عندما نعود إلى ذلك المجتمع الذي كان نواةً للأمة، مجتمعاً محدوداً على المستوى الجغرافي، عدة كيلو مترات (المدينة)، ومن حيث العدد البشري بالآلاف، تبتدأ الدائرة بعددٍ بسيطٍ من الناس، بالمئات، ثم بالآلاف، وتتسع هذه الدائرة يوماً بعد يوم، على ماذا أسس الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” الأمة؟ على أسس مهمة، كان مبدأ التوحيد أساساً يبنى عليه كل شيء، التوحيد لله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” مبدأً بنيت عليه المبادئ الأخرى: القيم، الأخلاق، بنيت عليه مسيرة الحياة في الالتزامات العملية، في الحلال والحرام، كنظام، كمنهج للحياة، وكذلك أساساً للتوكل على الله، للثقة بالله، للاعتماد على الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أساساً للاستقلال لهذه الأمة، أن تنشأ بعيداً عن التبعية لأولئك من الأقوام الأخرى التي هي بعيدة عن هذا المنهج العظيم، لها توجهاتها، سياساتها، ثقافاتها، أفكارها مجتمعاً تخلَّى عن كل ما كان عليه من: خرافات، وأساطير، وعقائد ضالة، وأفكار خاطئة، ومفاهيم باطلة، وعادات سيئة، وتقاليد سيئة، وسلوكيات منحرفة… يتخلَّى عن ذلك بكله، ويرتبط بهذا المنهج الإلهي؛ ليكون هو العقيدة، هو المبدأ، هو المنهج، هو النظام، هو الذي يعتمد عليه، ويبني حياته من جديد على أساسه وعلى ضوء تعليماته، كان هذا هو الذي حدث.
وذلك المجتمع الذي مثَّل النواة الأولى للأمة الإسلامية توجه أيضاً حاملاً لهذه الرسالة الإلهية، مؤمناً بها، ثابتاً عليها، ومناصراً ومجاهداً، يواجه الأعداء، يواجه التحديات والأخطار، على هذا الأساس، مجتمعاً اعتمد فيما بينه على الإخاء والتعاون، والولاء الإيماني الذي جعله مترابطاً على أساس هذه الدعوة، على أساس هذا الهدى، على أساس هذا الدين، على أساس هذا المنهج الإلهي العظيم، كما قال الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[الأنفال: من الآية72]، فتشكَّل هذا المجتمع من: المهاجرين الذين هاجروا بأموالهم وأنفسهم، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، تركوا ديارهم، تركوا مصالحهم من خلفهم، والبعض هاجر حتى وهو لا يمتلك شيئاً، خرج وقد ترك حتى كل أمواله؛ لم يستطع أن يخرج بها، وصل إلى المدينة وبذل نفسه في سبيل الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.
ذلك المجتمع الذي تشكَّل من المهاجرين والأنصار على الإخاء، على الأخوة الإيمانية، على التعاون، على هذا الولاء الإيماني الذي يجعل منهم أمةً واحدة متآخية، متعاونة، متناصرة، {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أمة جاهدت، خاضت العديد من المعارك، واجهت التحديات، {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: الآية88]، أمة قبلت بالمبدأ الإلهي العظيم في أن تنهض بالمسؤولية، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية71]، فمع حمل تلك الأمة وذلك المجتمع الذي كان في نطاق جغرافي محدود، منطقة واحدة هي يثرب، منطقة صغيرة مقابل محيط واسع عربي وعالمي يختلف معها، ويناصبها العداء وليس فقط يختلف معها، بل ويحاربها، تدخل في حروب مع اليهود، وحروب مع النصارى، وحروب مع مشركي العرب، وتواجه التحديات والحصار الاقتصادي من هنا وهناك، لكن تلك التحديات والأخطار تقلصت شيئاً فشيئاً، وتلاشت شيئاً فشيئاً، وانهارت وتهاوت، وتعاظمت هذه الأمة المؤمنة واتسعت دائرتها، واستقوت شيئاً فشيئاً، حتى تغير الواقع بكله، حتى تهاوت وانهارت تلك الكيانات الكبيرة المحاربة لهذه الرسالة.
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
المحاضرة الثالثة من محاضرات الهجرية النبوية 1441 هـ
*نقلا عن : موقع أنصار الله