في كل مجتمع هناك فئة متحكمة، مستغلة، مستأثرة، تتحرك في التأثير على المجتمع من حولها، والتحكم به حتى في صياغة المفاهيم، وحتى في مسار الحياة، فتطبع حياة الناس بطابعٍ يلائمها، يعزز نفوذها، يحكم سيطرتها، يساعدها على الاستغلال والتحكم، لا يشكِّل نقيضًا لهذا كله، لا نقيضًا لاستغلالها، ولا نقيضًا لسيطرتها،
ثم تعمل على استغلال ذلك في امتهان واستعباد المجتمع، فإذا أتى هدى الله الذي يحرر الناس من العبودية لغير الله، والذي يبني واقع حياتهم على أساسٍ من المبادئ والقيم والأخلاق والتشريعات والتوجيهات الإلهية، يرون في ذلك كله نزعًا لسيطرتهم، وقضاءً على هيمنتهم، ومنعًا لاستغلالهم، وحيلولةً بينهم وبين الاستعباد للناس، فيتجهون هم مستغلين سابق النفوذ، وتقادم التأثير، واستغلال السيطرة المستحكمة المؤثرة حتى في النفوس،
ثم يعملون إلى دفع الجميع للتنكر لذلك الحق، والعمل على استهداف كل من يخرج عن نطاق تلك السيطرة وذلك الاستغلال وتلك الهيمنة، تمثِّل هذه المشكلة الرئيسية عبر التاريخ بكله، في كل عصور الأنبياء المتقدمين، إلى خاتم وسيد المرسلين سيدنا محمد “صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُه عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”.
هذه الفئة سمَّاها القرآن الكريم باسمها (المستكبرون والطاغوت)، المستكبرون، وهم أيضًا الطاغوت، بطغيانهم يسعون إلى استعباد الناس والتحكم بهم والسيطرة عليهم، السيطرة المطلقة عليهم، هذا هو ما حدث في مكة، بعد أن بعث الله رسوله محمدًا “صَلَواتُ اللهِ وَسَلَامُه عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” تحرك الملأ في مكة،
{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص: الآية6]، تحركوا ولهم- من خلال فترات طويلة- تأثير في واقع المجتمع، وترسيخ لكل المفاهيم الظلامية التي تساعدهم على التحكم بالمجتمع والسيطرة التامة عليه، تحركوا بشكل كبير، وطبعًا الطاغوت في مفاهيمه الظلامية يربي المجتمع تربية سلبية، تترك أثرها السيئ حتى في نفوس الناس، حتى في وجدانهم، حتى في مشاعرهم، فتصنع حائلًا نفسيًا، وليس فقط فكريًا وذهنيًا، بل حتى نفسيًا، النفوس المدنسة، النفوس المنحطة، النفوس التي ألفت الباطل، وألفت الفساد، وانسجمت مع المنكر، لكثرة ما رُبيت على ذلك، وما دُفعت إلى ذلك،
وما حُشرت في ذلك، تصبح على نحوٍ من النفور والتوحش في اتجاه جانب الحق، في اتجاه مكارم الأخلاق، وتصبح متجهةً- حتى بالانسجام- إلى الطواغيت، إلى أرباب الفساد، إلى قادة الشر، إلى من يمثِّلون هم رموز الجريمة، والرذيلة، والمنكر، والفحشاء، والبغي، والفساد، والطاغوت، ينشدون إليهم تلقائيًا، يرتبطون بهم، ويتأثرون بهم، الكلام عن هذه النقطة يطول ويطول ويطول، وهي المشكلة الرئيسية في الواقع البشري، التي تكون أول عقبة تواجه الناس للحيلولة بينهم وبين الهداية، للحيلولة بينهم وبين الأنبياء والهدى الذي أتى به الأنبياء، ثم ما بعد فترة الأنبياء كذلك ما بين ورثة الأنبياء الحقيقيين، الصادقين، وهدى الله الذي يكونون هم مهتدين به، متمسكين به، ويدعون إليه، فتحول تلك العقبة بين الكثير من الناس وبينهم، وما لديهم من الهدى، وما هم عليه من الحق.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الأولى من محاضرات الهجرة النبوية 1440 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله