا المنافع الكبرى التي يمكن أن يحصلوا عليها من خلال اتِّباع منهجِ الإمَام عليّ (ع) وتجسيده في واقعهم الحياتي، فلو أن الشعوب والحكومات الإسلامية قد اتبّعوا منهج الإمَام عليّ (ع) برؤيةٍ استراتيجية للمستقبل؛ لتجنبوا الكثيرَ من المخاطر والانتكاسات التي يقعون فيها اليوم.